القاهرة 23 ديسمبر 2016/ أبدى الدكتور جابر نصار رئيس جامعة القاهرة، اهتماما كبيرا بالتجربة الصينية "الملهمة" في مجال التعليم، واعتبر العلاقات بين جامعته والمؤسسات التعليمية الصينية "في تطور مستمر".
وقال نصار في مقابلة خاصة مع وكالة أنباء (شينخوا)، " يوجد لدينا فى جامعة القاهرة اهتمام كبير جدا بالانفتاح على التجربة الصينية، نحن نرى أن هناك تشابها كبيرا فى المشكلات التي واجهتها الصين فى ملف التعليم العالي".
وأضاف " اعتقد أنه خلال الفترة الأخيرة، وتحديدا فى الـ 25 سنة الماضية، نجحت الصين في أن تطور من آليات التعليم العالي، وهذه تجربة ملهمة".
وتابع " كنت فى زيارة للصين فى أغسطس الماضي وأطلعت على جوانب كثيرة جدا من التجربة فى جامعة بكين، واعتقد أن العلاقات بين جامعة القاهرة وبين جامعة بكين والمؤسسات التعليمية فى الصين مهمة جدا وفى تطور مستمر".
وأردف " فور عودتي (من بكين) قمت بإرسال نائب رئيس جامعة القاهرة لشئون الدراسات العليا والبحوث لدورة تدريبية فى مدينة شنغهاي لمعرفة تصنيف الجامعات وترتيبها عالميا.. وكانت زيارة مهمة".
ورأى أن " حركة تبادل الزيارات والمعلومات والتعاون بين جامعة القاهرة وبين الجامعات الصينية مزدهرة جدا، ونحن ندفع بها".
واستطرد " الأمر الآخر لدينا معهد كونفوشيوس (في جامعة القاهرة)، وهو أكثر المعاهد تميزا لتدريس اللغة الصينية، ونحن نهتم فى هذه الفترة ليس فقط بتدريس اللغة ولكن بالتقارب الثقافي بين الجامعة والجامعات الصينية، يوجد على جدول أعمالنا ومعهد كونفوشيوس ترجمة للأعمال الأدبية والشعبية التي يمكن تسويقها للتعارف أكثر على الشعب الصيني وحضارته".
واعتبر " الصين دولة بالغة الأهمية، والحكومة المصرية وعلى رأسها الرئيس عبد الفتاح السيسي يدرك ذلك تماما، وهى الدولة الوحيدة التي زارها (السيسي) ثلاث مرات، فى إشارة إلى أهمية الصين ودورها الحالي والمستقبلي فى السياسة الدولية".
وزاد " ندرك تماما ونقدر أن الصين تسعي إلى الشراكة مع الشعوب الأخرى وليس إلى الهيمنة، وهذه مسألة مهمة جدا تفتح آفاقا للتعامل بين المؤسسات المصرية والصينية وعلى رأسها الجامعات، وفى يناير القادم سنستقبل وفدا من إحدى الجامعات الصينية لمزيد من التعاون".
وعن تراجع ترتيب الجامعات المصرية في التصنيفات العالمية، قال نصار إنه " يوجد 4 تصنيفات على مستوى العالم، أقواها وأكثرها موضوعية والذى يستلزم تقديم ملف هو تصنيف شنغهاى، ثم تصنيف كي إس الإنجليزي ثم التصنيف الإسباني والأمريكي.. وترتيب جامعة القاهرة فى تصنيف شنغهاى هو 410، وتقدمنا فى الفترة الأخيرة بعض المراكز، وهذا الأمر بالغ الصعوبة نظرا لضوابط التصنيف الموضوعية".
وأوضح أن " جامعة القاهرة حافظت على تصنيفها رغم الأحداث الصعبة جدا التي مرت بها، التي لو تعرضت لها أي جامعة أخرى لخرجت من التصنيف، بل تقدمنا من المركز 470 إلى 410 فى تصنيف شنغهاي، وإلى المركز 551 من 800 جامعة في التصنيف الإنجليزي".
وأكمل أن "جامعة القاهرة تدخل التصنيف وهي تفتقد 30 % من المعايير، نظرا للأعداد الكبيرة من الطلبة بها، حيث يتواجد بها 200 ألف طالب، وبالتالي هي تنافس على 70% فقط من المعايير وتحصل على 95 % منها".
ورد على سؤال حول ما إذا كانت الجامعات المصرية تؤهل الطلبة لسوق العمل، بتأكيده أن " القول إن الجامعة تخرّج لسوق العمل فكرة ليست منضبطة إلى حد كبير، الجامعة تعلّم إنما سوق العمل يحتاج إلى تأهيل، والجامعة عندما تعلّم جيدا فإن خريجيها يستطيعون خلق فرصة عمل لأنفسهم، لذلك الكليات التي قمنا بتطويرها تعليميا أو فى برامج الدراسة الخاصة بها خريجوها يتعاملون مع سوق العمل، فنجد خريج كلية الهندسة يعمل فى الإعلام، وخريج الحقوق يشتغل فى مجال الاتصالات".
وأشار إلى أن هناك "ضغوطا على التعليم العالي (في مصر)، ولا يوجد ضغط على التعليم الفني، لذلك لا نُعلم المهن، والمفروض الوضع يصبح العكس، ولابد أن نغير هذه الثقافة".
وتابع " لابد من تغيير نظام التعليم العالي، والمشكلة قد تكون أمام الناس صعبة لكن الحلول بسيطة، فمثلا يوجد فى كلية الحقوق 40 ألف طالب يجب علينا أن نخرجهم وأضمن لهم الوظيفة بالطبع هذا صعب".
وطالب نصار" بإلغاء منصب وزير التعليم العالي، موضحا أن الجامعات فى مصر مستقلة، وكل رئيس جامعة يمارس سلطاته باستقلال وفقا للدستور، بينما يقوم المجلس الأعلى للجامعات بالتنسيق بين الجامعات".
وأردف إن "مشكلتنا فى مصر ليست فقط وزارة التعليم العالي، يوجد حقائب وزارية أكثر من اللازم، فى مصر 37 وزارة من عنده فى العالم هذا الرقم، المشكلة أنه فى كل وزارة ديوان وزاري وموظفين وفلوس تُهدر، والظروف الإقتصادية فى مصر تستدعي التقشف، المفروض عمل دمج (بين الوزارات) لكي يشعر المواطن العادي أن عبء الإصلاح الاقتصادي موزع على الجميع، عدد الوزارات فى مصر كبير وأكثرمن اللازم".
وعن إمكانية مشاركة الجامعات في تجديد الخطاب الديني في مصر، قال نصار إن " تجديد الخطاب الديني يحتاج لأفعال وليس أقوال، لأن الخطاب المتطرف مواجهته ليس بالكلام، لكي تجدد الخطاب الدينى لابد من معرفة ثلاث نقاط هى أين يتم الخطاب الدينى؟ ومن يقدم الخطاب الديني؟ و ما هو محتوى الخطاب الديني؟".
وأضاف " واجهت هذه المشكلة فى الجامعة، ووجدت أن الخطاب الديني يقدم فى مجموعة من الزوايا، ففى كل طابق بالكليات كان هناك مكتب أو فصل دراسي تحول لزواية، يوجد فى جامعة القاهرة 600 مكان بهذا الشكل، يعنى يأتي واحد كل يوم ثلاثة وأربعة مرات يتكلم مع الطلبة.. لذلك قمت بإغلاق هذه الأماكن وتم بناء جامع، إذا الخطاب الديني أصبح فى الجامع، ومن يقدمه إمام تابع لهيئة الاوقاف، وبالتالي قمت بتوحيد الخطاب الديني في الجامعة.. وتغيرت جامعة القاهرة فى وقت قياسي وتجديد الخطاب الديني يحتاج إلى مجهود".
وأردف إن " نقوم بعمل حفلات للفنانين وهناك طلبة من كل محافظات مصر يأتون للمشاركة في الموسم الثقافي لجامعة القاهرة، هذا جزء من مواجهة التطرف بجانب تجديد الخطاب".
وقال نصار إن جامعة القاهرة تدرس إنشاء دار سينما، مشيرا إلى ان الجامعات فى أغلب دول العالم المتقدم تستخدم حاليا السينما كأداة تعليمية، مضيفا " كان يوجد بالجامعة قبل أن اتولى رئاستها 8 مسارح، أصبحوا الآن 16 مسرحا، وسنستخدم السينما فى التعليم والثقافة، فمثلا طلبة كلية الطب وعلم الاجتماع يمكن أن يشاهدون فيلم يناقش مشكلة الإدمان، هذه أدوات ثقافية وفنية تؤدى إلى التعليم".
وكشف نصار عن أن جامعة القاهرة انتقلت من مرحلة الاستدانة إلى مرحلة تملك فى أرصدتها حاليا ملياري و600 مليون جنيه، وذلك بسبب الإصلاح المالي والإداري القائم على العدالة والشفافية، وزيادة الموارد الذاتية للجامعة حيث توجد بها وحدات بحثية وإنتاجية.
وبين أن جامعة القاهرة سجلت فى العامين الماضيين مع شركاء فى أوروبا وأمريكا 18 براءة اختراع، فيما ارتفعت ميزانية البحث العلمي بالجامعة من 23 مليون جنيه فى عام 2013 إلى 480 مليون جنيه.
وأشار إلى أن الجامعة حولت الوحدات البحثية بها إلى وحدات بحثية وإنتاجية فى نفس الوقت، فمثلا محطة التجارب الزراعية بها 200 فدان باستثمارات أكثر من 150 مليون جنيه، كما تم تطوير مطبعة الجامعة التي أصبحت تدر أرباحا شهريا.
ونوه بأن تطوير الجامعة تم وفقا لضوابط، أولها ألا يتحمل أحد عبء غير مستحق، موضحا أن جامعة القاهرة مازالت هى الأقل في الرسوم التعليمية مقارنة ببقية الجامعات الحكومية، بل أنها خفضت بعض الرسوم 50 % للتخفيف عن كاهل المواطن، كما أنها تبرعت لصندوق "تحيا مصر" بـ 20 مليون جنيه في إطار نشاطها المجتمعي ودعمها للدولة المصرية.
ولفت إلى أن جامعة القاهرة تقوم بتطوير معاملها التي أنشئت في عهد الملك فؤاد، ولم تتطور منذ 1920، وسوف تبني ثلاث مدارس كمرحلة اولي فى شمال ووسط سيناء بعد تحريرها من الإرهاب.
واعتبر أن جامعة القاهرة "خلقت حالة نجاح فى المجتمع المصري، وهذا مهم جدا، الانجازات التي تمت لم نقل إننا سوف نعملها، لكن الناس شاهدتها بعد أن تمت".
وحول ما إذا كان يؤيد أطروحات إلغاء مجانية التعليم الجامعي، قال إن " مجانية التعليم لا جدال فيها، لكن لا توجد مجانية مطلقة، المجانية حق لمن يستحقها ويجب أن يحصل على التعليم بكفاءة وكرامة، بمعنى أن الطالب يتعلم فى الجامعة بـ165 جنيها ولو لم يستطع أن يدفعهم يجب ايضا أن يتعلم ".
وأردف " لكن عندما يكون هناك رجل أعمال ملفه الضريبي فى العام 30 مليون جنيه، وابنه يتعلم في كلية الطب بـ 165 جنيها لماذا؟ ".
واستطرد " يوجد فى جامعة القاهرة 5 كليات طب، وطب أسنان، وصيدلة، واقتصاد وعلوم سياسية، وإعلام، وحوالي 25 % إلى 40 % من طلبة هذه الكليات كانت رسومهم الدراسية فى الثانوية العامة تتراوح بين 25 ألف إلى 200 ألف جنيه، وليس من العدل أنهم يتعلمون فى الجامعة بـ 165 جنيها فقط.. الطالب يخرج من باب كلية الطب ويدخل سنتر (دروس خصوصية) ويدفع 50 ألف جنيه على خمس مواد، طيب أعطيني ربع هذا المبلغ وأعمل معامل، ولن يحتاج الطالب للذهاب للسنتر".
وختم إن " مجانية التعليم ليست صنم يعبد.. ولابد أن يكون هناك تفكير جدي فى حل المشكلات".