بكين 13 أغسطس 2017 /في عام 2017، ظلت الصين تحتفظ بالصدارة في سوق السياحة الخارجية العالمية من حيث عدد السياح، حيث أشارت إحصاءات مصلحة الدولة الصينية للسياحة الصادرة في نهاية يوليو الماضي إلى أن عدد السائحين الصينيين في السياحة الخارجية العالمية بلغ 62.03 مليون سائح في النصف الأول من العام الجاري وذلك بزيادة نسبتها 5 في المائة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
ومن المتوقع أن يسجل الإنفاق السياحي العالمي للسائحين الصينيين زيادة في العام الجاري 2017 على أساس إنفاقهم البالغ قدره 109.8 مليار دولار أمريكي في عام 2016.
وعند النظر إلى الوجهات السياحية المفضلة حول العالم التي يقع عليها اختيار السائح الصيني عند السفر إلى الخارج ولاسيما لقضاء العطلات، نجد أنها لم تعد تقتصر على وجهات تقليدية بالنسبة له مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية، بل صارت تشمل أيضا بعض بلدان العالم العربي التي يجد فيها روعة المكان وسهولة التواصل وتوافر التيسيرات.
-- البلدان العربية...أكثر الوجهات رواجا للسائحين الصينيين
فقد أصدرت السلطات السياحية المغربية بيانات تفيد بأن عدد السائحين الصينيين الوافدين ارتفع بنسبة 565 في المائة على أساس سنوي في النصف الأول من العام الجاري. وفي الوقت نفسه، ارتفع إجمالي إنفاقهم عبر الدفع ببطاقات الائتمان الصادرة عن اتحاد البنوك الصينية بنسبة 900 في المائة، ليحتلوا بذلك المكانة الأولى بين السائحين الأجانب الوافدين إلى المغرب.
وفي الواقع، يعد قطاع السياحة ثاني أكبر القطاعات بعد قطاع الزراعة في المغرب حيث يشكل 10 في المائة من إجمالي الناتج المحلي ويتيح 400 ألف فرصة عمل في البلاد.
أما مصر، وهي بلد سياحي من الطراز الأول، فمازالت تعد وجهة سياحية رئيسية يقبل عليه السائحون الصينيون بشدة بل ويضعونها في صدارة اختياراتهم عند السفر إلى الدول العربية.
فحسب الإحصاءات الصادرة عن السفارة المصرية لدى الصين، بلغ عدد السائحين الصينيين الوافدين إلى مصر في الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري 150 ألف سائح، بارتفاع يقدر بنحو 94 في المائة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. وقام 18 ألف سائح صيني بزيارة مصر في مايو الماضي لتصبح الصين رابع أكبر مصدر للسياحة بالنسبة لمصر.
كما شهد الأردن ارتفاعا في السياحة الصينية الوافدة في الأعوام الأخيرة. فقد ذكر مسؤول بمصلحة السياحة الأردنية أن عدد السائحين الصينيين الوافدين إلى الأردن بلغ 37 ألف شخص في عام 2016، بزيادة نسبتها 60 في المائة مقارنة بنفس الفترة من عام 2015. علاوة على ذلك، سجل الأردن زيادة نسبتها 120 في المائة من حيث عدد السائحين الصينيين في الشهرين الأولين من عام 2017.
-- السائح الصيني إلى الخارج... اهتمامات وأولويات جديدة
أشارت تقارير صادرة عن مركز البحث السياحي التابع لمصلحة الدولة للسياحة في الأول من أغسطس الجاري إلى أن سياسة التأشيرات وأحوال النقل تؤثران تأثيرا كبيرا على اختيار السائح الصيني للوجهة التي يرغب في زيارتها، إذ إنه يفضل المقاصد السياحية الأكثر أمانا وملائمة وألفة.
وفي السنوات الأخيرة، مع طرح مبادرة "الحزام والطريق"، توطدت أواصر العلاقات بين الصين، باعتبارها أكبر دولة من حيث الإنفاق في مجال السياحة الخارجية العالمية، وبين البلدان العربية الواقعة على طول "الحزام والطريق"، والتي تتمتع بمناظر طبيعية خلابة وتاريخ عريق وثقافات متنوعة. كما شهد التعاون بين الصين والأقطار العربية تعميقا في إطار هذه المبادرة.
في هذا الصدد، اتخذت الكثير من الدول العربية إجراءات تفضيلية بشأن التأشيرات الممنوحة للسائحين الصينيين، فيما تم تسيير عدد أكبر من الرحلات المباشرة لتسهيل انتقال السائح الصيني من بلاده إلى المقصد السياحي الخارجي.
وعلى سبيل المثال، منح المغرب سياسة الإعفاء من التأشيرات لجميع المواطنين الصينيين منذ أول يونيو 2016، وهو ما شجع عددا كبيرا من السائحين الصينيين على زيارة البلاد . كما أكدت الجامعة التونسية للفنادق أن تونس استقبلت خلال النصف الأول من العام الجاري ما يناهز 9 آلاف سائح صيني بارتفاع يقدر بنحو 350 في المائة بعدما أعلنت تونس في فبراير 2017 إلغاء تأشيرة الدخول للسائحين الصينيين الوافدين إليها. أما مصر، فقد قامت بتسهيل إجراءات منح التأشيرة للصينيين وتدرس الآن إصدار تأشيرة سياحية إلكترونية للسائحين الصينيين.
كما ساهم الارتفاع في عدد الرحلات وتنوع وسائل النقل بين الصين ودول العالم العربي في حدوث طفرة في عدد السائحين الصينيين المتجهين لزيارة وجهات سياحية عربية، حيث زادت رحلات الطيران من قوانغتشو حاضرة مقاطعة قوانغدونغ بجنوب الصين إلى القاهرة منذ يوليو 2016 إلى سبع رحلات أسبوعيا، وفي يوليو 2017 أطلقت رحلة مباشرة بين خفي حاضرة مقاطعة آنهوي بشرق الصين ومدينة أسوان المصرية تقوم بتسييرها شركة "إير ليجر" المصرية كل خميس. كما تسعى تونس إلى تقصير مدة رحلاتها إلى الصين من 20 إلى 11 ساعة لتسهيل سفر السائحين الصينيين.
ويرجع تدفق السائحين الصينيين لزيارة بلدان العالم العربي إلى تحسن الخدمات وكذا قدرة استقبال الزائرين في هذه الدول، حيث سعت مؤسسات وأكاديميات وكليات متخصصة في السياحة ببعض الدول العربية إلى إقامة مراكز لتنشئة مترجمين متخصصين في اللغة الصينية وإقامة دورات تدريبية لإعداد مرشدين سياحيين يتقنون اللغة الصينية لتحسين التواصل مع السائحين الوافدين من الصين.
وفضلا عن الإجراءات التفضيلية، صار السائحون الصينيون يولون اهتماما أكبر بجودة الرحلات والخدمات المتخصصة. فعلى نحو مغاير للماضي عندما كانت جولة السائح الصيني تتألف عند زيارة بلدان أجنبية من أربعة مراحل فقط (مشاهدة المعالم والمناظر الطبيعية والتمتع بالتصوير ثم التوجه إلى المتاجر لشراء الهدايا التذكارية وفي النهاية العودة إلى الفنادق)، باتت "الزيارة الخاطفة" لا تكفي بالنسبة له مع اتساع آفاقه وثراء خبرته السياحية وتمتعه بثمار التنمية الاقتصادية، حيث أظهر استطلاع أجراه موقع سياحي إلكتروني مؤخرا أن 46 في المائة من السائحين الصينيين يتوقون إلى أن يلمسوا بأنفسهم الثقافة الفريدة للوجهة التي يقصدونها وكذا أنماط حياة وعادات الأهالي هناك.
مع مرور الوقت وزيادة الخبرة في السياحة، صار السياح الصينيون يفضلون الرحلة الفردية على الرحلة المنظمة، الأمر الذي يؤدي إلى الإقبال الكبير على سياحة المغامرات والسياحة الساحلية.
وفي هذا المجال، تتمتع الدول العربية بالمصادر والمناظر الطبيعية الفريدة لتنمية هذه الأنواع من السياحة: الرحلات الاستكشافية بالصحراء والرحلات الترفيهية على ساحل البحر الأحمر... في حقيقة الأمر، قامت بعض الدول العربية بالفعل بوضع المزيد من البرامج السياحية المميزة التي تركز على الثقافة العربية الأصيلة الخاصة بها وتعزز التفاعل مع السائحين ولاسيما الصينيين منهم. على سبيل المثال، تستخدم السعودية عشرات من الجزر والمحميات الطبيعية على البحر الأحمر لدفع "مشروع البحر الأحمر"، ومن المؤكد أن يجذب هذا المشروع المزيد من السائحين الصينيين المهتمين بالرحلات الترفيهية في المستقبل.
إن قطاع السياحة لا يمثل جزءا هاما من الاقتصاد فحسب، بل يعد أيضا سبيلا مهما لتعزيز التبادل الثقافي. وبدوره، تسهم زيادة كل من أعداد السائحين الصينيين وحجم إنفاقهم في تحفيز عملية تطوير الوجهات السياحية وتنميتها اقتصاديا وتساعد أيضا على دفع التبادلات الشعبية والثقافية بين الصين وبلدان الوطن العربي.