أعلنت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" يوم 17 سبتمبر الجاري بيانا تعلن عن حل "اللجنة الإدارية "في قطاع غزة، ودعوة حكومة الوفاق الوطني للقدوم إلى قطاع غزة، لممارسة مهامها. ويعتقد المحللون أن قرار حماس هام جدا سيسهم دون شك في النهوض بعملية المصالحة الداخلية الفلسطينية، ويتوقع أن تنهي الانقسام السياسي الذي دام 10 سنوات، إذا ما تمكنت حماس وحركة التحرير الوطني الفلسطيني " فتح" تنفيذ اتفاق التسوية الذي تم التوصل اليه في عام 2011.
لماذا حركة حماس تليين مواقفها؟
قال ناجي شلبي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الازهر بغزة، أن قرار حماس لإنهاء الانقسام هو تطهير لاهم عقبة داخلية، وفتح الباب للمصالحة. وقد اصرت فتح منذ تولي محمود عباس قياده على تسليم حماس السلطة كشرط مسبق للمصالحة. وأن موافقة حماس التي تمسكت بالمقاومة لسنوات عديدة فجأة يعود الى عوامل عديدة داخلية وخارجية.
من جهة، أدرك محمود عباس هذا العام بصعوبة استمرار طريقة العمل السابقة التي تبقى مجرد شعارات، وبدأ التحرك الواقعي، بخفض الاجور المدفوعة للعاملين الحكوميين في قطاع غزة، ومطالبة سبعة آلاف منهم بالتقاعد المبكرة، وخفض رسوم الكهرباء لقطاع غزة المدفوع الى اسرائيل. وقد أدت هذه الاجراءات الى زيادة العبء المالي لحماس وتضاعف ضعفها. والأهم من ذلك، تشهدت منطقة الشرق الاوسط في هذا العام سلسلة من الاضطرابات السياسية، حيث شعرت حماس بأن العلاقة مع أنصارها تركيا وقطر والمملكة العربية السعودية ودول الخليج الاخرى باتت مليئة بعدم اليقين، وأن شعورها بقوة الازمة دفعها في نهاية المطاف الى استرخاء مواقفها.
وفي السابق، حماس لم يتدهور وضعها في قطاع غزة بالرغم من الحصار الذي تفرضه اسرائيل عليه منذ فترة طويلة، وذلك يعود الى دعم تركيا وقطر لها. حيث شهد اقتصاد قطاع غزة في السنوات الاخيرة تعافيا ملحوظا، واعيد بناء بعض الهياكل الاساسية. ومع ذلك، أثارت الازمة الخليجية وحصار قطر قلق قطاع غزة من أن يصعب على قطر تمويلها من ناحية، ومن ناحية أخرى، لا تريد حماس الوقوف مع قطر حتى لا تغضب السعودية وغيرها من الدول العربية الرئيسية. وهكذا اختارت حماس المصالحة مع فتح، على الاقل من أجل تخفيف الضغط المالي، والحد من الآثار السلبية للتغيرات في البيئة الخارجية.
ترحيب الفصائل الفلسطينية بالمصالحة
أصدرت حركة فتح والأحزاب السياسية الفلسطينية الأخرى بيانا يوم 17 سبتمبر ترحب بقرار حركة حماس. حيث وصف النائب ماجد أبو شمالة الأمين العام للجنة التكافل الوطنية، إعلان حركة "حماس" انهاء الانقسام الداخلي الفلسطيني بـ "الخطوة السياسية الواقعية". ومن جانبها، أعلنت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين أن اعلان حركة حماس " خطوة أساسية" لإنهاء الانقسام الداخلي، داعين الى أجراء حوار وطني فوري، ووضع آلية فعالة لتنفيذ اتفاق التسوية. وذكرت حركة فتح أنها على استعداد لعقد اجتماع ثنائي مع حماس ويليه اجتماع مصالحة موسع مع مختلف الفصائل الأخرى.
وقال محمود عباس في بيان أصدره يوم 17 سبتمبر الجاري، أن اجتماع مناقشة مقترحات للنهوض بعملية المصالحة الوطنية سيتم عقده مباشرة بعد عودته في المشاركة في الدورة الثانية والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة. وقال المحلل السياسي الفلسطيني هاني المصري، أن المصالحة بين حماس وفتح سيعزز تشكيل ادارة حكومة فلسطينية بأكملها، وعقد انتخابات لجنة تشريعية وانتخابات رئاسية خلق بداية جديدة. ويتوقع أن الوحدة السياسية الفلسطينية ستصدر صوتا قويا في محادثات السلام الفلسطينية ـ الاسرائيلية المقبلة.
آفاق المصالحة تبقى محل اهتمام
مما لا شك فيه فإن إنهاء الانقسام الداخلي خبرا سارا للفلسطينيين. ولكن بالنظر الى التاريخ، العديد من المحللين السياسيين متفائلون بحذر بشأن آفاق المصالحة. وفي عام 2007، اندلع الصراع بين فتح وحماس، بعد سيطرة الاخيرة على قطاع غزة بالقوة، وسيطرت حركة فتح على منطقة الضفة الغربية. وفي مايو 2011، وقعت فتح وحماس على اتفاق تسوية في القاهرة بموجب وساطة مصرية. وفي أبريل 2014، أعلن الفصيلان عن تنفيذ اتفاق التسوية، لكنه لم يتم تنفيذه حتى الآن. كانت عملية المصالحة بين فتح وحماس متعثرة، واتهم الجانبان مرارا وتكرارا بعضهما البعض بالمسؤولية عن ذلك، الأمر الذي جعل الكثير من الفلسطينيين يعتزون بتحقيق الوحدة الوطنية.
وقال المحلل السياسي في قطاع غزة، عدنان أبو عامر، أنه لا يستبعد أن هذا الاجراء مؤقت لحماس. وفي مواجهة الأعباء الاقتصادية الثقيلة، يمكن لحماس كسب الدعم المالي من محمود عباس بعد انهاء الانقسام، وقد تغير موقفها بعد خفض الضغوطات.
كما أشار بعض المحللين السياسيين الفلسطينيين إلى أنه، بالإضافة الى حل " اللجنة الإدارية"، موقف حماس ليس جديدا، وإنما ركل الكرة الى جانب محمود عباس. وأن عدم تقديم حماس تدابير ملموسة لتنفيذ التسوية حتى الآن، يجعل عملية المصالحة الداخلية الفلسطينية اختبار بحاجة الى وقت.