بكين 5 مايو 2017 / سواء كانت فتاة لاوسية فقدت أسنانها أم فتاة كمبودية تسربت من المدرسة أم فتي سوري من مدينة حلب التي مزقتها الحرب... فعلى الواجهة، يبدو أن لديهم القليل من القواسم المشتركة. ولكن حياتهم أصبحت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمبادرة الحزام والطريق على نحو لم يتخيلوه إطلاقاً .
فقد اقترحت الصين مبادرة الحزام والطريق عام 2013 بهدف بناء شبكات من البنية التحتية والتجارة لانتشال قرى وبلدات ومدن ودول من الفقر وتحقيق مزيد من الرخاء بطول مسارها. ومن المتوقع أن يربط الحزام الاقتصادي لطريق الحرير وطريق الحرير البحري للقرن الـ21 بين الدول والشعوب في آسيا وإفريقيا وأوروبا بطول المسارات التجارية القديمة.
-- أسنان جديدة وبئر جديد
فالابتسامة العريضة لم تعد أمراً محرجاً بالنسبة لأنو، التي استعادت الآن أسنانها الأمامية. وعاد الابتسام والضحك للفتاة البالغة من العمر 12 ربيعاً.
"أبدو أكثر سعادة عندما أضحك الآن"، هكذا قالت أنو التي تعيش في هاكاي بجوار نهر نام مانج.
فقبل أكثر من ثلاثة أعوام، فقدت أنو نصف أسنان فكها العلوي عندما كانت تسعى جاهدة للإمساك بسمكة قرموط اصطادها عمها. وفقدت سنة أخرى من أسنانها عندما سقطت على طريق موحل عقب سقوط الأمطار بغزارة.
ويرجع ما يعاني منه السكان المحليون من أسنان غير متساوية وضعيفة وصفراء يرجع بصورة كبيرة إلى المياه العكرة ذات الرائحة الكريهة التي يرفعها الأهالي من البئر الوحيد خلال فترة الجفاف. والأسواء من ذلك، أن كمية المياه لا تكفي القرية.
بيد أن تغيراً هائلاً حدث عندما قامت الشركة الصينية، التي تولت إنشاء محطة الطاقة الكهرومائية رقم 1على نهر نام مانغ، بحفر بئر جديد، وهو ما صاحبه تطوير للطريق الرئيسي في القرية بدون مقابل.
أما الأمر الذي كان بمثابة مفاجئة أكبر بالنسبة لأنو فهو فحوص بدنية مجانية رتبتها شركة دونغفانع للطاقة الكهربائية للقرويين والتي حينها صار لدى أنوا أسنان أمامية جديدة.
"وصار مذاق السمك الذي تطهيه أمي في أيام الجفاف بنفس الحلاوة الآن"، هكذا تقول أنو.
والملايين حول العالم، شأنهم شأن أنوا يستفيدون استفادة مباشرة من مشروعات الحزام والطريق. هذا وقد انتهت شركة دونغفانغ للطاقة الكهربائية من إنجاز مشروع الطاقة على نهر نام مانغ في عام 2016.
-- طريق عبر الحرب
الطريق من حلب التي مزقتها الحرب إلى مدينة اللاذقية شمال غربي سوريا وعرة وملئية بالحفر، تسير عليها شاحنة صارت متهالكة جراء ما أصابها ثقوب ناتجة عن رصاص وخدوش ناتجة عن شظايا، ويقودها سائق لم يعد قادرا على أن يكون أكثر استعداد لأي وضع طارئ.
وفجأة، انفجرت قذيفة على جانب الطريق. فإذا بأمير أنيس (32 عاما) يدير عجلة القيادة بعيداً في عملية تفاد سريعة للانفجار لكي ينجو من الموت. ويتذكر كم كان محظوظاً ببقاء الشاحنة بحالة جيدة وكذا ما عليها من بضائع كانت عبارة عن قرابة طن من الصابون المعبأ بإحكام والذي ساعد في صناعته.
لقد كانت الطريق حقاً وعرة، ولكنها لم تكن أكثر وعورة من الحياة التي يحياها أنيس وغيره من الأسر السورية وسط حرب دائرة.
وكانت هذه الشحنة من الصابون الحلبي المصنوع من زيت الزيتون بحرفة يدوية سورية تقليدية في طريقها إلى مدينة تيانجين على بعد حوالي 7 آلاف كلم. فقد طلب رجل الأعمال الصيني لي جيان وي، الذي يعمل في هذه المدينة الساحلية الواقعة على مسافة حوالي 120 كلم جنوب شرقي العاصمة الصينية بكين، طلب هذه الطلبية وغيرها من الطلبيات من قبل.
عرف لي الصابون الحلبي يدوي الصنع خلال زيارة قام بها لسوريا عام 2000، ومنذ ذلك الحين صار من محبي هذا النوع من الصابون. وحفزته تجربة شراء صابون مقلد في عام 2015 على استيراد أصلي من مسقط رأس هذا الصابون لبيعه على الإنترنت.
ومن نهر هايخه في تيانجين إلى بحر بوهاي وصولا إلى بحر الصين الشرقي وبحر الصين الجنوبي وعبوراً لمضيق ملقا وصولاً إلى المحيط الهندي والبحر الأحمر وحتى اللاذقية المطلة على البحر المتوسط، يمتد مسار لطريق الحرير البحري القديم.
وساعدت طلبيات الصابون من الصين على بقاء أشقاء أنيس من منزل الأسرة.
-- لغة من أجل التغيير
أخذت الحياة منحنى جذرياً عندما أصاب تشامرايون سريتتش مرضاً خطيراً أضطرت معه هذه الطالبة المتفوقة إلى التوقف عن الذهاب إلى المدرسة الإعدادية لمدة خمس سنوات. كما حرم ذلك أسرتها من حياة اقتصادية رغيدة.
بيد الحياة تغيرت عندما أخذت بنصيحة والدها بالدراسة في مدرسة ابتدائية تدرس اللغة الصينية في الريف بمسقط رأسها مقاطعة كاندال. ولم تكن قد تعافت تماماً من المرض ولكنها شعرت بأنها ملزمة بشكل كبير بجنى المال لإعالة أسرتها. "العديد من الصينيين يأتون لفتح مصانع وبالتالي سيكون أداء وظيفة مترجمة لهم عملاً لائقاً"، هكذا قال والدها المسن.
الحياة تغيرت مرة أخرى إنطلاقا من هذه النقطة. وكان تعلم الصينية ممتعاً وجلب الأمل للفتاة الشابة المنتمية لقبلية اخمير، وقادها إلى مزيد من الدراسة في مدرسة دوان هوا (تون فا) الصينية الشهيرة ومقرها العاصمة بنوم بنه ، وبعد ذلك في جامعة بنوم بنه الملكية.
ونظرا لتفوقها الأكاديمي، مُنحت الفرصة لاستكمال العامين الأخيرين لها في الجامعة بالدراسة في جامعة دالي في مقاطعة يوننان جنوب غربي الصين.
وخطرت في بال تشامرايون فكرة. لماذا لا تساعد المزيد من الكمبوديين على تعلم الصينية لتحسين فرصهم إلى حياة أفضل؟ وبعد التخرج، فتحت مدرسة بي ده لتعليم الصينية في مسقط رأسها. ومع رغبتها في مواصلة تعليم نفسها، تدرس مديرة المدرسة الآن كطالبة في معهد كونفوشيوس ببنوم بنه وهدفها التوجه إلى الصين للقيام بدراسات عليا.
وتقول إن الأمر كان من الممكن أن ينهى بها بالعمل في مصنع أو مطعم. وبدلا من هذا، صارت أحد أكثر من خمسة ملايين طالب مسجل في أكثر من 1500 من معاهد كونفوشيوس وفصول كونفوشيوس الدراسية في 140 دولة حول العالم.
-- تحول كوفاتوف من القلم إلى السيف
وبالنسبة لتيمور كاتاياموفيتش كوفاتوف، صارت ممارسة رياضة الكونغ فو الصينية لمدة ساعتين روتيناً يومياً وتتيح له أيضا فرصة تخفيف التوتر الذي يتعرض له من عمله كرئيس ومدير تحرير وكالة قازاقستان اليوم للأنباء.
إنه لم يحقق شهرة بعمله في وكالة الأنباء، ولكنه استطاع أن يصنع اسما له بفوزه بميداليات في مسابقات فنون القتال في قازاقستان وآسيا والعالم وككبير مدربي المنتخب الوطني لفنون القتال.
لقد أحدث كوفاتوف تحولاً في عمله وسط الآثار الاقتصادية لاستقلال قازاقستان عن الاتحاد السوفيتي. وسرعان ما ارتقت مكانته في صفوف قطاع الأخبار . ولكن بالنسبة لكوفاتوف، تبين أن ممارسة الكونغ فو هي عشقه الحقيقي وتاق إلى تطوير مهاراته.
وقرر كوفاتوف، وهو في أواخر الأربعينات من العمر، تعلم الصينية للحصول على فهم للثقافة الصينية وجذور رياضة الكونغ فو. "الكونغ فو ليس رياضة فحسب، وإنما فلسفة أيضا"، هكذا يقول كوفاتوف.
وفي السنوات الأخيرة، شهد كوفاتوف توجه المزيد من أصدقائه إلى الصين وقدوم المزيد من الزائرين الصينيين والشركات الصينية إلى قازاقستان. ويعرب عن اعتقاده بأن مبادرة الحزام والطريق، التي تعد قازاقستان مشاركاً فيها، ستقود إلى زيادة التبادلات الثقافية والشعبية.
ولاحظ أيضا أن اتجاه الكونغ فو بدأ يكتسب شعبية بين الشباب القازاقي، وهو أمر سعد به كوفاتوف غاية السعادة.