بقلم/ وو تشنغ لونغ، سفير سابق ومعلق خاص في شبكة غلوبال تايمز
يشهد المسرح السوري بعض التغييرات الهامة في الآونة الأخيرة. وقال وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو بعد الموافقة على إنشاء مناطق "تخفيف التصعيد" في سوريا، إن الحرب الاهلية في سوريا قد توقفت بالفعل. وقد حققت القوات الحكومية السورية نتائج في تحرير الكثير من المناطق من ايدي تنظيم " الدولة الإسلامية" وغيرها من المنظمات المتطرفة الأخرى. وبالإضافة الى ذلك، فإن البلدان الداعمة للمعارضة المسلحة في الماضي تغير تفكيرها وأوقفت دعمها لهم، ما دفع الحرب السورية تتجه لصالح الحكومة السورية.
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن إلغاء دعم وكالة المخابرات المركزية الامريكية للمعارضة السورية أولا، منتقدا هذه السياسة بأنها "مشروع نطاق واسع وخطير وهدر المال للمسلحين المناهضين للحكومة". ووفقا للتقارير، تشارك الاستخبارات البريطانية في المشروع أيضا. وأن انسحاب الولايات المتحدة من " النار" سيتبعها بريطانيا أيضا.
وكانت تركيا داعما للمعارضة المسلحة السورية وتحولت الى مصدر تمويلها ومنشأ لأفرادها المسلحة وقناة هامة لتنقلهم. ولكن، باتت تركيا قلقة من أن تستغل القوات الكردية المسلحة على أراضيها فرصة التوسيع المتزايد للأكراد السوريين والتعاون معها، ما جعلها ترسل قواتها لعبور الحدود الى الاراضي السورية ليتم تطهيرها. كما توصلت تركيا وروسيا وإيران الى توافق لحل الأزمة السورية وبدء عملية محادثات السلام في أستانا، وتحديد إنشاء مناطق "تخفيف التصعيد" في سوريا، تجنبا لتبادل إطلاق النار المباشر بين القوات الحكومية والقوات المعارضة.
وأعلنت الاردن منذ وقت ليس ببعيد عن أن العلاقات الثنائية مع دمشق تسير في الاتجاه الصحيح، بعد أن أيدت المعارضة السورية بحزم في الماضي.
وأوضح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في لقاء مع رئيس المعارضة السورية في الرياض مؤخرا، أن المملكة العربية السعودية ستخرج من سوريا. كما أعربت الدول الخليجية الأخرى الداعمة للمعارضة المسلحة السورية عن غسيل يدهم، وتعمل على إقناع المعارضة السورية بأن بشار الأسد لا يزال على خشبة المسرح.
وليس غريبا هذه " الهجرة" عن الفصائل المعارضة المسلحة السورية. حيث أن الفصائل المعارضة السورية في الداخل متفككة وتعيش حالة من الفوضى غير قادرة على تشكيل برنامج سياسي موحد، وجبهة قتالية موحدة فعالة ونظام القيادة. والاخطر من ذلك، فإن القوات المسلحة المعارضة مندفعة في كثير من الاحيان، وقتال بعضهم البعض. كما تعمل بعض من فصائل المعارضة المسلحة على تمرير لغة تنظيم " القاعدة" وغيرها من المنظمات الارهابية في الظلام والتعاون في القتال ضد الحكومة السورية، ونقل الاسلحة التي توفرها الولايات المتحدة لهم سرا الى تنظيم " القاعدة".
تمر الحرب في سوريا بمرحلة تحول استراتيجي بعد استيلاء الجيش السوري على حلب، كما فقدت الولايات المتحدة وبلدان أخرى الارادة السياسية والتصميم على مواصلة مساندة المعارضة المسلحة السورية، وتقلص وتراجع لاعتبارات استراتيجية رئيسية. وأن فقدان المعارضة المسلحة مساندة ودعم الولايات المتحدة وغيرها من البلدان الاخرى يعني فقدان الوقود، وآفاق غير متفائلة.
تعتبر الحرب الأهلية السورية حربا بالوكالة، وقد أخرجت الضغوطات الطائفية والعرقية والجيوسياسية المتراكمة لسنوات عديدة بشكل مدمر من خلال هذه الحرب. وبعدها، تم إعادة تحديد التباين بين جميع القوى، ما يهيئ الظروف للسلام وإعادة اعمار سوريا.
وخلافا لما توقعته الولايات المتحدة ودول أخرى، فإن بشار الاسد ليس فقط لم يتم الاطاحة به، وإنما المسيطر على ساحة الحرب ومبادرة محادثة السلام. وإن المشكلة التي تواجهها الولايات المتحدة والدول الغربية الاخرى ليست الاطاحة ببشار الاسد، وإنما مطالبة الحكومة السورية قطع هذه الدول علاقاتها مع الارهابيين، حتى تنظر في اعادة فتح سفاراتها والتعاون الامني معها.
وبطبيعة الحال، توقف الحرب الاهلية السورية لا يعني نهايتها، حيث لا يزال حل الازمة السورية نهائيا بعيدا. كما قال بشار الاسد، أن المعركة لم تحقق انتصارا كاملا بعد، وإنما لا تزال مستمرة. وفي الوقت الحالي، الحكومة السورية لم تسيطر بعد على المنطقة المحيطة بدمشق، كما لا تزال الحرب جارية في بعض المناطق الشرقية ومقاطعة إدلب الشمالية الغربية، ومشكلة بقاء القوات الخاصة الأمريكية في سوريا بعد القضاء على تنظيم " الدولة الاسلامية “، ومسائل المصالحة الوطنية وترتيبات أخرى في المستقبل. ولحل هذه المشاكل، لا يزال أمام حكومة بشار الاسد طريق طويل وعمل شاق.