القاهرة 2 أكتوبر 2016 / تسعى الحكومة المصرية إلى تحقيق تنمية صناعية وسياحية من خلال العملية الجارية لنقل مدابغ الجلود من منطقة "مصر القديمة" بقلب القاهرة إلى أطراف العاصمة في منطقة الروبيكي.
بجوار كورنيش النيل، وخلف سور "مجرى العيون" الاثري الذي يرجع تاريخه إلى حوالي 500 عام، تقع مدابغ "مصر القديمة" التي تعمل منذ عقود، والتي كانت الحكومات المتعاقبة تدرس منذ 1995 نقلها، واستغلال المنطقة لأغراض سياحية.
وقال مصطفى حسين صاحب مدبغة عملاقة ومصدر جلود، إن نقل المدابغ من خلف سور مجرى العيون لمنطقة الروبيكي واجه تحديات كثيرة في البداية، لكن الحكومة مؤخرا وفرت التمويل اللازم لعملية النقل، واعتقد أن الروبيكي ستكون جاهزة في أقل من عام لاستقبال كافة المدابغ.
حسين وهو عضو سابق بغرفة دباغة الجلود، ليس ضد خطة الحكومة لنقل المدابغ، لكنه يعتقد أن فترة السماح المقدرة بعام ليست كافية لرجال أعمال الدباغة للانتقال من القاهرة إلى الروبيكي، بدون إغلاق مدابغهم أو خسارة زبائنهم.
وأشار إلى مشاكل اجتماعية سوف تنجم عن عملية النقل، حيث سيواجه آلاف العمال التشريد بسبب استبدالهم بماكينات.
وأضاف إن " نقل المدابغ نقلة حضارية وتكنولوجية لكن البعد الاجتماعي للأمر ليس منظور".
وتابع إن" النقل سوف يخفض العمالة وسيجعل مهن مثل الشيالين والحلاقين وسائقي عربات الكارو والباعة المتجولين تتلاشى"، واقترح أن تدرس الحكومة مثل هذا الأمر حتى لا تدفع هؤلاء العمال إلى التحول للبلطجة وتجارة المخدرات وبث طاقة سلبية في المجتمع.
وبينما يتوقع أن تحدث عملية نقل المدابغ إلى الروبيكي تحديثا في صناعة الجلود وزيادة في صادرات مصر البالغة حاليا حوالي 200 مليون دولار سنويا، فإن عمالا يشتكون من بطالتهم المتوقعة.
وقال سيد محمد (61 عاما) وهو يجلس في مدبغة بعد إخلائها" أعمل في هذه المهنة منذ 52 عاما، استخدم ألواح خشبية لشد الجلود، وهذا العمل سوف تقوم به ماكينات في مشروع مدينة الجلود بالروبيكي".
وتساءل " ماذا سأفعل أنا والصنايعية بعد ذلك؟، ونحن لا نملك أي معاش أو غيره".
" لا توجد نية لدينا لتسريح العمال عند نقل المدبغة للروبيكي"، هكذا قال حسين مصطفى مدير بمدبغة "الجنيه" العملاقة، وابن صاحب المدبغة، داعيا الحكومة إلى ايجاد وظائف بديلة للعمال المتضررين من عملية النقل.
" العمال المتضررين غير متعلمين ولا يعرفون ماذا سيفعلون، ويحتاجون من يفكر لهم ويدربهم ويجد لهم مكانا للعمل، وهذه مسؤولية الحكومة"، أضاف مصطفى.
واقترح على الحكومة أن تمد العمال المتضررين بسيارات نقل للعمل عليها في منطقة الروبيكي.
غير أن أحمد عرفة، سائق عربة كارو، قال " لن يكون لنا ولا لعربتنا جدوى في الروبيكي".
وأضاف " لست صاحب مدبغة لكي أحصل على تعويض، وليس لدى أى مصدر آخر للدخل، ولا أعرف ماذا أفعل؟".
وأصبحت منطقة المدابغ في "مصر القديمة" تزخر بأنقاض المدابغ التي تم هدمها في إطار عملية الانتقال للروبيكي، بأمر الحكومة التي أعلنت أنها سوف تقدم تعويضات لأصحاب بعض المدابغ الذين يرفضون الانتقال للروبيكي لكنهم في الوقت ذاته سيخلون مدابغهم بمصر القديمة.
لكن محمود قيراط صاحب مدبغة صغيرة اعترض على تقييم الحكومة للتعويضات الذي سيحصل عليه بعض أصحاب المدابغ.
وقال إنه سوف يحصل على تعويض قدره 2300 جنيه للمتر، في حين أن سعر المتر في منطقة المدابغ خلف سور مجرى العيون يقدر بعشرة آلاف جنيه.
وأشار إلى أن نقل المدابغ إلى الروبيكي يصب في صالح رجال الأعمال الكبار الذين يحتكرون دباغة الجلود، بينما سيضر عشرات الالاف من العمال.
ونوه بأنه قرر إغلاق مدبغته الصغيرة بدلا من الانتقال للروبيكي، وهو أمر قال إنه لن يؤثر فقط على أصحاب المدابغ بل أيضا على المهن المتعلقة بالجلود مثل ورش صناعة الأحذية التي تعتمد على الجلود من المدابغ الصغيرة لأن المدابغ الكبيرة تصدر الجلود.
وختم إن" الانتقال للروبيكي يمكن أن يتحمله أصحاب المدابغ الكبرى مصدري الجلود، لكن ملاك المدابغ الصغيرة ليس لديهم التمويل الكافي لتزويد مدابغهم في المكان الجديد بالماكينات المناسبة، ولذلك قررت إغلاق المدبغة".
ومن المقرر أن تستمر حتى يوليو 2017 عملية نقل المدابغ من "مصر القديمة" إلى الروبيكي، لتصبح أول مدينة متخصصة صناعيا في البلاد.