كترمايا، لبنان 10 أكتوبر 2016 / في بلدة "كترمايا" في منطقة "اقليم الخروب" في قضاء "الشوف" في جبل لبنان (30 كيلومترا جنوب بيروت) أقام الناشط علي طافش منذ نحو 5 سنوات مخيما للنازحين السوريين على منحدر كتف واد بين جبلين وسط حقول من الزيتون على أرض يملكها في خراج البلدة.
في الطريق إلى مدخل المخيم لابد من تسلق منحدر وعر بجانب قنوات مكشوفة تزكم الانوف برائحة دورات المياه نظرا لعدم وجود صرف صحي يخدم المخيم الذي تنتشر الخيم بطوله وعرضه فيما تشكل حبال الغسيل ديكوراته الملونة المعلقة بين شجرتين أو عمودين من الاعمدة الخشبية للخيم.
الوجوه القليلة التي أطلت تستقبل مراسلي "شينخوا" ومرافقيهما العاملين في بعثة مفوضية الامم لشؤون اللاجئين و"اليونيسيف" بانت صفراء ترتسم المعاناة اليومية القاسية عليها مرفقة بنظرات الاستغاثة لعل القادمين يحملون بعضا من مقومات الحياة.
مدير المخيم ورئيس جمعية "الحياة والنور" الناشط طافش كان وضع عقاره دون مقابل في تصرف النازحين وهو ينشط مع الجمعيات والجهات الدولية على تأمين ما يمكنه من احتياجاتهم.
وقال طافش بعد استقباله ل"شينخوا" محاطا ببعض النازحين أنه "عندما ازداد عدد النازحين ولم يعد ممكنا تأمين منازل لهم اقترحت فكرة نصب الخيم في أرضي فرحب بها النازحون وجمعنا مساعدات لهذا الغرض كما ساعدتنا مفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة.
وأشار إلى أن المخيم يضم 52 خيمة تستوعب 324 شخصا وأن النقص يطاول مياه الشرب والكهرباء والمراحيض حيث يضم 4 منها فقط لافتا الى أنه يؤمن المياه والتيار الكهربائي جزئيا بواسطة الصهاريج ومولد كهرباء قدم بمساعدة سعودية.
وشرح الأوضاع المعيشية الصعبة والمعاناة التي تعاني منها العائلات لاسيما لجهة النقص في المواد الغذائية والمحروقات للتدفئة والحاجات الضرورية للأطفال،/ مشيرا إلى الخشية الدائمة من الظروف المناخية وسيول الامطار الغزيرة التي تجتاح الخيم وتهدد قاطنيها في الشتاء.
وأوضح أن اوضاع النازحين تزداد سوء وكذلك مشاكلهم المعيشية والصحية والتربوية بعد تراجع تقديمات المؤسسات والامم المتحدة للنازحين .
وقال إن العائلات في المخيم هي ممن تهجرت بعدما دمار منازلها وأن بين المقيمين في المخيم 25 طفلا يتيما خسروا والديهما أو أحدهما ويقيمون مع أقارب.
وقال طافش إنه يعطي الأولوية للعائلات التي ليس بينها شبان وشابات تجنبا للاشكالات التي يسببها وجود هذه الفئة العمرية وهو الأمر الذي جعل المخيم يختلف عن غيره من مخيمات النازحين فسكانه من الأطفال والنساء والكبار في السن وأرباب العائلات الذكور المرضى الذين لديهم مشاكل صحية مثل ارتفاع ضغط الدم والربو والسكري والديسك.
وعلى صعيد المرافق في المخيم اقامت جمعية "الحياة والنور" ملعبا جهز بمساعدة كويتية وخيمة/مسجد وخيمتين/مدرسة يقوم عليها 3 مدرسين تدفع اتعابهم من خلال التبرعات والمساعدات التي تتلقاها الجمعية.
وقال طافش إن في المخيم 180 طفلا وأن قرابة الثلثين منهم بسن الدراسة وأن التعليم الذي تقدمه مدرسة المخيم غير كاف وأن "اليونيسيف" ترى هذا الواقع ولاتقدم مساهمات مباشرة.
وشدد على حاجة النازحين إلى الدعم النفسي لأن بعضهم لديه صدمات وكآبة ويأس وقلق وخوف على المستقبل.
واشار إلى أن مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين تقدم لقسم من النازحين في المخيم بطاقات يحصلون بموجبها على حصص غذائية ، موضحا أن المفوضية تدرس ملفات من لا يحصلون على مساعدات إلا انه ليس لديها حاليا تمويل كاف لمساعدة هؤلاء.
وأكد أن "المساعدة التي نتلقاها كجمعية غير كافية وبواسطتها نؤمن الخبز يوميا للعائلات والمياه والمحروقات لمولد الكهرباء وأحيانا بعض الوجبات الغذائية".
وحول الرعاية الصحية قال إن المخيم يعتمد على المستوصفات الخارجية وانه يفتقد إلى عيادة نقالة تقوم بزيارته دوريا.
ولفت إلى أن المخيم عرضة للعوامل المناخية ففي الصيف شح في المياه ومضاعفات صحية ناجمة عن الحر في الخيم كما انه في كل أسبوع لدينا اصابة ناجمة عن لدغة عقرب أو أفعى.
وأضاف انه بسبب عدم وجود صرف صحي في المخيم يتكاثر في محيطه البعوض والذباب.
وأشار إلى أن المخيم عرضة شتاء لسيول الأمطار التي تدخل الى الخيم وتغرقها بالمياه والطين كما أن رياح العواصف القوية تطيح أحيانا بالخيم نفسها وأننا قد طلبنا قبل حلول الشتاء مساعدة من مفوضية الامم المتحدة لتدعيم الخيم بالاخشاب والشوادر الجديدة.
وأبرز مشاكل الشتاء بحسب طافش هي تأمين التدفئة لمقاومة البرد منتقدا "سوء ادارة وتسرب المساعدات الدولية" التي، قال إن "بعضها لا يذهب في طريقه الصحيح في حين ان هناك نازحين ضعفاء يستحقون المساعدة ولا يصلهم شيء منها."
وخلال جولة لمراسلي "شينخوا" في مخيم "كترمايا" لمحاولة التحدث مع بعض النازحين أمكن الملاحظة عن قرب بأن ملامح القاطنين شاحبة وأجسامهم هزيلة تشي بالبؤس والمعاناة في خيمهم الخشبية التي تعلوها طبقة من النايلون للحماية.
وتتراوح مساحة الخيمة بين 13 و24 مترا مربعا وتفترشها في مساحة النوم فرش أسفنجية وبطانيات اضافة الى مساحة فيها أدوات للطهي ولتناول الطعام.
وخلال اللقاءات ارتفعت الشكوى من النقص في المواد الأساسية ومن أحوال الطقس وقال محمد دمراني (33 عاما) النازح من "ريف دمشق" في مطلع العام 2014 انه وعائلة شقيقته فروا الى لبنان وأن لديه 4 أطفال يحيون على المساعدات غير الكافية موضحا أنه لا يقدر على العمل بسبب اصابته بمرض "الديسك" في ظهره.
وأوضح أنه نزح بسبب القصف الذي تعرض له منزله في "المعضمية" حيث كان يعمل في مصنع للثلاجات.
وأوضح ان السكن في المخيم يمثل معاناة كبرى، حيث "ينقصنا كل شيء ونواجه صعوبات معيشية وصحية وبيئية وتربوية" داعيا المنظمات الانسانية الى توفير احتياجاته.
وأشار إلى أنه مسكون بالقلق على مستقبل أولاده وأنه يسعى للهجرة إلى أوروبا وأنه قدم طلبا لهذا الغرض للسفارات الأوروبية في لبنان عبر مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين وأنه مازال ينتظر.
وقال انه لا يفكر بالعودة إلى سوريا التي "ذهب جنى عمره فيها هباء" لكنه تمنى أن يعود السلام اليها، معتبرا أن "ذلك يحتاج إلى وقت طويل بعدما باتت ساحة تصفية حسابات ومسرح وملعب لكل القوى الاقليمية والدولية."
أما أحمد جنبر (30 عاما) النازح في العام 2012 من "ادلب" إلى لبنان فقال ل"شينخوا أنه وأسرته المؤلفة من 3 اطفال نجوا بأعجوبة من القذائف العشوائية التي طاولت منزلهم.
جنبر وباعتباره كان طالبا جامعيا يتابع دراسة اللغة العربية يساهم في تدريس أطفال المخيم مادتي اللغة العربية والعلوم .
وأوضح أن مدير المخيم علي طافش تبرع بثمن الكتب والقرطاسية وأن الدراسة تتم على مدى 4 ساعات يوميا وأن عدد الطلاب 80 يتوزعون على 4 فصول حسب فئاتهم العمرية.
وأشار إلى أن بعد المخيم عن المدارس في البلدة وعدم التمكن من تحمل كلفة نقل الطلاب يوميا اليها يقف عائقا امام التحاقهم بالمدارس النظامية.
وقال إن الطلاب النازحين يفتقدون الطمأنينة وأن بعضهم من الأيتام الذين فقدوا أهلهم ويحتاجون إلى مساعدة ودعم نفسي متخصص.
وأكد على حاجة المخيم إلى الدعم على مختلف أنواعه من ترميم الخيم إلى المساعدات الغذائية والصحية ، مشيرا إلى أن طفلته الرضيعة البالغ عمرها 60 يوما تحتاج إلى رعاية خاصة ومتممات غذائية وانه لا يتلقى أي مساعدة في هذا المجال.
وأضاف أن أحد أطفاله البالغ عمره 3 سنوات لديه ثقب في غشاء القلب وأنه يصعب عليه تأمين المال للحصول على أدويته ومتابعة تطور حالته.
وتمنى أن تعمل دول العالم على وقف حرب سوريا من خلال عملية تؤمن الحوار بدلا من ارسال السلاح والمسلحين اليها.
أما ميادة دمراني (21 عاما) والأم لثلاثة أطفال التي تعيش في المخيم منذ 3 سنوات فقالت نعيش في العراء ونطبخ ونسخن مياه الاستحمام على الحطب.
وأضافت حياتنا صعبة في المعيشة والطبابة والغذاء ، حيث نتلقى كل شهرين صندوقة مواد تموينية تكفي لأسبوعين فقط .
وقالت إن "المخاوف تنتاب جميع الأسر من الشتاء الذي بات على الباب وما يحمله من برد وصقيع وغزارة امطار" ، مشيرة إلى الخشية من السيول واقتلاع الخيم وتهديد حياة الأطفال."
ووصفت سوريا بأنها أن "باتت أرض الآلام التي أودى فيها القصف بحياة والدي ووالدتي وكافة افراد اسرتي."
وأضافت "آمل بالخروج من المخيم والسفر إلى أي مكان غير سوريا للخروج من القلق واليأس لعلنا ننطلق في بداية جديدة تضمن مستقبل أولادي".
من جهتها قالت أميرة فياض (46 عاما) بصوت مكسور أنها أم لأربعة أولاد وأن زوجها الذي كان يعمل في مجال الأعمال الحرة مفقود منذ 3 سنوات ، حيث خرج من المنزل ولم يعد.
وأضافت "نعيش العذاب في دورة حياتنا اليومية والأهم أن لدينا نقص في الغذاء ونعتمد على المكرونة والارز وشوربة العدس وبدون فاكهة أو خضار".
وأشارت إلى أنها تعاني من مرض السكر وأنها لا تتمكن من الحصول على دوائها بصورة منتظمة فيما يتعذر عليها اجراء عملية نزع اللوز لابنتها او اصلاح أسنان أولادها.
وتمنت ان تعثر على زوجها المفقود وأن تتوقف الحرب لتعود إلى سوريا واصفة حياة النزوح ب"الجحيم الذي لا ينتهي."
من جانبهم أطفال المخيم الذين خسروا منازلهم وأحلامهم وأقاربهم عبروا على طريقتهم ل"شينخوا" عن آلامهم وقال إبراهيم (10 سنوات) ل"شينخوا " بعفوية "كنت سعيدا في سوريا وكان لدينا بيت كبير أما هنا فنسكن في خيمة صغيرة ونعيش فقراء فليس لدينا مصروف أو ألبسة وأحذية".
وأضاف "الأوضاع في بلدنا كانت جيدة فهناك دفء ومستشفيات وطعام طيب فيما تقتصر وجبة الغداء هنا على البرغل والاز دون لحم أو دجاج أما الفطور والعشاء فهو الخبز الناشف".
وأتمنى أن "أعود إلى سوريا أو أسافر إلى أي بلد يمكن أن يعيش فيه في منزل وليس في خيمة تتوحل شتاء وتحترق بالحر صيفا".
وقالت لانا رجب (8 سنين) ببراءة وفهم مؤلم للواقع "أخاف من الحرب التي جلبتنا إلى هنا وجعلتنا نترك بيتنا الحلو الذي دمرته القذائف ."
وتمنت أن "تعود إلى سوريا للتخلص من المخيم ومن المطر والوحول والبرد وأن أجمل شيء في العالم هو أن يكون عندك بيت".
وأضافت "مر عيد الأضحى ولم نخرج إلى أي مكان وبدون ثياب جديدة لكنني لم أحزن كثيرا بسبب ذلك لأن حزني الكبير هو عندما أشاهد في نشرات الأخبار القصف وقتل الأطفال وتدمير بيوتهم".
يذكر أن عدد النازحين السوريين في لبنان يبلغ المليون ونصف مليون بحسب السلطات اللبنانية التي تعجز المنظمات الدولية عن تلبية احتياجاتهم بسبب نقص التمويل وسط واقع أن وجود هؤلاء يشكل ضغوطا متزايدة على لبنان اجتماعيا واقتصاديا وأمنيا وخدماتيا .