بقلم/ليو فانغ، استاذ زائر في معهد دراسات بحر الصين الجنوبي بجامعة شيامن الصينية
إن اكثر ما يوصف به 2016 بالسنة الضيقة على المجتمع الدولي. حيث شهدت هذه السنة خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، فوز ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية خارج توقعات المجتمع الدولي، وغيرها من احداث " البجعة السوداء"، واتسمت السياسية الدولية بطيف غريب بألوان مثيرة، من ناحية عودة قوية للمحافظين، ومن ناحية أخرى حرص الشعوب على التغيير، مواصلة التقسيم الاجتماعي وتعميق التمايز. واليوم، بعد مرور ربع قرن من انتهاء الحرب الباردة، يبدو أن العالم يقع في مفترق طريق جديد بظهور بعض التناقضات الخطيرة.
أولا، الارتباك بين الاستقرار والفوضى
إن الجواب عما إذا كان العالم اليوم أكثر استقرارا أو اضطرابا مختلف حسب الآراء، ولكن الحقيقة التي لا جدال فيها أن الوضع العالمي اليوم هو ليس جميلا مثل ما كان متوقعا في مطلع الألفية. وباتت الفوضى في الشرق الاوسط،والمأزق الاوروبي،واللغز في آسيا والمحيط الهادئ، ميؤوس من حلها على المدى القصير. ومن المرجح أن تقف أمركيا مكتوفة الايدي طويلا في المستقبل. وسيواجه العالم مستقبلا اكثر غموضا عندما تتوضح صورة أمريكا ل" العودة". و من المؤكد أن الصين بحكمتها الشرقية القديمة لدعم السلام والتعاون من أجل تحقيق العدالة ستلعب دورا أكثر أهمية.
ثانيا، الانفتاح والإغلاق
تواجه مسيرة العولمة التي نشأت في ثمانينات من القرن الماضي، رياح منعكسة،وظهور الحمائية التجارية الاوروبية والامريكية. ويعتبر الاستفتاء البريطاني للخروج من الاتحاد الاوروبي، وموت اتفاقية TPP دق ناقوس الخطر ضد العولمة. وتقول الحكمة، إن الدولة الفوضوية غير مناسبة للعيش، ولا نستطيع الوقوف أمام جدار الخطر، والعالم بالفوضى ينغلق، وبالاستقرار ينفتح. وإن الخيار بين الإغلاق والانفتاح يعكس حكم الدولة للوضع العالمي. وبفضل بصيرة الرفيق دنغ شياو بينغ، تتمسك الصين بموضوع السلام والتنمية ، وتدفع بالعولمة بشجاعة، وتتقاسم أرباح العولمة أيضا. وتلتزم الصين حاليا ببرنامج والإجراءات الرامية إلى تعزيز الانفتاح والتعاون، واستراتيجية التجارة الحرة ومبادرة " الحزام والطريق" هي نسخة مطورة للانفتاح الخارجي.
ثالثا، الهدم أو التأسيس
يمر النظام الدولي في العالم بحالة من الفوضى والاضطرابات، وبحاجة ماسة الى الاصلاح وإعادة الإعمار. وأن انخفاض القوة الشاملة الكاملة للولايات المتحدة يجعلها عاجزة على سيادة تغيير النظام الدولي الذي أسستها الولايات المتحدة وغيرها من الدول الاوروبية، أما النظام الدولي الجديد، فلا يزال في عملية التأسيس الصعبة جدا. وباعتبارهما أكبر دولة نامية واكبر دولة متقدمة في العالم، دولة تصعد جديدا ودولة تقليدية كبرى، إن المنافسة بين الصين والولايات المتحدة الى حد كبير يتزامن مع اللعبة الكبرى ل" الهدم أو تأسيس" النظام. فهل سيحافظ القديم وينشأ الجديد، أم هدم القديم لتاسيس الجيد؟ ذلك يعتمد على اتجاه العالم والتفاعل الحميد بين الاستراتيجية الصينية والولايات المتحدة.
وفي مواجهة هذا السياق الدولي الواسع، لا تزال توجد فترة الفرصة الاستراتيجية الهامة للتنمية الصينية، وصيانة واغتنام وتطويل هذه فترة فرصة استراتيجية في غاية الأهمية. خصوصا في ما يخص استراتيجية آسيا والمحيط الهادئ، يجب تحكيم الوضع واغتنام الفرصة وتشجيع إنشاء النظام الجديد.
شهدت منطقة آسيا والمحيط الهادئ استراتيجية هادئة ومستقرة نسبيا على مر السنين. وفي عام 2009، لم تتردد ادارة اوباما في الانسحاب من اوروبا والشرق الاوسط والتوجه نحو آسيا والمحيط الهادئ ، ما تسبب في خلق وضع متوتر في آسيا والمحيط الهادئ. ولكن بالاضافة الى ترك انطباع "الخسارة" للعالم الخارجي، لم تحصل الولايات المتحدة كثيرا من لعبة الشطرنج الاستراتيجية ضد الصين، وبالمقابل، تكسب الصين المزيد من الثقة بنفسها والحزم لاستراتيجياتها في الاستجابة للازمات. الآن، تعرضت إستراتيجية " اعادة التوازن في آسيا والمحيط الهادئ" المعارضات الاقتصادية وتفقد قلوب الشعب، الاعتماد على الردع العسكري فقط هل يمكن أن يذهب بعيدا؟ إنه ليس صعب التصور، بعد التعديل الكبير لحكومة الولايات المتحدة، إما تبقى استراتيجية " اعادة التوازن في آسيا والمحيط الهادئ " مجرد اسم فقط، إما تبدأ التغيير والتعديل حسب الوضع. في اي حال من الاحوال، سوف تصبح في نهاية المطاف الى ارث سياسي لم يكتمل من ادارة اوباما. وفي ضوء ذلك، فإن بناء علاقات جيدة بين القوى الكبرى الصين والولايات المتحدة سوف يسهل ايضا فرص وفضاء جديدة ، وهذه بشرى سارة بالنسبة لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ والعالم.