جودة، النيل الأبيض، حدود جنوب السودان 19 مايو 2017 / ما تزال ذاكرة آلاف من مواطني جنوب السودان تختزن صور المآسي في بلادهم، والتي دفعتهم للفرار قبل أن يستقر بهم المقام في فيافي السودان المترامية.
تشعر مارتا سايمون، وهي لاجئة جنوبية فرت بجلدها من ولاية أعالي النيل الحدودية إلى النيل الأبيض السودانية، أن الأهوال والفظائع التي رأتها ببلدتها الصغيرة كأنما حدثت أمس رغم مرور نحو أربعة أعوام.
ورغم أن مارتا تعيش في مكان آمن داخل معسكر العلقاية للاجئين بولاية النيل الأبيض السودانية على الحدود مع جنوب السودان، إلا أنها ما تزال تشعر بالخوف وترتعد لأي صوت عال حتى إن كان مجرد انفجار إطار سيارة، حسب ما تقول.
وتقول مارتا لوكالة أنباء ((شينخوا)) إن "الوضع آمن في هذا المعسكر، ولكن خوفنا نفسي نتيجة ما شهدناه من فظائع".
وتضيف "ربما لن تستطيعوا تصديق رواياتنا عن الوحشية التي حدثت في الجنوب، لكم أن تتخيلوا أن البنت تُذبح أمام أعين والدتها ويتم إخراج أحشائها، وقد يُطلب من الأم تحت التهديد بالقتل أن تأكل جزءا من جثة ابنتها".
ودخلت مارتا في نوبة بكاء قبل أن تقول بأسى بالغ "نحن متألمون لأن أحلامنا قُتلت، كنا نحلم بأن انفصال الجنوب سيعطينا دولة موحدة وآمنة، ولكننا حصدنا الموت والخراب".
ونال جنوب السودان استقلاله عن السودان بعد استفتاء شعبي في العام 2011.
وتضيف "لن نسامح قادتنا على ما حدث، كنا ضحية تنافسهم على السلطة، نحو نصف سكان الجنوب يتوزعون الآن ما بين نازحين ولاجئين".
وأبانت مارتا أنها هربت مع طفلتيها من بلدة غيغر، وهي بلدة صغيرة بولاية أعالي النيل بجنوب السودان، وذلك بعد اندلاع مواجهات قبلية في بلدتها بين قبيلتي الدينكا، التي ينتمى إليها الرئيس سلفا كير ميارديت، والنوير التي ينحدر منها خصمه رياك مشار، وهي ذات قبيلة مارتا.
وتعيش مارتا بمعسكر العلقاية، الذي يضم نحو 15 ألف لاجئ من جنوب السودان تتراوح مدة إقامتهم في المعسكر ما بين عامين إلى ثلاثة أعوام.
ومع أن مارتا تشعر بالارتياح كونها بعيدة عن مسرح الموت العبثي في بلادها، إلا أنها لا تخفي الحنين إلى بلدتها، وتأمل أن تعود قريبا إليها.
ولكن أمنيتها تبقى رهينة بيد الساسة في بلادها الذين فشلوا في إيقاف صوت البندقية، وعجزوا عن تحقيق أمنيات مارتا وكثيرين غيرها، حسب ما قالت.
وتبدو مارتا مهمومة بمستقبل طفلتيها اللتين تعيشان داخل مبان مؤقتة ولا تتلقيان الخدمات الأساسية والضرورية.
وتقول "كما ترون نحن نعيش في خيام مؤقتة لا تقينا الحر ولا البرد ولا المطر، كل همي ينحصر في التفكير حول مستقبل طفلتي".
وأضافت "لست واثقة أنهما تتلقيان التعليم المناسب، هناك مدرسة داخل المعسكر ولكن تفتقر للإمكانات المطلوبة، لا يوجد معلمون متخصصون".
وتشهد ولاية النيل الأبيض تدفقات مستمرة للاجئين من جنوب السودان، الذين يفرون خوفا من القتال وهربا من المجاعة التي أُعلنت في الدولة الوليدة.
وبلغ عدد اللاجئين الجنوبيين بهذه الولاية المحاذية لجنوب السودان 140 ألفا يتوزعون على ثمانية معسكرات، حسب ما أعلنت مفوضية العون الإنساني بولاية النيل الأبيض.
وفي معسكر العلقاية وحده تعيش نحو خمسة آلاف أسرة من جنوب السودان بعدد إجمالي نحو 15 ألف لاجئ، حسب أبشر النور أحمد نائب مدير معسكر العلقاية.
وقال أحمد ل(شينخوا) إن "مفوضية العون الإنساني تقوم بتقديم كل الخدمات الضرورية لسكان المعسكر".
وتابع :"حتى الآن تسير الأمور بصورة جيدة ولا توجد مشكلات أمنية، هناك تنسيق عالي المستوى بين كل الأجهزة الأمنية وسلطات مفوضية العون الإنساني ومعتمدية اللاجئين ومنظمات الأمم المتحدة والمنظمات الوطنية".
وقال اللاجئ الجنوبي آدم جوب، ل(شينخوا) "أتينا هنا نسبة لانهيار الدولة في جنوب السودان، للأسف ما يحدث في جنوب السودان هو عبارة عن حرب عرقية وقبلية".
وأضاف "استقبلنا السودان بدون أي تعقيدات، في هذا المعسكر نتلقى كل الخدمات الضرورية، كذلك الأمن متوفر، وأطفالنا يتلقون التعليم، نحن نشكر لحكومة السودان هذا الكرم".
ويتوقع مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في السودان (أوتشا) وصول 180 ألف لاجئ جديد إلى السودان بنهاية عام 2017.
وتقدر السلطات السودانية عدد لاجئي جنوب السودان في البلاد بنحو 600 ألف لاجئ، وتتوقع استمرار تدفقات اللاجئين الجنوبيين في ظل استمرار أعمال العنف.