بكين 27 أكتوبر 2017 / مع إدراج تنمية مبادرة الحزام والطريق بموجب مبادئ التشاور والتشارك والتنافع في دستور الحزب الشيوعي الصيني خلال المؤتمر الوطني الـ19 للحزب الذي اختتم مؤخرا وما حققته المبادرة من إنجازات خلال الأربعة أعوام السابقة منذ أن طرحتها الصين عام 2013، من المتوقع أن يشهد بنائها زخما قويا بالتعاون مع جميع البلدان الواقعة بطول الحزام والطريق ومنها البلدان العربية.
فالترحيب الذي قوبلت به مبادرة الحزام والطريق من الجانب العربي يرجع في جزء منه إلى شراكة التعاون القائمة على قدم المساواة بين الصين والعالم العربي وإلى مشاركة الصين بشكل حثيث وإيجابي في عملية التصنيع بالدول العربية. وعلاوة على ذلك، فإن ما تدعو إليه المبادرة من مبادئ لتعضيد التعاون يتفق مع روح الانسجام المتجذرة في الثقافة العربية، هكذا قال شيونغ ليانغ المسؤول عن شؤون غرب آسيا وشمال أفريقيا بالجمعية الشعبية الصينية للصداقة مع البلدان الأجنبية.
ــ علاقات سياسية متينة
وقد أكد تيان ون لين الباحث بمعهد الصين للدراسات الدولية المعاصرة أن أساس الثقة المتبادلة بين الصين والدول العربية أصبح أكثر متانة، قائلاإن الصين تدعم دائما اختيار الدول العربية لطريق التنمية الذي يتماشي مع ظروفها الوطنية المحلية، وتدعم عملية السلام في الشرق الأوسط وكذا إقامة دولة فلسطينية مستقلة، فيما تقدم الدول العربية دعما ثمينا للصين في القضايا المتعلقة بمصالحها واهتماماتها الرئيسية.
كما أشار تشانغ يونغ لونغ من جمعية الصداقة الصينية- العربية إلى أن فلسطين تحمل أهمية إستراتيجية. وقد كانت الصين من أوائل الدول التي بدأت تدعم الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل قضيته وحقوقه المشروعة. وقال إن الجمعية تدعم التبادل بين الصين والدول العربية وتداوم على دعوة فلسطين إلى المشاركة في الفعاليات والأنشطة المختلفة التي تقيمها الجمعية وتنظيم فعاليات داعمة للقضية الفلسطينية.
وثمن السفير الفلسطيني لدى بكين فريز مهداوي سياسة الصين تجاه بلاده والعالم، قائلا إن" الصين تنتهج سياسة خارجية نشطة وفاعلة، لكن تستلهم من دروس التاريخ أننا لا يمكن أن ننجح جميعا بدون تنمية مشتركة". وأضاف أن مبادرة الحزام والطريق تستند إلى هذا المبدأ والأهم أنها تتجاوز حدود الصين وجيرانها وقارة آسيا إلى أوروبا وإفريقيا على أساس تحقيق الربح المشترك.
ــ علاقات اقتصادية تكاملية
كما أشار تيان ون لين إلى أن الصين والعالم العربي لديهما ميزات تكاملية، موضحا أن بعض الدول العربية تشهد حاليا تغيرات. فعلى الصعيد الداخلي أصبح الحفاظ على الاستقرار هو التوافق الأساسي لشعوب الدول العربية، حيث تسعى بعض الدول مثل مصر إلى دفع تحفيز النمو وإطلاق التصنيع وإعادة التصنيع من خلال تنفيذ مشروعات ضخمة. وعلى الصعيد الخارجي، بدأت الدول العربية تتجه شرقا وتدفع تنمية العلاقات مع الاقتصادات الناشئة. وفي هذا الإطار، تتيح المبادرة فرصا تاريخية للتعاون الصيني العربي وتساعد على تحقيق التحول الاقتصادي الصناعي في الأقطار العربية.
وأشار إلى أنه من الضرورة بمكان أن تغتنم الدول العربية هذه الفرصة التاريخية لبناء "الحزام والطريق" بشكل مشترك على أساس تهيئة مناخ آمن وأفضل لتعزيز تعاونها مع الصين في مجالي الاقتصاد والتجارة وتعميقه في مجال الطاقة وتوسيعه في مجالي المال والعلوم والتكنولوجيا لتحسين هياكلها الصناعية وتوفير فرص عمل أكثر وبالتالي الارتقاء بقدرتها الاقتصادية الكلية ودفع التنمية المستدامة الاقتصادية والاجتماعية.
ومن جانبه قال وو سي كه المبعوث الصيني الخاص السابق للشرق الأوسط إن روابط التعاون الاقتصادي متبادل المنفعة بين الصين والدول العربية صارت أكثر قوة ومتانة.
وأكد وو أن الدول العربية باتت الآن من أهم شركاء التعاون في مجال الطاقة وأهم الأسواق للمقاولات الهندسية والاستثمارات الأجنبية بالنسبة للصين. وقد أصبحت الصين ثاني أكبر شريك تجاري للعالم العربي وأكبر شريك تجاري لـ10 دول عربية.
إن دفع الصين التعاون الدولي في القدرة الإنتاجية يتوافق مع المتطلبات الواقعية للكثير من الدول العربية في دفع عملية التصنيع الجديد. وإن بناء خطوط الإنتاج أو إنشاء المجمعات الصناعية من خلال التعاون الدولي في القدرة الإنتاجية بهدف تجهيز الموارد بشكل عميق وتمديد السلسلة الصناعية وسلسلة القيمة ودفع تطوير الشركات المتوسطة والصغيرة الحجم والصناعات ذات الصلة، يفيد الدول النامية الساعية إلى دفع التصنيع بشكل حثيث، هكذا أوضح السفير السابق وو سي كه.
وبدوره ذكر يانغ قوانغ رئيس معهد بحوث غرب آسيا وإفريقيا بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية إن الوضع الحالي يشجع الجانبين الصيني والعربي على دفع تعاونهما الاقتصادي قدما مع اغتنام الفرص التي تتيحها مبادرة "الحزام والطريق"، والمشروعات القومية الكبرى قيد التشييد حاليا في مصر, والخطط الواسعة التي تشملها رؤية السعودية 2030.
ــ تعاون تجاري واستثماري في تقدم
وقد ارتفع حجم الاستثمارات الصينية في الدول العربية بشكل متزايد خلال السنوات الأخيرة، وخاصة مع دفع مبادرة الحزام والطريق قدما وتعزيز الترابط مع دول منطقة الشرق الأوسط. وأشار تقرير أصدرته المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات "ضمان" مؤخرا إلى أن الصين تجاوزت الولايات المتحدة لتصبح أكبر مصدر للاستثمار في الدول العربية.
وأشار تقرير أصدرته المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات "ضمان" إلى أن حجم الاستثمارات الصينية المباشرة في الدول العربية غير المالية شكّل 31.9% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة، التي جذبتها الدول العربية، وبقيمة بلغت 29.5 مليار دولار أمريكي، تلتها الإمارات العربية المتحدة بقيمة 15.2 مليار دولار محققة نسبة 16.4%، فيما احتلت الولايات المتحدة المرتبة الثالثة بقيمة 7 مليارات دولار مستحوذة على 7.6% منه.
وفي الواقع تشهد استثمارات الصين في الخارج نموا في إطار الحزام والطريق. ووأظهرت أرقام رسمية صادرة عن وزارة التجارة الصينية أنه خلال عام 2016، قام مستثمرون صينيون في الداخل بالاستثمار المباشر غير المالي في 7961 مؤسسة خارجية في 164 دولة ومنطقة، ليصل حجم الاستثمارات الصينية بالخارج إلى 170.11 مليار دولار أمريكي بزيادة نسبة 44.1% على أساس سنوي، وحققت الاستثمارات المباشرة للشركات الصينية في الخارج نموا مطردا على مدى عشرة أعوام متتالية.
إن الصين والدول العربية شريكان مهمان في التعاون التجاري والاقتصادي. وأظهرت إحصائيات صادرة عن وزارة التجارة الصينية أن الصين حاليا هي ثاني أكبر شريك تجاري للدول العربية، بينما تعد الدول العربية أكبر مصدر نفط للصين وثامن أكبر شريك تجاري وسوق مهمة لمشاريع المقاولات والاستثمارات الخارجية. وفي عام 2016، بلغ حجم التجارة بين الصين والدول العربية 171.14 مليار دولار أمريكي كما بلغ حجم عقود المقاولات الجديدة، التي وقعها الجانبان خلال العام الماضي 40.37 مليار دولار بزيادة قدرها 40.8% على أساس سنوي.
كما أكد متحدث باسم الوزارة قاو فنغ مؤخرا أنه خلال الأعوام الخمسة المقبلة، سوف تستورد الصين سلعا بقيمة 8 تريليونات دولار أمريكي وتستثمر ما يصل إلى 750 مليار دولار أمريكي، بما في ذلك استيراد سلع بقيمة تريليوني دولار من الدول الواقعة على طول الحزام والطريق واستثمار150 مليار دولار فيها.
ــ سياحة صينية مزدهرة إلى الدول العربية
وفي السنوات الأخيرة، مع طرح مبادرة "الحزام والطريق"، توطدت أواصر العلاقات الشاملة بين الصين، باعتبارها أكبر دولة من حيث الإنفاق في مجال السياحة الخارجية العالمية، وبين البلدان العربية الواقعة على طول "الحزام والطريق"، والتي تتمتع بمناظر طبيعية خلابة وتاريخ عريق وثقافات متنوعة. كما شهد التعاون بين الصين والأقطار العربية تعميقا في إطار هذه المبادرة.
وفي هذا الصدد، اتخذت الكثير من الدول العربية إجراءات تفضيلية بشأن التأشيرات الممنوحة للسائحين الصينيين، فيما تم تسيير عدد أكبر من الرحلات المباشرة لتسهيل انتقال السائح الصيني من بلاده إلى المقصد السياحي الخارجي.
على سبيل المثال، منح المغرب سياسة الإعفاء من التأشيرات لجميع المواطنين الصينيين منذ أول يونيو 2016، وهو ما شجع عددا كبيرا من السائحين الصينيين على زيارة البلاد . كما أكدت الجامعة التونسية للفنادق أن تونس استقبلت خلال النصف الأول من العام الجاري ما يناهز 9 آلاف سائح صيني بارتفاع يقدر بنحو 350 في المائة بعدما أعلنت تونس في فبراير 2017 إلغاء تأشيرة الدخول للسائحين الصينيين الوافدين إليها. أما مصر، فقد قامت بتسهيل إجراءات منح التأشيرة للصينيين وتدرس الآن إصدار تأشيرة سياحية إلكترونية للسائحين الصينيين.
تجدر الإشارة إلى أن قطاع السياحة لا يمثل جزءا هاما من الاقتصاد فحسب، بل يعد أيضا سبيلا مهما لتعزيز التبادل الثقافي. وبدوره، تسهم زيادة كل من أعداد السائحين الصينيين وحجم إنفاقهم في تحفيز عملية تطوير الوجهات السياحية وتنميتها اقتصاديا وتساعد أيضا على دفع التبادلات الشعبية والثقافية بين الصين وبلدان الوطن العربي.
وإلى جانب السياحة، تتعزز التبادلات الثقافية بين الصين والعالم العربي في إطار الحزام والطريق، وقد أقيم العام الثقافي الصيني المصري في عام 2016 الذي ذكر المستشار الثقافي بالسفارة المصرية لدى الصين الدكتور حسين إبراهيم إن فعالياته ضخت قوة وحيوية وزخما جديدا لتحقيق مزيد من التقدم والتعاون للدولتين العريقتين والشابتين, كما شيدت جسرا أكثر متانة بين الشعبين وخلقت مساحة أوسع لتسريع الارتقاء بالعلاقات الثقافية بين البلدين.
فقد استشعر جميع من شاركوا في إنجاح هذا العام الثقافي الذي تألق بإمتياز أن هذه النوعية من الفعاليات الثقافية المشتركة استطاعت أن تحكى قصة التبادل الحضاري والتعاون الثقافي بين البلدين وقربت بين قلوب الشعبين أكثر فأكثر وستسهم يوما بعد يوم في دفع التنمية الاقتصادية والتجارية والثقافية على طول الحزام والطريق.
يتفق الخبراء الصينيون على أنه في ظل عالم متعدد الأطراف، بات التعاون يشكل تيارا سائدا له وتحتاج فيه البلدان إلى الاحترام المتبادل والبحث المشترك والتعاون المكثف القائم على الكسب المتكافئ. ولن تألو الصين جهدا لتجسيد تعاون شامل متبادل المنفعة عبر منصة "الحزام والطريق.