وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمس (الأربعاء) مشروع قانون يقضى بفرض عقوبات جديدة على روسيا ليصبح بذلك قانونا ساريا، هكذا أعلن البيت الأبيض بعدما أقر الكونغرس الأمريكي مشروع القانون في الأسبوع الماضي وردت روسيا على هذا الإقرار بخفض عدد الدبلوماسيين الأمريكيين في روسيا بواقع 755 شخصا.
وفي ظل هذه المستجدات التي تشهدها العلاقات الروسية الأمريكية، يرى الخبراء الصينيون أنه رغم ضآلة الآمال في تحسن العلاقات بين موسكو وواشنطن على الأمد القصير، إلا أن ثمة مجال لخفض حدة التوتر بين البلدين ينبثق في الواقع عن شعور ترامب بعدم الرضا إزاء هذا التشريع ووصفه له بأنه "معيب بدرجة كبيرة" وعن إعلان الكرملين أن روسيا لن تتخذ تدابير انتقامية جديدة ضد الولايات المتحدة ردا على توقيع ترامب على مشروع القانون وكذا عن تصريح وزارة الخارجية الروسية بأن روسيا ما تزال منفتحة على التعاون مع الولايات المتحدة في شتي المجالات بما في ذلك تسوية النزاعات الإقليمية.
وكانت الإدارة الأمريكية،في فترة تولي باراك أوباما للرئاسة، قد فرضت عقوبات على روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية وما تردد عن التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية عام 2016. وفضلا عن ذلك، اتخذت الولايات المتحدة إجراءات أخرى من بينها طرد 35 دبلوماسيا من العاملين في السفارة الروسية بواشنطن والقنصلية الروسية بسان فرانسيسكو. ومع ذلك وقبل التطورات الأخيرة، التزم الكرملين على مدى فترة طويلة ضبط النفس في مواجهة التحركات الأمريكية السالف ذكرها.
وفي هذا الصدد، شرح ني فنغ نائب مدير مركز الدراسات الأمريكية في أكاديمية الصين للعلوم الاجتماعية ، رؤيته قائلا إن روسيا كانت ترى بصيصا من الأمل في تحسن علاقاتها مع الولايات المتحدة بعد تولي ترامب مهام منصبه وهو ما برز بوضوح من خلال مؤشرات عدة، غير أن تمرير الكونغرس الأمريكي لمشروع قانون تشديد العقوبات على روسيا مؤخرا جعل روسيا تشعر بأن ذاك الأمل صار ضئيلا على الأمد القصير لتكسر صمتها بإمهال الولايات المتحدة حتى أول سبتمبر لخفض فريقها الدبلوماسي إلى 455 موظفا ليعادل عدد الدبلوماسيين الروس في الولايات المتحدة.
وعلى مدى أكثر من نصف عام منذ وصول ترامب إلى سدة الحكم، ظلت مسألة رأب الصدع في العلاقات الأمريكية الروسية المتوترة من القضايا الدبلوماسية ذات الأولوية، حيث بذل ترامب جهودا لترميمها: فقد طلب من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية الـ"سي آي أيه" وقف برنامج معني بتدريب وتسليح فصائل المعارضة السورية، والتقى نظيره الروسي فلاديمير بوتين لأول مرة منذ توليه الرئاسة وذلك على هامش قمة مجموعة العشرين في هامبورغ بألمانيا...إلخ. لكن هذا التشريع، الذي وافق عليه مجلس الشيوخ الأمريكي بأغلبية ساحقة ويمنع ترامب من القيام بشكل أحادي برفع العقوبات المفروضة على روسيا، من شأنه عرقلة تقارب إدارة ترامب مع موسكو. وأمام مصادقة كلا من مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين، لم يكن لدى ترامب على ما يبدو خيار سوى التوقيع عليه.
وأشار ني فنغ إلى أن توقيع ترامب على مشروع القانون هذا يؤشر على أن ترامب لم يعد يمسك بزمام المبادرة في تحسين العلاقات الأمريكية الروسية، وهي حقيقة أصبح معها من الصعوبة بمكان عليه فعل أي شيء دون الرجوع للكونغرس حيال العقوبات الأمريكية المفروضة على روسيا، مضيفا أنه بعد خفض عدد الدبلوماسيين الأمريكيين في روسيا قد يضعف التأثير الأمريكي على السياسات الروسية.
لكن لي يونغ هوي الباحثة والخبيرة في الشؤون الخارجية الروسية بأكاديمية الصين للعلوم الاجتماعية ترى مع ذلك مجالا لخفض التوتر بين البلدين مع دراية بوتين بنوايا ترامب تجاه بث الدفء في العلاقات وعلمه في الوقت ذاته أن سلطة ترامب في اتخاذ أي قرار بشأن السياسات الأمريكية تجاه روسيا باتت محدودة في ضوء وجود تيار قوى معارض لروسيا يظهر جليا من موافقة الكونغرس على هذا التشريع رغم اختلاف وجهات النظر حول عدة مسائل بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري وكذلك مجلسي النواب والشيوخ الأمريكيين.
واستطردت لي قائلة إن روسيا تركت أيضا فرصا لتبديد هذا التوتر، إذ لم يستخدم بوتين بشكل مباشر كلمات مثل "طرد" في تصريحاته وأوضح أن روسيا والولايات المتحدة تبذلان جهودا لحل الأزمة السورية رغم الصعوبات والتحديات، مضيفة أن الإجراء الروسي المتعلق بخفض عدد الدبلوماسيين الأمريكيين لن يلحق ضررا كبيرا بالعلاقات بين البلدين كونه لا يتعدى سوى "مواجهة سطحية".
غير أن بان روي الدكتور بمركز البحوث الأمريكية في جامعة فودان بشانغهاي، فقد لفت إلى صعوبة التكهن بالقرارات الروسية التالية قائلا "إنها (روسيا) قد تتخذ وقد لا تتخذ مزيدا من الإجراءات المضادة. ولكن على الأمد الطويل، سيظل التعاون قائما بين البلدين في قضايا أخرى".
وشاطره الرأى ني فنغ، موضحا أن العلاقات الروسية الأمريكية بعد الحرب الباردة تختلف في جوهرها عما كانت عليه في فترة الحرب الباردة، فالتعايش بين التعاون والتنافس صار الحالة الطبيعية للعلاقات بين الدولتين، فعلاقاتهما قد تكون في أدنى مستوى لها منذ الأزمة الأوكرانية ولكن التواصل مستمر بينهما في القضايا التي تتطلب ذلك، وهو ما يمكن رؤية بوضوح في الإبقاء على الاتفاق النووي الإيراني وتنفيذه.