حلب 9 ديسمبر 2016 / وقف ماهر بين مئات الأشخاص الذين أتوا ينتظرون ذويهم، لأكثر من 20 ساعة متواصلة في مركز إيواء "جبرين" بجنوب شرق حلب، يترقب بلهفة الحافلات التي تأتي من الأحياء الشرقية عله يرى اخاه الذي حوصر منذ أكثر من عامين داخل تلك الاحياء.
وفجأة وبعد طول انتظار، يتعانق ماهر الذي يبلغ من العمر 37 عاما مع أخيه الذي نزل لتوه من حافلة خضراء، واستمر العناق لدقائق والدموع وحدها التي تعبر عن شدة الشوق واللهفة لبعضهما البعض.
وتحدث ماهر بصعوبة، لوكالة أنباء (شينخوا)، والدموع في عينيه قائلا " أخي منذ سنتين لم أره .. ولم اصدق عيني انه امامي الان وهو على قيد الحياة ".
وأضاف ماهر " نحن نسكن في احد احياء حلب الغربية، واخي احمد كان جنديا في الجيش السوري استشهد على يد مقاتلي المعارضة المسلحة عند دوار اغيور قبل حوالي عامين، وقرر اخي خالد ان يدخل إلى تلك الاحياء لكي ينتقم لأخي، فحوصر واضطر للبقاء تحت رحمة المسلحين طيلة هذه الفترة ".
وأوضح " لقد عشنا لحظات صعبة ومؤلمة عندما سمعنا ان اخي خالد دخل إلى حي الصالحين، وانه حوصر بداخله، مؤكدا أن والدتي تعبت كثيرا، وظنت انه قتل أيضا ".
من جانبه، روى خالد الذي حمله الشوق لرؤية اخيه، والذي كان يعمل في مهنة نجارة الموبيليا بحلب، بحسرة ما حدث معه داخل تلك الاحياء، وكيف اضطر للتعامل مع قتلة أخيه كي يحافظ على حياته، مؤكدا أن غالبية سكان حلب الشرقية تعرضوا للجوع والعطش والمرض.
وبين خالد أن مقاتلي المعارضة المسلحة كانت تحتمي بهؤلاء السكان، وترفض ان يخرجوا منها.
وتسأل كيف سأرى والدتي .. ربما لم تصدق انني على قيد الحياة ، خاصة وانني موالي للحكومة السورية، معربا عن شكره للجيش السوري الذي سمح له بالعودة للحياة من جديد بعدما كان متيقنا بأنه سيموت بالقصف.
مشهد حزين ومفرح بنفس الوقت، انها لحظات الفراق وبعدها اللقاء ، تكرر هذا المشهد عشرات المرات في لحظة واحدة في مركز الايواء المؤقت في جبرين، وربما هذا هو حال اغلب أهالي احياء حلب الشرقية التي تعرضت للحصار والقصف منذ اكثر من أسبوعين.
وفي حادثة مشابهه تمكن الجندي السوري ايسر دعدوش، الذي يخدم في احدى وحدات الجيش السوري، من ان ينقذ اخته مع أولادها، والتي كانت تعيش في حي الصالحين الذي سيطر عليه الجيش السوري منذ يومين، وقام بحمل امتعتها ورصاص القنص والقذائف تنهمر على جنبات الحي الذي مشوا فيه لكي يصلوا إلى بر الأمان.
وقال ايسر دعدوش ل(شينخوا) " كنت اتصل مع اختي بشكل مستمر ، وعندما علمت ان الجيش تمكن من السيطرة على الحي ، ذهبت وأخرجتها من هناك ".
وقالت اسراء (32 عاما) ، وهي شقيقة ايسر " تعبنا من الجوع والاهانة والحرمان من كل شيء " ، مضيفة " أطفالنا تريد ان تأكل وتعيش بسلام وان تتعلم ".
ومضت تقول " المسلحون كانوا يطعموننا خبر التبن، الذي يقدم للحيوانات، خمسة ارغفة لكل عائلة ، عدا عن غلاء المواد التموينية ، واحتكارها من قبل المسلحين ".
وأكدت انها خرجت من الجحيم إلى الجنة، ومن الخوف والرعب، إلى الاستقرار والهدوء، لافتة الى انها ستضع اطفالها في المدارس كي يتعلموا، مشيرة الى ابنها سليم ترك المدرسة منذ اربع سنوات.
وعبرت عن فرحتها الشديدة بلقائها مع شقيقها الذي لم تراه أيضا منذ سنتين، مؤكدة أنها ستجلس في منزل والدها بأحد احياء حلب الغربية.
ايسر تمكن من انقاذ شقيقته في ساعات الصباح الباكر، وكانت العمليات العسكرية على اشدها في حي الشيخ سعيد القريب على حي الصالحين، وكانت حياتهم معرضة للخطر، لولا العناية الإلهية.
شاب حلبي آخر رفض الإفصاح عن اسمه، قال " كنت انتظر عودة اهلي، بعد ان فرقتنا الحرب عند خروجنا من حلب الشرقية ، لنلتقي هنا في هذا المكان البعيد عن حلب ".
وأضاف الشاب وهي في العشرين من العمر " خرجت مع اسرتي منذ اكثر من شهر بقصد الفرار من ظلم المسلحين والقصف العشوائي على الاحياء الشرقية، لكن المسلحين لم يسمحوا لي بالخروج، فخرجت عائلتي، وان بقيت ، ولكن حاولت الكرة من جديدة ، وخرجت من طريق اخر إلى مكان آخر، وانقطعت بيننا السبل، وفجأة وانا أنزل من الحافلة وإذا بأبي واخوتي ينتظرون لعدة أيام كل الحافلات القادمة ويترقبون عودتي.
وقال والد الشاب الحلبي البالغ من العمر 54 عاما ، " للحظات ، فقدت الامل بالعثور على ابني، لكن إرادة الله اقوى، وكحلت عيني برؤيته في هذا المركز ".
هذا لم يكن فيلما سينمائيا، بل كان مشاهدا حقيقة في محافظة حلب التي مزقها الإرهاب الى حلب الشرقية تحت سيطرة المسلحين منذ عام 2012 ، وحلب الغربية التي تخضع لسيطرة الحكومة السورية ، ولكن شتان ما بين الشرقي والغربي، فالشرقي مدمر ولا حياة فيه الان، وغربي يعج بالحركة والحيوية رغم سقوط القذائف الصاروخية بشكل شبه يومي وسقوط قتلى وجرحى.
من جانبه، قال قائد ميداني في حلب الشرقية لوكالة (شينخوا) أن المسلحين باتوا يسيطرون على اقل من (7 كلم) مربع من الأجزاء الجنوبية الشرقية من حلب.
وأضاف ان الجيش السوري يقوم بنقل المدنيين من داخل تلك الاحياء إلى نقاط امان بهدف نقلهم إلى مراكز الايواء المؤقتة.
يشار إلى أن الجيش السوري يشن منذ أواخر الشهر الماضي حملة عسكرية بغية السيطرة على احياء حلب الشرقية، وتمكن بفعل تقدمه السريع وضرباته الكثيفة ان يجبر المسلحين على الانسحاب من قسم كبير من الجزء الجنوبي من حلب الشرقية.