بقلم شن إي، مدير مركز أبحاث إدارة الفضاء الإلكتروني بجامعة فودان
مازال مستخدمو الحواسيب في مختلف أنحاء العالم يواجهون خطر فيروس "وناكراي". واستعمل هذا الفيروس أسلحة الإنترنت التي كشفت عنها مجموعة قراصنة الإنترنت "شادو بروكرز" في وقت سابق لمهاجمة الحواسيب. ويُعتقد بأن هذه الأسلحة تعد إحدى أسلحة الإنترنت لدى وكالة الأمن القومي الأمريكي. فإذا شبهنا أسلحة الانترنت بالصواريخ البالستية، فإن فيروس "وناكراي" المنتشر هذه المرة يعد شيءا شبيها بالأسلحة.
أول مايثير الإنتباه في هذا الهجوم الفيروسي الواسع هو طبيعته. فمنذ نهاية الحرب الباردة، توصل العالم إلى آليات لمنع إنتشار السلاح النووي. أما هذا الهجوم فقد كشف عن أول هجوم إلكتروني "مسلح" يشهده العالم. ويرى بعض الخبراء بأن هذا الهجوم سيغير هيكل إدارة فضاء الإنترنت، لكن هذا التغيير يجب ألا يكون تحولا من النقيض إلى النقيض، بل يجب أن ينبني على أسس مثالية شبيهة بالكانطية، تراعي السلم والإستقرار العالميين.
وبالنسبة للصين، فإن السؤال الذي يطرح، فهو كيف أحدث هذا الهجوم الفيروسي كل ذلك التأثير رغم التعديلات التي طرحتها مايكروسوفت في 14 مارس الجاري. خاصة في الجامعات وبعض الشركات المركزية وبعض الأقسام الحكومية. ولا شك أن الجهات التي استهدفت من هذا الهجوم لديها نظام حماية إلكتروني. إذن، لماذا لم تنفع هذه النظم في صد هذا الهجوم وتجنب الأضرار والخسائر؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن تجيب عنه قطاعات الإنترنت في الصين.
بالنظر من زاوية إستراتيجية الإنترنت الصينية ونظام الإنترنت الدولي، فإن هذا الهجوم الفيروسي ليس شرا كله. لأن هذا الهجوم قد أثبت من خلال ثمن يمكن تحمله، صحة ماطرحه الأمين العام للحزب الشيوعي شي جين بينغ، حول إرتباط الأمن الوطني بالأمن الإلكتروني، وإرتباط التحديث بالرقمنة. كما أسقط هذا الهجوم الإدعاءات القائلة بأن بعض البرمجيات يمكنها أن تضمن الأمن الكامل، وأثبت أنها لاتستجيب للحاجيات الأمنية للأنترنت في الصين.
من جهة أخرى، أثبت الهجوم الواسع لفيروس وناكراي وجهات ما نادت به الصين منذ عام 2015، حول تأسيس مجتمع للمصير المشترك في فضاء الإنترنت. وهذه الرابطة ليست ضربا من اليوتوبيا والمثالية، بل تمثل إحتراما للحاجيات والحقوق الموضوعية على اساس احترام مبادئ ندية السيادة. في ذات الوقت، يمكنها أن تخفض عوامل الخطر وعدم اليقين إلى ادنى مستوى لها.
من وجهة نظر براغماتية، على الصين ومختلف الدول بما في ذلك أمريكا، أن تتحمل المسؤولية في دفع بناء آليات عدم إنتشار الإسلحة الإلكترونية في الأمن الإلكتروني العالمي. وخاصة من خلال تأسيس طقم من الآليات الناضجة، التي تتيح للدول المعنية التدخل لمنع إنتشار الهجمات الإلكترونية حينما تقوم مجموعات مثل "شادو بروكرز" بكشف أسلحة الإنترنت. ويمكننا أن نستبين من خلال هذا الهجوم، أن الحكومة الأمريكية قد تكتمت على هذا الثقب بعد أن علمت به، بل حاولت الاستفادة منه، في إطار تطويرها للأسلحة الإلكترونية ومحافظتها على نجاعة الهجمات. وبكل صراحة، إن هذا السلوك يعكس الفوارق في المصالح الأمنية بين مختلف الأطراف، لكن رغم ذلك، هناك ضرورة ملحة لتأسيس آلية مشتركة، والتحلي بالبراغماتية في تخفيف الأضرار إلى حد أدنى، وتجنب المخاطر المفاجئة. وهذا هو مايمثل مفتاح تأسيس مجتمع المصير المشترك في فضاء الإنترنت.