بكين 23 أغسطس 2017 / ألقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الاثنين خطابا بشأن أفغانستان والوضع في جنوب آسيا، أعلن فيه أن الولايات المتحدة لن تسحب قواتها من أفغانستان فيما ضغط على باكستان وأشاد بإسهامات الهند.
ورأى المحللون الصينيون أن الإستراتيجية الأمريكية الجديدة بشأن أفغانستان تهدف إلى مواصلة التمسك بوجود عسكري أمريكي عند بقعة هامة تربط بين جنوب ووسط آسيا كما تأتي على خلفية ضغوط سياسية داخلية تتعرض لها إدارة ترامب، مشيرين إلى أن الإستراتيجية المعلنة لا تحمل أفكارا جديدة حيث لم تبرز ضرورة التكاتف الدولي لإحلال السلام في أفغانستان ومازالت لا تضع سوى المصالح الأمريكية نصب عينيها.
-- بقاء القوات ..."مسمار جحا"
ويقول المحللون الصينيون إن هذا الإعلان ، الذي يرون أن واشنطن تريد من ورائه تحقيق أهدافها الإستراتيجية، يمكن وصفه بأنه مسعى منها إلى الإبقاء على أفغانستان داخل مجال نفوذها وجعل القضية الأفغانية أشبه بـ"مسمار جحا" لتحقيق نواياها في آسيا الوسطي، مشيرين إلى أن وجود القوات الأمريكية في هذه النقطة تحديدا الواصلة بين جنوب ووسط آسيا يهدف ضمنا إلى "إحتواء الإستراتيجيات الروسية والصينية".
فمن المعروف أن الميزة الجغرافية تحدد الوضع الإستراتيجي الخاص لأفغانستان . فبعد الحرب الباردة، أصبحت كيفية دخول منطقة آسيا الوسطى التي تعتبر منطقة نفوذ لروسيا هدفا إستراتيجيا بالغ الأهمية لواشنطن. ومع تحديد الهدف، نجحت الولايات المتحدة في عام 2001 في إدخال قواتها إلى منطقة آسيا الوسطي مع إطلاق حرب أفغانستان.
ومع مرور السنين، عمت الولايات المتحدة أجواء إحباط من الحرب في هذا البلد. ومن ثم، أعلن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما جدولا زمنيا لسحب القوات بحلول عام 2014، لكن عملية الانسحاب شهدت تباطؤا فيما بعد وتراجع أوباما في عام 2016 عن التزامه بتقليل قوات بلاده إلى 5500 بحلول نهاية ذلك العام. وها هو ترامب يتراجع مرة أخري عن سحب القوات ويعرب عن رغبته في تغيير النهج المعتمد على تحديد وقت للبقاء في أفغانستان إلى نهج آخر يعتمد على الظروف على الأرض.
وفي هذا السياق، أعرب يانغ شي يوي الباحث بمعهد الصين للدراسات الدولية المعاصرة عن اعتقاده بأنه "مع عمل الولايات المتحدة في أفغانستان لهذه الفترة الطويلة، فإنها تجد صعوبة في التخلي عن سيطرتها ونفوذها هناك وترك أفغانستان تسير نحو اتجاه قد لا يصب، من وجهة نظر الأمريكيين، في صميم المصالح الأمريكية"، مضيفا أن إبقاء الولايات المتحدة على نفوذها بل وتعزيزه في أفغانستان ومنها إلى منطقة آسيا الوسطي يعد في الواقع إستراتيجية ذات مغزي عميق لن تؤدى سوى إلى خدمة المصالح الخاصة للولايات المتحدة.
-- بقاء القوات ..."استمرارية للمأزق"
بيد أن دياو دا مينغ خبير الشؤون الأمريكية في أكاديمية الصين للعلوم الاجتماعية ينظر لقرار عدم سحب القوات الأمريكية من أفغانستان بأنه يمثل استمرارية لمأزق الولايات المتحدة في ذلك البلد، منوها إلى ضرورة أن تحدد واشنطن خياراتها الآن: إما أن تختار الحفاظ على حق أفغانستان في تقرير المصير السياسي أو تخلق بيئة سياسية مناسبة لانسحاب القوات، فهل ستختار الحفاظ على نفوذها في أفغانستان لتحويلها إلى موقع جيوسياسي تعمل إنطلاقا منه على إحتواء بلدان أخرى في آسيا الوسطي أم ستتعاون مع الآخرين لتحقيق السلام في أفغانستان؟
وشاطره يانغ الرأى في أهمية تحديد الخيارات، قائلا إن الوضع في أفغانستان بات الآن في غاية التعقيد وصار التضامن مع مختلف قوى العملية السياسية في أفغانستان لوضع نهاية للحرب يشكل تحديا كبيرا. وأضاف أن كون أفغانستان دولة مجاورة للصين يجعل من الأهمية بمكان على الولايات المتحدة تعزيز تعاونها مع بكين والعمل في الوقت ذاته على تقديم معاملة منصفة لباكستان وغيرها من دول المنطقة، لتشكيل قوى دولية موحدة لإحلال الاستقرار في أفغانستان.
وأكد يانغ على أنه لا يمكن لأي دولة بمفردها حل القضية الأفغانية، مشيرا إلى أن ترامب كان عليه أن يكون دافعا للتعاون الدولي الفعال لكن إستراتيجيته الجديدة لم تبرز للأسف أهمية التعاون الدولي ولم تطرح أية أفكار جديدة لدفع التوافق وحل المشكلات، بل واصلت التركيز على إرسال المزيد من القوات الأمريكية، وبالتالي لم تستطع إدارة ترامب في النهاية الخروج من حالة الجمود التي اعترت الإدارات الأمريكية السابقة والدفع باتجاه إيجاد تسوية جذرية لهذه القضية.
-- بقاء القوات ... ورطة إدارة ترامب
ومن ناحية أخرى، أشار المحللون الصينيون إلى أن الإعلان عن الإستراتيجية الجديدة يأتي وسط ورطة تشهدها سياسات ترامب الداخلية حيث قدم ستيف بانون كبير مستشاري ترامب للشؤون الإستراتيجية استقالته من منصبه مؤخرا تحت ضغوط متعددة ولم يتبق في المجموعة الرئيسية لترامب سوى نائبه مايك بينس، وأرجعوا هذه الورطة إلى خلافاته مع الساسة الأمريكيين التقليديين والتي تنقسم إلى جزئين: الأول، خلافات ترامب مع الساسة الأمريكيين التقليديين بزعامة الحزب الديمقراطي في الخارج حول الطريق الذي ستسير عليه الولايات المتحدة مستقبلا ، ثانيا، الخلافات داخل مجموعة ترامب نفسها والتي ساهمت في انهيار فريق ترامب إلى الحد الذي نراه اليوم.
ووجد المحللون أن "التذبذب" هو سيد الموقف في تعامل الولايات المتحدة مع أفغانستان، إذ أرادت مكافحة طالبان ولكنها لم تنجح في استئصالها بل على العكس وجدت أن طالبان تواصل نشاطها ووجودها في أفغانستان؛ وأرادت الانسحاب من هذا المستنقع ولكن يعز عليها الوداع ولديها مصالح لم تحققها بعد في أفغانستان؛ وأرادت التعاون مع الآخرين ولكنها لا تثق في أحد إلا نفسها، ومن ثم تعتبر الإستراتيجية الجديدة تمديد للورطة الأمريكية في أفغانستان لأن الولايات المتحدة لم تجد حتى الآن أفكارا ووسائل جديدة في هذا الصدد، ومازالت تتأرجح بين الخيارات.