بكين 5 أكتوبر 2017 / "نعم أوافق" هاتان الكلمتان جعلتا دموع ليو يوان البالغ من العمر 38 عاما، وهو أب لطفلين، تنهمر، والسبب؛ لم يكن متعلقا بالموافقة على الزواج، ولكن بالتبرع بالأعضاء .
في الصين، يجب ان يحصل كل تبرع بالأعضاء بعد الوفاة على موافقة أعضاء الأسرة. وعمل ليو منذ عام 2013 كمنسق للتبرع بالأعضاء في مستشفى يوآن ببكين، ليتعامل مع طلبات العائلات والتبرع بالأعضاء والتوريد، فضلا عن خدمات الجنازات.
وبحلول نوفمبر عام 2017، سيصبح ليو متدربا بالدراسات العليا في مجال التبرع بالأعضاء وزراعتها جنبا إلى جنب مع 21 أخصائيا طبيا آخر من شانغهاي وبكين وقوانغتشو وكونمينغ و ووهان ونانتشانغ.
ويعتقد ليو وزملاؤه أن هذه الدورة تعد خطوة رئيسية في الصين لاعتماد نهج أكثر مهنية في التبرع بالأعضاء يتماشى مع الممارسات الدولية.
نقص المهارات:
تخصص ليو يوان في زراعة الكبد، لكنه لم يتدرب أبدا على زراعة الأعضاء قبل عام 2013.
كان ليو مترددا في العمل بهذه الوظيفة في البداية، إذ اعتقد أن عمل المنسق ليس إلا "إقناع الناس بالتبرع". كما أن احد أصدقائه غادر العمل بعد أن لم يحصل على أي تبرعات على مدى ستة أشهر.
وقام ليو بشراء كتب وأخذ دورات في التواصل الاجتماعي ، على أمل التواصل مع أسر المرضى بشكل أفضل.
وجاء أول تبرع عن طريقه بعد محادثة مع أهل فتاة، تبلغ من العمر 13 عاما، مصابة بورم في المخ وقد تم إعلان موت دماغها ، إلا أنها بقيت على قيد الحياة فقط عن طريق الأجهزة ولكن عائلتها كانت مترددة في التبرع.
ودعا ليو والد الفتاة لتناول مشروب سويا، حيث توصل الرجلان إلى اتفاق. ويذكر ليو كيف بكى طوال الليل، ليس فقط بسبب معاناة العائلة، ولكن أيضا لندم الأب .
وعملت صداقته وتفهمه دورا جيدا، إذ وافق الأب في اليوم التالي على التبرع بكبد وكلية وقرنية ابنته لمساعدة ثلاثة أشخاص على الأقل.
وفي السنوات الأربع الماضية، أكمل ليو أكثر من 30 تبرعا بالأعضاء . ولكنه فشل في أكثر من خمسة أضعاف هذا الرقم.
ويعتقد ليو يوان أن العائق الرئيسي أمام التبرعات يكمن في كون الكثير من كبار السن والمحافظين مازالوا يؤمنون بشدة بالتقاليد الصينية لدفن الموتى بشكل سليم، وأضاف ليو أن حتى والديه لا يدعمون التبرع بالأعضاء.
وتعرض ليو لسوء معاملة والاشتباه في تورطه بالاتجار في الأعضاء عندما طرح السؤال "هل توافق على التبرع بأعضاء المريض؟"
وحظرت الصين استخدام أعضاء السجناء الذين تلقوا حكم الإعدام في عام 2015، ليصبح التبرع الطوعي هو المصدر الشرعي الوحيد. ومع زيادة العدالة والشفافية للنظام، يزداد عدد الجهات المانحة للأعضاء ويزداد الوعي العام.
وتبرع حوالي 10 آلاف شخص بـ28 ألف عضو حيوي بعد الموت حتى الآن ، فيما تبرع إجمالي 4080 شخص بأعضائهم في عام 2016، في حين وصل عدد المتبرعين في عام 2010 إلى 34 فقط. وأعرب نحو 300 ألف صيني عن رغبتهم في التبرع بأعضائهم.
كما عجلت البلاد بتدريب أطباء للتغلب على نقص المهارات.
ورأى ليو العديد من العاملين في مجال الرعاية المركزة يفشلون في الحفاظ على الأعضاء الحيوية المتبرع بها من المانحين المحتملين، مما أدى إلى فشل العضو والتأثير على نوعية التبرعات، ويرجع هذا إلى نقص الخبرة.
وستقدم سبع جامعات صينية دورات للدراسة العليا في التبرع بالأعضاء وزراعة الأعضاء ، وذلك في إطار مشروع كيتلود (نقل المعرفة والقيادة في مجال التبرع بالأعضاء من أوروبا إلى الصين). وتشارك في تأسيسها المفوضية الأوروبية والجامعات الصينية، ومن المتوقع تسجيل 140 طالب في نوفمبر من هذا العام.
وستقوم شيويه فنغ بتدريس زراعة الكبد خلا دورة في جامعة شانغهاي جياوتونغ. وقالت إنها ستسد الفجوة في التعليم الطبي في الصين.
وأضافت "لقد تخلفنا عن الدول الغربية لنحو 3 عقود تقريبا، علينا ان نعمل بجدية أكبر".
دروس اللغة الاسبانية:
واشترك ليو في دورة خاصة على الانترنت في فبراير مع 21 طبيبا صينيا آخرين.
وتم تقصيهم من قبل أخصائيي التبرع بالأعضاء من اسبانيا وايطاليا وفرنسا، حيث قدموا لهم خبرات في النهج السريري وإدارة واستراتيجيات توصيل المعلومات في مجال التبرع بالأعضاء ، وفقا للمبادئ التوجيهية الأوروبية.
وأجريت الدورة على الانترنت لثلاثة أشهر من خلال مجموعة مناقشة على تطبيق للتواصل الاجتماعي ، حيث مكنت الطلاب من قراءة مذكرات المحاضرات على هواتفهم الذكية. كما تم عرض العمليات الجراحية في صور وأشرطة فيديو، بينما ساعدت أدوات الترجمة عبر الانترنت في التواصل باللغة الانجليزية.
ثم ذهب الأطباء بعد ذلك إلى جامعة برشلونة في مايو لمدة أسبوع .
ومن المقرر أن يعلموا ما تعلموه مؤخرا لـ140 من خريجي الدراسات العليا على مدى عامين في سبع جامعات.
وقال مارتي مانياليتش، رئيس معهد التبرعات والزراعة في اسبانيا، في افتتاح الدورة التدريبية ان الهدف لا يقتصر على تبادل المعرفة، بل نقل المسار إلى الصين، وتكييفه مع الاحتياجات المحلية.
وأضاف مارتي إن "سبع جامعات ليست كافية، علينا تدريب المزيد من المحترفين الصينيين في العقود القادمة".
ولدى اسبانيا أعلى معدل للتبرع بالأعضاء في العالم، حيث سجلت في عام 2016 معدل تبرعات بلغ 43.4 تبرعا لكل مليون شخص، في حين يبلغ المعدل في الصين 2.98، على الرغم من الارتفاع المسجل من 0.03 في عام 2010.
وتعد الريادة المهنية احد أهم أسباب نجاح اسبانيا في هذا المجال، حيث بدأت جامعة برشلونة في تقديم دورات الدراسات العليا في التبرع بالأعضاء منذ الثمانينيات والتسعينيات قبل أن تعترف بها وتتبعها الدول الأوروبية الأخرى .
ومنذ ذلك الحين، أخذت اسبانيا زمام المبادرة لإقامة الدورات التدريبية والتبادلات الدولية، حيث دربت أكثر من 10 آلاف محترف من جميع أنحاء العالم.
وانضمت الصين إلى المشروع في عام 2013. وأُعجبت وانغ لو، زميلة ليو يوان وهي أيضا منسقة للتبرع بالأعضاء وواحدة من "أطباء البذور" أٌعجبت بالمناقشات المفتوحة واسعة النطاق وتعلمت طريقة التعلم حسب منهج سقراط التي نادرا ما تظهر في التدريب الصيني.
كما تعلم ليو أن الصمت أثناء التقرب من الأسر أفضل من الحديث في بعض الأحيان.
وقال تشانغ لي تسه، طبيب الأعصاب الذي شارك أيضا في التدريب، إن "التواضع يفوز بالثقة وهذا ينطبق أيضا على جوانب أخرى من العمل"
أفضل وصفة طبية:
ومازال العديد من أخصائيي الطب الباطني والأطباء القاعديين المشككين في فوائد زراعة الأعضاء غير مستعدين للمساعدة في العثور على مانحين محتملين بين مرضاهم. ربما يفتقر البعض إلى المعرفة، ولكن بعضهم يتجنب التوترات المحتملة مع المرضى.
ويشار إلى أن منظمات توفير الأعضاء والفرق المسؤولة عن تقديم وتوفير الأعضاء المتبرع بها غير منظمة بشكل جيد أو مهمشة بشدة في العديد من المستشفيات، كما انه لا يوجد مكاتب أو منسقين متفرغين.
وأبدى تشن شياو سونغ، منسق بمستشفى شنغهاي رنجي، مخاوفه بشأن صعوبة العثور على أطباء راغبين في التعليم وطلاب مهتمين بدراسة هذا الموضوع. كما أن الكتب الدراسية لم تترجم بعد إلى اللغة الصينية.
وقال هو فنغ تشونغ، نائب مدير المركز الإداري الصيني للتبرع بالأعضاء ، انه على الرغم من الانجازات الملحوظة التي تحققت خلال الأعوام العشرة الماضية في الصين، إلا أن التبرع بالأعضاء بها لا يزال في مراحله الأولى ما يتطلب العمل الجماعي لجميع فئات المجتمع.
ودعا إلى توثيق التعاون في القطاعات القانونية والاقتصادية والسياسية والطبية. كما اقترح تقديم وزارة التعليم سياسات داعمة لتشجيع المزيد من المعاهد والكليات، وحتى المدارس الإعدادية والابتدائية للحصول على دروس بشأن التبرع بالأعضاء .
وقال لي ون لي ، رئيس قسم زراعة الكبد في جامعة كابيتال الطبية إن التعليم هو "أفضل وصفة طبية" للتبرع بالأعضاء .
وذكر قائلا "إذا كان التبرع بالأعضاء نهرا، فالطاقم الطبي هو المصب عن طريق تعاملهم مع الحالات الفردية" مضيفا "ولكن حينما يصبح التبرع بالأعضاء جزءا من التعليم، فإننا نتحرك نحو المنبع، ويمكن لذلك أن يؤثر على جيل كامل".