أعلنت الولايات المتحدة يوم 8 أكتوبر الجاري عن تعليق جميع خدمات تأشيرات باستثناء المهاجرين في منشآتها الدبلوماسية في تركيا. وبعد بضعة ساعات فقط، وردا على هذا القرار، أعلنت تركيا عن تعليق كافة خدمات تأشيرات غير المهاجرين في منشآتها الدبلوماسية بالولايات المتحدة. ويعتقد المحللون أن تبادل " تعليق منح التأشيرات " زاد من التوتر الذي شهدته العلاقات الامريكية التركية إثر محاولة الانقلاب التي وقعت في تركيا العام الماضي.
عوامل متعددة "صبت الزيت على نار" العلاقات بين أمريكا وتركيا
الولايات المتحدة وتركيا لم تفسرا في البيانين عن "الأحداث الأخيرة" التي أدت الى أزمة " تعليق منح التأشيرات" هذه المرة. ومع ذلك، نشر السفير الأمريكي في أنقرة جون باس، في الموقع الرسمي للسفارة الامريكية بتركيا فيديو من أربعة دقائق ونصف يوضح فيها سبب " تعليق منح التأشيرات ". وقال جون باس أن السلطات التركية اعتقلت في 4 أكتوبر الجاري، أحد موظفي القنصلية الأمريكية في إسطنبول الذي تركي الأصل ويدعى متين طبوز، وأن هذه المرة الثانية التي تلقي فيها السلطات التركية القبض على موظفي السفارة الامريكية هذا العام. مشيرا الى أن هذه الخطوة ستقوض في التعاون بين البلدين.
وفقا لتحليل وسائل الاعلام الامريكية، اعتقل الجانب التركي موظفا في القنصلية الامريكية بإسطنبول بهدف كسب المزيد من اوراق المساومة لتسليم فتح الله غولن الذي تتهمه بتورطه في محاولة الانقلاب التي شهدتها تركيا في العام الماضي. كما يتهم متين طبوز بأنه ذي العلاقة معه.
وذكرت وكالة بلومبرج الأمريكية، أن رفض الولايات المتحدة تسليم فتح الله غولن اساس تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا، كما أن الخلافات بين الجانبين حول القضية السورية وخاصة القضية الكردية "صبت الزيت على نار" الصراع بين الطرفين. وأشارت الوكالة الى أن العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا تبدو أنها بدأت في تحسن بعد لقاء ترامب وأردوغان في نيويورك الشهر الماضي، لكن النزاع الحالي بين الجانبين يظهر عدم حل الخلافات المحتملة بين البلدين.
الجانبان لا يتطلعان الى تطور النزاع إلى مواجهة كاملة
أشار محللون إلى أن لعبة الشطرنج بين الولايات المتحدة وروسيا في الشرق الاوسط تمر بتغيرات دقيقة في ظل العلاقات الباردة بين الولايات المتحدة وتركيا والعلاقات الجيدة بين تركيا وروسيا.
وعلقت صحيفة " ستار " التركية، أن أزمة " تعليق منح التأشيرات" جعلت العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا أكثر توترا، وستؤثر على لعبة الشطرنج بين الدول العظمى في الشرق الاوسط. وعلقت وكالة بلومبرج الأمريكية قائلة:" إن الولايات المتحدة لا تريد أن ترى تركيا في مخيم أخر غير مخيمها، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار التقارب التركي من روسيا، وتزايد موقف الولايات المتحدة الصعب تجاه إيران، وافتقار الولايات المتحدة لحليف موثوق به في الشرق الأوسط."
وأشار تحليل في صحيفة نيويورك تايمز إلى أن العداء بين الولايات المتحدة وتركيا عزز التناقضات بين الجانبين داخل الناتو. وفي مارس من هذا العام، القت تركيا القبض على موظف بالسفارة الامريكية بتركيا بتهم مماثلة، ولكن لم تتم محاكمته بعد. كما أن قرار تركيا في الأسابيع الأخيرة الترحيب بقرارات زعماء كلا من تركيا وفنزويلا أمر أزعج الولايات المتحدة أيضا.
وأشار تحليل بصحيفة " الحياة" السعودية إلى أن تزايد تدهور في العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا سيدفع الأخيرة الى السير نحو تعزيز علاقاتها مع روسيا والابتعاد عن الناتو استراتيجيا. لذلك، فإن خوف الولايات المتحدة من اختلال التوازن بينها وبين روسيا في الشرق الأوسط خلف رفضها للتقارب التركي الروسي. ومع ذلك، الولايات المتحدة لا تزال قلقة من مستقبل المسار السياسي التركي، الأمر الذي جعل الحكومة الامريكية تظهر الجانب الصعب في الوقت المناسب، لسحب تركيا الى " المسار الصحيح " مرة أخرى.
ويعتقد الرأي العام عموما أن جرأة تركيا في وقوفها امام الولايات المتحدة، تهدف الى جعل الاخيرة تحس بقلق تركيا تجاه القضية الكردية وغيرها من القضايا الاخرى.
ومع ذلك، يتفق الراي العام على أن كلا من الولايات المتحدة وتركيا تتخذان تدابير لتخفيف حدة التوتر في العلاقات بين البلدين مستقبلا، تجنبا من أن تؤدي النزاعات الدبلوماسية الحالية الى مواجهة دبلوماسية شاملة.
"تأثير الولايات المتحدة وحلف شمال الاطلسي في الشرق الاوسط سيتقلص إلى حد كبير بمجرد انسحاب تركيا من المعسكر الامريكي". وذكرت صحيفة " الحياة " السعودية أن ضغط الولايات المتحدة الكبير جدا على تركيا، قد يدفع الاخيرة الى الجانب الروسي. لذلك، بالرغم من احتمالات استمرار التناقضات بين الولايات المتحدة وتركيا على المدى القصير، لكن الولايات المتحدة والناتو لن تتوقفا عن سحب تركيا نحوهما.