بكين 9 سبتمبر 2017 / ومن تدشين أول قطار رصاصة "خه شيه" (التناغم) في عام 2007 وصولا إلى انطلاق قطار "فوشينغ" (النهضة) وسرعته 350 كلم/ساعة في عام 2017، خرجت القطارات الصينية فائقة السرعة من العدم إلى الوجود؛ ومن الافتقار إلى التكنولوجيا المحورية وصولا إلى امتلاك حقوق الملكية الفكرية الكاملة، صارت الصين دولة تملك أكبر شبكة سكك حديدية وأكثر النظم التكنولوجية للقطارات فائقة السرعة والصناعات المرافقة لها اكتمالا في العالم. كما أصبحت القطارات فائقة السرعة "بطاقة تعريف" لمنتجات الصين إلى العالم.
-- مزايا القطارات الصينية فائقة السرعة
توجد في الصين حاليا خطوط سكك حديدية فائقة السرعة يصل طولها إلى 22 ألف كلم، وتبلغ سرعة ثلث القطارات التي تسير عليها 350كلم/ساعة. وتتشكل شبكة السكك الحديدية فائقة السرعة من أربعة خطوط عمودية وأربعة خطوط أفقية لتصبح الصين بذلك الدولة الوحيدة التي تدير قطارات فائقة السرعة في إطار من الشبكة. ومن المقرر أن يصل طول خطوط السكك الحديدية فائقة السرعة إلى 38 ألف كلم بحلول عام 2025 لتتطور إلى شبكة مؤلفة من ثمانية خطوط عمودية وثمانية خطوط أفقية.
وأشار الخبراء إلى أن ثمة مزايا واضحة للقطارات الصينية فائقة السرعة تتمثل فيما يلي:
أولا: التكنولوجيا المتقدمة. فالصين لا تمتلك أكبر شبكة من القطارات فائقة السرعة في العالم فحسب، بل إنها الدولة الوحيدة التي تقوم بتشغيل قطارات فائقة السرعة تتجاوز سرعتها 350 كلم/ ساعة. هذا علاوة على تفوق الصين في صناعة السكك الحديدية ومترو الأنفاق بحيث تتكيف مع جميع الظروف الجغرافية والجوية، إذ تستطيع على سبيل المثال ضمان عدم تعرض خطوط السكك الحديدية لأي خلل حال حدوث اختلاف كبير في درجة الحرارة.
ثانيا: الآمان والموثوقية. فالمعايير الأمنية الصينية تتطابق مع المعايير الأمنية الأوروبية، ولكن معايير تنفيذ المشروع تتفوق بكثير على المعايير الأوروبية، وحتى نهاية عام 2016، بلغ طول خطوط القطارات فائقة السرعة 22 ألف كلم في الصين التي يصل الآن عدد مجموعة القطارات لديها إلى 2586 مجموعة وعدد قطارات الرصاصة لديها إلى 20688 قطارا يتم تشغيلها جميعا لقطع مسافة تتجاوز 2.8 مليار كلم وتحتل بذلك المرتبة الأولى عالميا. كما قامت مجموعات قطارات الرصاصة في عام 2016 بتوصيل أكثر من 160 مليون مسافر إلى وجهاتهم ليتجاوز هذا العدد نصف إجمالي حجم توصيل المسافرين في أنحاء البلاد. وفي الواقع، تعد مثل هذه الأرقام خير دليل على مدى آمان وموثوقية هذه القطارات.
ثالثا: الثبات والراحة. فقد انتشر على مواقع الإنترنت في الفترة الماضية فيديو تُوضع فيه عملة معدنية على شباك قطار صيني يسير بسرعة تتجاوز 300 كلم/ساعة دون أن تسقط. وهو برهان على ثبات القطارات الصينية فائقة السرعة ومدى راحة الركاب بداخلها. وفي الحقيقة، لا تقتصر الراحة على الثبات، بل هناك عوامل متعددة أخرى مثل السيطرة على الضوضاء وتوفير خدمات مثل الـ"واي فاي" على متن قطارات النهضة.
رابعا: عالية الجودة ورخيصة التكاليف. تفوق المعايير الصينية في القطارات فائقة السرعة على المعايير الدولية، ومع ذلك تكون تكاليفها أقل والقدرة التنافسية الشاملة قوية نظرا لما تكتسبه من مميزات فيما يتعلق بالتصنيع على حجم كبير وسلاسل الصناعات الكاملة والقدرة المتميزة في ضبط التكاليف، حيث تشير التقديرات إلى أن الشركات الأجنبية تتكلف أكثر من 50 مليون دولار أمريكي لإنشاء كل كلم من المشروع فيما تحتاج الصين إلى نصف هذا المبلغ لإنشاء نفس المسافة.
وبالإضافة إلى ذلك، تمتلك الشركات الصينية قدرة قوية على تنفيذ العقود ولاسيما تسليم أي منتج يتعلق بالسكك الحديدية في الموعد المحدد بفضل الكفاءة العالية للعاملين الصينيين.
وفي الوقت الراهن، تعكف شركات البناء الصينية على استنساخ نمط "المعايير الصينية" في مجال البنية التحتية عند إقامتها لمشروعات في الدول والمناطق المشاركة في مبادرة الحزام والطريق، حيث تنخرط الصين في تعاون حثيث في مجال القطارات فائقة السرعة مع تايلاند والبرازيل والمكسيك وروسيا وغيرها لتغطى إفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا والمنطقة الأوقيانوسية.
-- منافع القطارات الصينية فائقة السرعة
إن المنافع الشاملة لتطوير القطارات فائقة السرعة كبيرة للغاية. فوجود شبكة قطارات فائقة السرعة تعمل بسلاسة من شأنه أن يقلل المسافة ويختصر الوقت بين المدن ويحفز الاندماج العميق للأموال والكوادر والمعلومات والخدمات والثقافات والسياحة وغيرها ، ما يطلق العنان لمزيد من المنافع المتواصلة.
وفي الصين، غيرت القطارات فائقة السرعة وضع النمو الاقتصادي للمدن الواقعة على شبكتها وجلبت لها منافع جمة. فالكثير من المدن الصينية قامت اعتمادا على القطارات فائقة السرعة ببناء "حزام اقتصادي لمحطات القطارات فائقة السرعة" و"مدن جديدة حول المحطات" و"مناطق جديدة حول المحطات" لتعيد بذلك تحديد ملامح "الخارطة الاقتصادية" للمدن، الأمر الذي يسهم بدوره في تحفيز الإمكانات الكامنة بطول شبكة القطارات فائقة السرعة ويدفع نموها الاقتصادي المنسق قدما.
كما أصبح القطار فائق السرعة خيارا رئيسيا بين وسائل النقل بالنسبة للصينيين عند الانتقال والسفر. فالآن، يستقل الصينيون القطارات فائقة السرعة ليصلوا إلى أنحاء البلاد، وعند تخطيطهم للقيام برحلات سياحية مع العائلة، يفضلون التوجه إلى المدن التي شُيدت بها محطات للقطارات فائقة السرعة ويجعلون من تلك المدن خيارا أولا لهم. فنمط "القطارات فائقة السرعة زائد السياحة" اختصر المسافة بين المدن وألف بين القلوب أيضا.
إن خروج القطارات الصينية فائقة السرعة من بوابة الصين ومسعى الصين الحثيث إلى تقوية التعاون مع بلدان العالم لا يسهم فقط في تعميق علاقات الصين الخارجية وتقاسم قدراتها في مجال النقل مع الدول الأخرى ، وإنما يظهر تحمل الصين لمسؤولياتها وواجباتها كدولة كبرى في العالم.
وفي السنوات الأربع الماضية، قامت الصين بإنشاء خطوط سكك حديدية في لاوس واندونيسيا وغيرهما من الدول، لتنهض بالبني التحتية للسكك الحديدية في تلك الدول التي زادت بذلك آمالها في دفع عجلة النمو الاقتصادي بطول سككها الحديدية المطورة. وبتوجه تكنولوجيا بناء السكك الحديدية والقطارات الصينية نحو العالم، تقدم الصين للدول والمناطق الواقعة بطول الحزام والطريق من ناحية خدمة جيدة، وتتيح لها من ناحية أخرى فرصا هائلة.
فالقطارات فائقة السرعة لا تدفع فقط عملية تطوير وازدهار النقل والمواصلات في الدول والمناطق الواقعة بطول الحزام والطريق والتي تنهض معها الشركات المعنية بشكل كبير، بل تدفع أيضا قطاعي التعمير والسياحة وغيرهما بما يسهم في تحقيق النمو الاقتصادي والارتقاء بالصناعات من أجل تعزيز الرفاه المشترك لشعوب العالم.
ولا شك أن القطارات فائقة السرعة ستأتي بثروات كبيرة، حيث أن بناء السكك الحديدية سيحل مشكلة تراجع التنمية بسبب الظروف الجغرافية والبيئية فيما ستعمل سهولة النقل على إنخراط الشركات الكبرى في إقامة مشروعات، وبذلك تساعد التكنولوجيا المتقدمة مساعدة كبيرة حقا في تحقيق النمو الاقتصادى المحلي.