بقلم ليو تشونغ مينغ، رئيس مركز أبحاث الشرق الأوسط بجامعة الدراسات الأجنبية بشنغهاي
أثارت أزمة قطع العلاقات مع قطر موجة جديدة من التسابق المحموم على النفوذ في الشرق الأوسط بين السعودية وايران وتركيا. في حين تحولت أمريكا إلى الرابح الاكبر من هذا الصراع عبر "حلب مختلف الأبقار". وهو مامثل تحديا كبيرا للنفوذ الروسي المتصاعد في الشرق الأوسط. مادفع بعض وسائل الإعلام الغربية إلى القول بأن الأزمة الجديدة في الشرق الأوسط قد تتمخض عنها حربا عالمية ثالثة. وبالتأمل في وضع الشرق الأوسط، يمكن القول أن المنطقة تمر بما يسمى بـ "مأزق ثيوقليدس"، وهو أن تتحدى دولة ناشئة نفوذ قوة تقليدية سابقة لها. لكن من المستبعد أن تثير أزمة الشرق الأوسط حربا عالمية ثالثة.
أولا، خلاف بنيوي بين السعودية وايران في الشرق الاوسط
بالنسبة للسعودية، يعد النهوض السريع لإيران مكمن "مأزق ثيوقليدس". وفي الوقت الذي يبدو فيه في الظاهر بأن الخلاف عرقي وطائفي، نجد أن مركز ثقل الصراع يتمحور حول التنازع الجيوسياسي.
تواجه المملكة العربية السعودية ضغوطا سياسية مثقلة بصدمة تراجع أسعار النفط، في الأثناء تعمل على تدارك هذا الوضع من خلال طرحها لـمشروع "رؤية 2030"؛ على المستوى الخارجي، تواجه السعودية قضايا شائكة بسبب الأزمة اليمنية، الأزمة السورية ومقاومة داعش، كما باتت الآن تواجه تحديات انقسام مجلس التعاون الخليجي. في ذات الوقت، لاشك في أن السعودية تدرك جيدا عاقبة الحرب مع ايران، وهذا هو بالضبط مصدر الهاجس الإستراتيجي السعودي. اذ في الوقت الذي تنظر فيه السعودية إلى الصعود الإيراني بقلق، تعي تماما الثمن الباهض الذي من الممكن أن تدفعه بسبب المواجهة الحربية مع ايران.
لكن في الحقيقة، تواجه ايران مأزقا مشابها للذي تعيشه السعودية. فمع تدهور العلاقات الأمريكية الإيرانية، وتوغل داعش داخلها، باتت حكومة روحاني تواجه تحديات داخلية وخارجية مجتمعة. واليوم لم تعد ايران تلك الدولة المستنفرة من أجل تصدير "الثورة الإسلامية"، لأنها دفعت ثمنا باهظا من أجل ذلك في حرب الثمانية أعوام مع العراق. وعلى هذا الأساس، نستبعد أن تختار ايران الدخول في حرب مع السعودية.
ثانثا، تنافس تركي سعودي على قيادة العالم السني
ينتمي حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا والإخوان المسلمين في مصر إلى ما يسميه الغرب بـ "الإسلام السياسي". وحتى إن كانت هذه القوى الإسلامية منظمة بشكل عصري وتعمل وفقا لنموذج ديمقراطي، فإن السعودية كانت ولاتزال تنظر إلى الإخوان المسلمين على أنهم يمثلون ايديولوجية منافسة. وهذا هو السبب الذي شجع السعودية على دعم السيسي في الإطاحة بحكم الإخوان المسلمين، وسبب استشاطتها من دعم قطر للإخوان المسلمين. أما حزب العدالة والتنمية التركي، فيسعى إلى تسويق "نموذج تركي جديد"، وهذا النموذج الذي أعاد الإسلام السياسي إلى تركيا يحمل في عمقه تحديا للمكانة القيادية للسعودية في العالم السني. كما يجسد هذا التباين الخلافات المعقدة بين الإسلام السياسي المعاصر والقوى الإسلامية المحافظة، وهذا يمثل أيضا نسخة ثانية من "مأزق ثيوقليدس". وليس هناك أوضح دليل على ذلك من دخول تركيا على خط الأزمة القطرية، لكن نظرا لتراكم جملة من المشاكل أمام الحكومة التركية خلال السنوات الأخيرة، من المستبعد أن تخيّر تركيا الوقوف ضد السعودية بسبب قطر.
وبالنظر من العلاقات الطائفية، قد تظهر الخلافات السنية في العالم العربي، والنزاع التركي السعودي على القيادة السنية بشكل أكثر وضوحا في المستقبل. وطبعا هذا سيجعل الشرق الأوسط أكثر إنقساما.
ثالثا، تعمق الخلاف الأمريكي الروسي واحتدام صراع الوكلاء
أدت الأزمة السورية والحرب على داعش خلال السنوات الأخيرة إلى تشكيل معسكرين كبيرين، احدهما تقوده أمريكا وحلفائها في الشرق الأوسط، والثاني تقوده روسيا وايران وسوريا.
أجرى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعديلا على استراتيجية بلاده في الشرق الأوسط، في اطار سياسته الجديدة "أمريكا أولا". ويسعى ترامب إلى توحيد حلفاء أمريكا لضرب داعش واحتواء ايران، لكن سياسته تجاه الشرق الأوسط لم تتشكل بشكل تام بعد. وفي الحقيقة، تحفز السياسات الأمريكية في الوقت الحالي الخلافات في المنطقة على مستويين: أولا، تغذي الصراع السعود الإيراني، وتحشد من أجل ذلك حلفاء أمريكا، والهدف الرئيسي من هذه السياسة هو بيع أكثر مايمكن من الأسلحة الأمريكية للحلفاء في الشرق الأوسط. ثانيا، اثارة وإستعمال الخلافات الداخلية في مجلس التعاون الخليجي، لدفع السعودية وقطر إلى الإعتماد أكثر على أمريكا. وقد عكس التضارب في تصريحات ترامب على تويتر ماقبل ومابعد اندلاع ازمة قطر هذا التوجه.
أما في مايخص العلاقات الأمريكية الروسية، فقد كان ترامب على إستعداد للتعاون مع روسيا في الأزمة السورية، لكن يبد أن الضغوط الداخلية قد أفشلت هذه النوايا.
يمكن الجزم بأن الصراع على منطقة الشرق الأوسط و "الحرب الباردة" بين ايران والسعودية ستشهدان مزيدا من التصلب، في ظل تباين السياسات الأمريكية والروسية تجاه سوريا وايران ومقاومة الإرهاب. لكن احتمال الحرب الساخنة يبقى مستبعدا.