بكين 21 سبتمبر 2016 / كونه جزءا جوهريا من خارطة الطريق الاقتصادية الشاملة بين الصين ومصر، ارتقى التعاون المالي الثنائي في الوقت الحاضر إلى مستوى عال ورفيع جديد، يتمثل في تشاورهما حول إقامة آلية ثنائية لمقايضة العملات.
فقد أعلنت الصين يوم الثلاثاء أن المحادثات الجارية بين البنك المركزي المصري وبنك الشعب الصيني (البنك المركزي) حول هذا الموضوع حققت نتائج أولية رغم عدم تحديد المبالغ التي ستتم مقايضتها في إطار تلك الآلية حتى الآن.
واتفق متخصصون صينيون في الأهمية البالغة لهذا التطور، قائلين إن آلية مقايضة العملات المرتقبة ستعود بالفائدة على البلدين معا وتمنح بكل تأكيد قوة دفع هائلة لتعاونها الاقتصادي والمالي المستقبلي.
وفي هذا السياق، صرح يانغ قوانغ رئيس معهد بحوث غرب آسيا وإفريقيا بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية لوكالة أنباء شينخوا بأنه مع تزايد حجم التجارة الثنائية وتدفق الاستثمارات الصينية إلى مصر ورغبة مصر في المشاركة في مبادرة"الحزام والطريق"، يواجه البلدان مخاطر متزايدة ناجمة عن استخدام الدولار الأمريكي في عمليات المقايضة، إذ أن الرنمينبي الصيني والجنيه المصري لم يصبحا بعد عملتين متداولتين في أسواق المال العالمية.
وفي الوقت الذي يعمل فيه المصريون حاليا على إقامة عدد من المشروعات الكبرى التي تستند بشكل أساسي إلى الاستثمارات الخاصة والأجنبية وسط هبوط الاحتياطي النقدي وانخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار، "فسوف تستفيد مصر حتما استفادة كبيرة من مثل تلك الآلية مع الصين التي تعد شريكها التجاري والاستثماري الرئيسي"، على حد قول الاقتصادي الصيني.
وأضاف أن الصين تعتبر إقامة الآلية الثنائية لمقايضة العملات مع مصر وسيلة ناجعة لدفع عملية تدويل الرنمينبي قبل أن يصبح عملة صعبة معترفا بها دوليا.
واتفق معه في الرأي الأستاذ وو بينغ بينغ رئيس مؤسسة بحوث الحضارة الإسلامية بجامعة بكين، حيث قال إنه بعد تطبيق تلك الآلية في المستقبل، يمكن للصينيين شراء المزيد من البضائع المصرية بسهولة ومعظمها ليست من منتجات الطاقة، وكذا الاستثمار في مشروعات مصرية بما لديهم من مبالغ نقدية بالجنيهات المصرية.
ولفت إلى أن ذلك سيضفى سهولة أكبر أيضا على استهلاك الصينيين للمنتجات في السوق السياحية المصرية، وهو ما سيلعب دورا كبيرا في تشجيع تطوير قطاع الخدمات الذي يعد أحد القطاعات المحورية المصرية، لأن السوق السياحية المصرية سوق ناضج له جاذبية متميزة لدى عامة الشعب الصيني.
ففي عام 2015 وصل عدد السائحين الصينيين الذين زاروا مصر إلى 115 ألف سائح وبلغت مدة الإقامة في الفنادق 637 ألف يوم، بزيادة 87 % و62 % على التوالي عن العام السابق.
ومن ثم، فإن الاستهلاك بالرنمينبي مباشرة في مصر سيزيد قطعا من جاذبية مصر كمقصد سياحي رئيسي للصينيين بعد إقامة آلية مقايضة العملات بين البلدين في المستقبل، حسبما قال الأستاذ الصيني.
والحقائق الاقتصادية العامة تشير إلى أن التعاون المالي بين أي بلدين يأتي دوما بعدما يصل حجم ومستوى التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما إلى الدرجة المرجوة. ولهذا، تعد المحادثات الجارية بين الصين ومصر حول إقامة آلية مقايضة العملات في إطار التعاون المالي دلالة دامغة على الأساس الوطيد لتعاون البلدين في مجالي الاقتصاد والتجارة.
وقد أصبحت الصين أكبر شريك تجاري لمصر على مدى سنوات متتالية، إذ إنه في عام 2015 بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 12.9 مليار دولار. وبالإضافة لذلك ، تجاوزت قيمة الاستثمارات الصينية في مصر ستة مليارات دولار حيث تعمل حاليا أكثر من 80 شركة صينية هناك، حسب آخر الإحصاءات الرسمية.
وعلى هذه الخلفية، أشار وو بينغ بينغ إلى أن مصر اجتازت بالفعل فترة الاضطرابات التي شهدتها قبل سنوات وصارت اليوم تنعم بالاستقرار السياسي والاجتماعي، وهو ما خلق مناخا مواتيا لدفع عجلة التنمية الاقتصادية.
وأضاف أن مصر تمر الأن بمرحلة تحويل الاتجاه العام الجيد إلى عوائد ملموسة. "لهذا، جاء التعاون المالي المتمثل في التشاور حول إقامة آلية مقايضة العملات حقا في حينه".
وفي سبيل تحقيق الانتعاش الاقتصادي بمصر، التي تعد دولة ذات ثقل كبير في منطقة الشرق الأوسط، وارتباط ذلك الوثيق بالحلم الصيني المتمثل في بناء مبادرة "الحزام والطريق"، يشير هذا التطور في تعاونهما المالي إلى تفاؤلهما الكبير إزاء مستقبل التعاون الاقتصادي والتجاري الثنائي.
وفي هذا السياق، ثمن يانغ قوانغ عاليا آفاق التعاون الاقتصادي بين الصين ومصر، قائلا إن هذا التعاون لا يقتصر على التجارة فحسب، وإنما يشمل أيضا مجال الاستثمار.
وفسر ذلك بقوله إن المشروعات الكبرى في مصر، ومنها المحور الاقتصادي لقناة السويس الذي يعد أحد المحركات الرئيسية للاقتصاد والتنمية، أتاحت عددا كبيرا من فرص الاستثمار أمام رجال الأعمال الصينيين.
وأضاف أنه لمن الحكمة أن تطرح مصر هذه المشروعات الكبرى بهدف إعادة بناء المنظومة الصناعية كثيفة العمالة والقائمة على احتياجات السوق وذلك من أجل حل مشكلة البطالة وتحقيق النهوض الاقتصادي. علاوة على ذلك، تستند هذه المشروعات الكبرى إلى الاستثمارات الخاصة والأجنبية ، ما خفف العبء عن ميزانية الحكومة.
وشدد الاقتصادي الصيني على أن ذلك سيشجع رجال الصناعة الصينيين الذين يملكون خبرات وافرة وجوانب تفوق تقنية في هذا المجال على الاستثمار في مصر للمضي قدما بتعاون البلدين في القدرة الإنتاجية ذات الاهتمام المشترك، الأمر الذي سيسهم في تحقيق الترابط بين الحلم الصيني والحلم المصري.
كما أشار الأستاذ وو بينغ بينغ المتخصص في شؤون الشرق الأوسط إلى دور الإرادة السياسية القوية لدى قيادات البلدين في دفع إقامة آلية مقايضة العملات، قائلا إن هناك في الصين توافقا في الرأي على أنه بدون تنمية مصر، أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، لن تكون تنمية العالم العربي شاملة وكاملة.
وأضاف أن الدعوة التي وجهتها الصين للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لحضور قمة مجموعة العشرين التي عقدت في مدينة هانغتشو في مطلع الشهر الحالي، تعد تجسيدا لهذا التوافق وتعبيرا عن ثقة الصين في إمكانيات مصر التنموية المستقبلية.
وفي الواقع، "تبرز المحادثات الجارية حول إقامة تلك الآلية المكانة والأهمية الاستراتيجيتين لمصر لدى الصين"، هكذا أكد الأستاذ الصيني.