بقلم لي تشانغ ليانغ، باحث في معهد التشغيل الآلي للأكاديمية الصينية للعلوم
يثير التطور السريع للصناعة الذكية العديد من التوقعات والأحكام، ويخشى البعض من أن يعوض الذكاء الإصطناعي عمل البشر. ماقد يؤدي إلى بطالة واسعة وجملة من المشاكل الإقتصادية والإجتماعية.
رغم أن النمو الإنفجاري الذي تشهده الصناعة الذكية في الوقت الحالي وآثاره، يعد الظاهرة الأولى في التاريخ. لكن يمكننا أن نجد مراحل مشابهة لها على مر التاريخ. حيث ان ظهور المحرك البخاري في القرن الثامن عشر قام بإنهاء عصر الصناعة الحرفية في المصانع، وأحل محلها عصر الصناعة الميكانيكية. ورغم أن المكنة قد استبدلت جزءا من القوة العاملة، إلا أن ذلك لم يؤثر على عدد فرص العمل، بل على العكس شهدت هذه الفرص زيادة. والسبب يعود إلى أن المكننة قد رفعت في قدرة الإنتاج، وبذلك أصبحت الصناعة في حاجة إلى عدد أكبر من عمال الصناعة. وهذا العدد فاق عدد العمال الذين استبدلتهم المكنة.
في ذات الوقت، مكن التطور السريع للقوى الإنتاجية الإجتماعية وتزايد الثروة الإجتماعية، من تحفيز المزيد الطلب، وخلق المزيد من فرص العمل بمختلف أنواعها. في ذلك الوقت، كان مصدر القلق بالنسبة للبريطانيين هو نقص الموارد البشرية وليس البطالة. حيث ان ثورة تكنولوجيات الصناعة قد أحدثت تغيرات كبرى على العلاقات الإجتماعية، وتراجع مستوى استعمال اليد العاملة في الحرف وحراثة الأرض، وبدأت علاقات انتاجية جديدة وهيكل اجتماعي جديد في التشكل شيئا فشيئا.
في الـثلاثين سنة الأخيرة من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حدثت الثورة الصناعية الثانية. التي نقلت الإنسان من عصر المحرك البخاري، إلى عصر الثورة الكهربائية. وخلال هذه المرحلة لم تعد الفلاحة والصناعات الخفيفة مركز التنمية. في حين قدمت قطاعات الكهرباء والكيمياء والنفط وغيرها من القطاعات الناشئة عددا كبيرا من فرص العمل الجديدة. وبدأت مختلف القطاعات الناشئة تتلاقف مختلف كفاءات الموارد البشرية.
ومنذ أربعينات وخمسينات القرن العشرين، بدأت الثورة الصناعية الثالثة تتجلى مع ظهور الحاسوب وتقنيات الإلكترونيات الدقيقة، وتكنولوجيا الفضاء وفيزياء الذرّة التي حققت اختراقات كبرى. وفي الوقت الذي تمكنت فيه الثورة الصناعية الثالثة من إزالة نمط الإنتاج المتخلف، قدّمت عددا كبيرا من القطاعات الناشئة والوظائف. على سبيل المثال يعمل في الوقت الحالي أكثر من 20 مليون شخص في قطاع البرمجيات فحسب، وهو مايعادل ثلث اجمالي سكان بريطانيا.
تماما مثل الثورات الصناعية الثلاثة الأولى، ستؤدي الموجة الجديدة من الصناعة الذكية إلى ظهور المزيد من القطاعات الناشئة ورفع الطلب على الكفاءات. وفي الوقت الحالي، يشهد طلب الصناعة الذكية على الكفاءات في المجالين الأكاديمي والصناعي ارتفاعا كبيرا.
بالمقارنة مع الثورات الصناعية الثلاث السابقة، تمتلك الصناعة الذكية آفاقا واسعة على مستوى القطع الصلبة والأسس، ولديها أثر أوسع وأعمق. وتستعمل تقنيات الصناعة الذكية في الوقت الحالي على نطاق واسع في الطب والمالية والأمن والتجارة وغيرها من المجالات. كما ستدفع هذه الموجة بالتغيير على مستوى سلسلة الإنتاج، مثلا ستتحول فئة المبرمجين التي ظهرت مع ظهور الإنترنت إلى مجال الصناعة الذكية لممارسة أعمال فرز الصور ومعالجة اللغة الطبيعية وفرز الأصوات والبيانات والتحكم الذكي وغيرها من المجالات. كما ستتطور عدة مهن تقليدية مدفوعة بالتطور التقني، مثل التسليم البريدي السريع وسائقي سيارات الأجرة.
لاشك أن ماسيزيله التقدم التكنولوجي هو القوة الإنتاجية المتخلفة. في المقابل سيجلب المزيد من القطاعات الناشئة وفرص العمل الجديدة، ويحسن العلاقات الإنتاجية داخل المجتمع. وفي الوقت الحالي نحن بصدد اكتشاف التغيرات التي جلبتها الصناعة الذكية ونتطلع لمزيد من التغيرات في المستقبل.