عاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من زيارة حاسمة إلى بروكسل الأسبوع الماضي، مثيرا ريحا من الأمل بشأن تخفيف التوترات بين تركيا وأوروبا، بيد أن الحذر والشكوك تسودان حول مسقبل العلاقات المثيرة للجدل.
واتفق الطرفان على عدم الاتفاق في العديد من القضايا ولم تسفر المحادثات التي عقدها أردوغان مع رؤساء مؤسسات الاتحاد الأوروبي عن اتفاقيات جديدة، على الرغم من هذا، قد وفروا "مناخا جيدا"، وفقا للخبراء.
وزادت حدة التوترات بين تركيا والاتحاد الأوربي حول حقوق الإنسان والقضايا الأمنية، بيد أن الكتلة تعتمد على مساعدة حليف الناتو أنقرة بشأن الهجرة والصراع في سوريا.
وبعد الاجتماع مع رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك ورئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر في بروكسل، نُقل عن أردوغان قوله أن جدولا زمنيا جديدا مدته 12 شهرا قد طُرح لتجديد العلاقات.
بيد أن مسؤولين كبارا قد أعربوا عن الحذر وبعض التشكك، قائلين إنه لم يتم تحديد مواعيد نهائية رسمية. وأضافوا أن الاتحاد الأوروبي لديه قائمة باجتماعات متوسطة ورفيعة المستوى يأمل في عقدها مع تركيا هذا العام، لكن أي تحسن في العلاقات الثنائية سيعتمد على حل اردوغان لبعض نقاط الخلاف الكثيرة على الأقل.
وأشاروا إلى قلق الاتحاد الأوروبي من قوانين تركيا لمكافحة الإرهاب " الواسعة جدا"، والتي تستخدم لمحاكمة منتقدي أردوغان كما ظهر في الحملة الأمنية الكاسحة لتي شنتها أنقرة في أعقاب محاولة الانقلاب في العام الماضي.
وهناك مخاوف أخرى تتعلق بمعاملة الأكراد ووسائل الإعلام والأكاديميين فضلا عن تحرك أردوغان لتوسيع صلاحياته بعد استفتاء أبريل.
وأدت حملة ما قبل الاستفتاء التي منحت القيادة التركية سلطة مهيمنة كاسحة إلى شقاقات جديدة مع عضوي الاتحاد الأوروبي ألمانيا وهولندا، إذ شبه المسؤولون في البلدين أردوغان بالنازي عندما منعتا السياسيين الأتراك من القيام بحملات في بلديهما.
ونقلت وكالة ((شينخوا)) عن مصدر سياسي تركي دون أن يذكر تفاصيل حول الجدول الزمني الذي ذكره أردوغان وحير البعض من الخبراء قوله: " المحادثات جرت في مزاج بناء واتفق الطرفان على المضي قدما. وهذا في حد ذاته أمر جيد".
وعلق الخبير في الاتحاد الأوروبي سينغيز أكتر " هذا ما يسمى بالواقعية السياسية، لا ندع أنفسنا نفرح بالتسرع.، مسألة العضوية الكاملة (لتركيا) لم تعد مطروحة على الطاولة".
وقال أكتر، أستاذ العلوم السياسية وكبير العلماء بمركز أسطنبول للسياسة، " يقدر الطرفان أنهما ليس لديهما خيار آخر للعمل مع بعضهما البعض، هذا كل ما في الأمر"، موضحا أنه من الناحية الاستراتيجية، فإن أوروبا والغرب عموما يصران على إبقاء تركيا في حلف الناتو وإبعادها عن مجال النفوذ الروسي.
وتشكو تركيا من تقدم بطئ في محادثاتها المتوقفة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والمناقشات بشأن سفر الأتراك بدون تأشيرة إلى دول الاتحاد الأوروبي وتمويل الاتحاد الأوروبي لملايين اللاجئين السوريين الذين يعيشون في تركيا.
وقال المتحدث باسم الحكومة التركية نعمان كورتمولوس يوم الاثنين إن تركيا " تريد أن تبقى التوترات مع الاتحاد الأوروبي وراء ظهرها"، بيد أن التركيز على الحوار المتجدد مع الكتلة يجب أن ينصب على محور فتح فصول انضمام جديدة مغلقة منذ عدة أشهر بسبب المعارضة في بعض الدول الأعضاء مثل النمسا.
واستجابت تركيا لمعظم متطلبات تحرير التأشيرة بيد أن مطلب الاتحاد الأوروبي بتغيير قانونها لمكافحة الإرهاب قد أدى الى انسداد المفاوضات وسط عمليات أمنية مستمرة من جانب تركيا ضد المتمردين الأكراد وتنظيم الدولة الإسلامية وشبكة غولن، المتهم بتدبير الانقلاب الفاشل.
وتقول الكتلة إن أردوغان يجب أن يعالج أولا المخاوف بشأن حقوق الإنسان وحكم القانون ويجب أن يعمل مع مجلس أوروبا، جهاز مراقبة حقوق الإنسان الذي تتمتع تركيا بعضويته.
ولم يصدر الاتحاد الأوروبي أي بيان رسمي بشأن جدول زمني محدد ولم تدل السلطات في تركيا بأي تعليقات على خارطة الطريق هذه، لكن بهادير كاليغاسي، رئيس معهد البوسفور، يعتقد أن الطرفين سينخرطان في مفاوضات بناءة لمعالجة بعض القضايا المهمة في الاتحاد الجمركي ملزمة لهما، وجعل هذا الاتفاق أكثر توافقا مع رغبات الطرفين.
وأضاف " صفحة ليست جديدة جدا وليست بيضاء جدا قد فُتحت في بروكسل. بيد أن الأهم هو أنه تم الحفاظ على فكرة العضوية الكاملة لتركيا".
وأشار كاليغاسي إلى الصعوبات الناجمة عن انكماش الاتحاد الأوروبي مع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي، مؤكدا أن الكتلة تقترح نوعا من الاندماج الفضفاض الذي لا يفرض بالقوة عضوية كاملة، وإنما بدلا من ذلك شراكة وثيقة للدول المهتمة مثل النرويج ودول البلقان.
وأضاف كاليغاسي أن " تركيا حتما بوابة للتجارة والاستثمار باتجاه آسيا، والاتحاد الأوروبي يدرك هذا الوضع جيدا، ولا يريد أن يفقدها".
ووفقا لخارطة الطريق الجديدة، فإن الاتحاد الاوروبي وتركيا سيضمنان الوفاء بإلتزامات إتفاق الهجرة عام 2016 الذي هدد أردوغان بإلغائه قبل الاستفتاء.
واقترح الرئيس التركي أن تعقد تركيا استفتاء بشأن مواصلة محادثات انضمامها للكتلة وربما استفتاء آخر لإعادة تطبيق عقوبة الإعدام التي ربما تقضي على مساعي تركيا للانضمام للكتلة منذ وقت طويل.
وفي هذه اللحظة تبدو هذه القضية الملتهبة بعيدة عن الطاولة.
ودعا المتحدث باسم المفوضية الأوروبية مارجريتس شيناس يوم الاثنين إلى مواصلة التعاون بين تركيا والاتحاد الأوروبي، متحدثا عن " مزاج بناء".