بكين 20 يوليو 2016 / رغم الجدل الساخن الدائر حول تعمد أو عدم تعمد قصف التحالف لمواقع للجيش السوري، إلا أن خبراء صينيين يقرأون هذا الهجوم الجوي بأنه يبعث برسالة واضحة مفادها أنه محاولة من واشنطن للحفاظ على "توازن القوى" بين المعارضة المسلحة والجيش النظامي في سوريا، وهو توازن تعتبره الإدارة الأمريكية "خطا أحمر" لا يجب تجاوزه.
فقد شن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة مؤخرا أربع هجمات جوية ضد جنود نظاميين في المناطق القريبة من مطار دير الزور، ما أدى إلى مقتل 62 منهم وإصابة نحو مائة آخرين. وأعلن التحالف أن هذه الغارات غير متعمدة، فيما ذكرت الخارجية السورية إن الغارات كانت "متعمدة ومخططا لها من قبل الولايات المتحدة" بهدف "تنفيذ إستراتيجيتها في استمرار الحرب ضد الجيش السوري".
ـــ قصف متعمد أو خاطئ: تلك هي المسألة
وتعقيبا على هذه الغارات، قال وانغ جين الخبير الصيني في شؤون الشرق الأوسط إن التحالف الدولي لم يجر، منذ بدء ضرباته الجوية على الأهداف في سوريا، أي اتصالات مع الحكومة السورية وقواتها الجوية. كما نفت الولايات المتحدة قيامها بأي تنسيق مباشر مع الجيش السوري حتى بعد توصلها مع روسيا إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق النار. لذلك، فإنه على مستوى القيادة، توجد حقا احتمالية وقوع قصف خاطئ.
و"لكن من الصعب أن نصل إلى قناعة بأن قصفا خاطئا قد وقع في دير الزور التي تتسم تضاريسها بأنها غير معقدة، ناهيك عن أن المواقع التي تعرضت للقصف وهي ثكنات تابعة للجيش النظامي السوري يمكن تمييزها بصريا بكل وضوح"، على حد تعبير وانغ جين.
واتفق معه في الرأي الأستاذ وو بينغ بينغ رئيس مؤسسة بحوث الحضارة الإسلامية بجامعة بكين، حيث قال إنه رغم توارد أنباء متكررة في السابق عن وقوع ضربات غير متعمدة، لكن الخسائر البشرية الناجمة عنها لا تضاهي في الواقع حجم الخسائر التي خلفها القصف الذي شهدته دير الزور، لذا عند أخذ دقة الهجوم وحجم الخسائر في الأرواح بعين الاعتبار، "لا أظن أن قول واشنطن يستند إلى أساس قوي من المصداقية".
ومن جانبه يرى تشو وي ليه مدير مركز بحوث شؤون الشرق الأوسط التابع لجامعة شانغهاي للدراسات الدولية أن انخراط الولايات المتحدة في المنطقة منذ سنوات طويلة وامتلاكها لمصادر استخباراتية عديدة يشيران إلى عدم وجود احتمالية كبيرة لحدوث قصف خاطئ كما بررت واشنطن.
غير أن الأستاذ المخضرم أشار في الوقت نفسه إلى أنه إذا كانت الضربات الجوية الأمريكية متعمدة، فذلك يناقض نية حكومة أوباما الرافضة للتدخل العسكري المباشر في سوريا، "ومن ثم، تكمن المشكلة فيما إذا كان البنتاغون يلتزم بتوجيهات البيت الأبيض تماما في كل الأوقات أم لا؟" هكذا قال تشو وي ليه.
ــ وراء القصف: محاولة واشنطن استعادة زمام المبادرة في الساحة السورية
وأعرب وانغ جين عن اعتقاده بأن الولايات المتحدة تحاول على الأرجح عرقلة هجوم الجيش السوري على دير الزور من خلال قصفها لثكناته، ذلك لأنه إذا تمكن الجيش السوري من الاستيلاء على دير الزور، فسوف يواصل مهاجمة الرقة معقل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
"وإذا تطور الوضع على هذا النحو، فسوف تضطر الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى إجراء حوار مباشر مع حكومة دمشق حول مكافحة داعش، وهذا هو الأمر الذي لا يطيب لواشنطن رؤيته"، هكذا حلل الخبير الصيني.
وأضاف أن "قصفا غير متعمد" لا يستطيع تغيير تفوق الجيش السوري في ساحة المعركة بدير الزور، لكنه يلعب دورا كبيرا في تأخير وتيرة هجومه لضمان تفوق المسلحين الأكراد السوريين المدعومين من قبل الولايات المتحدة في القتال مع داعش مستقبلا.
ومن جانبه لفت وو بينغ بينغ إلى أن الولايات المتحدة تهدف من هذا القصف إلى أن تبعث برسالة تهديد إلى الحكومة السورية، مفادها أن الولايات المتحدة لن تسمح لها بتجاوز الخط الأحمر الذي حددته، ألا وهو الحفاظ على توازن القوى بين الجيش السوري والمعارضة المسلحة.
وتابع بقوله إن الولايات المتحدة تأمل في الإمساك بزمام المبادرة في ساحة المعركة السورية في المستقبل، ولا يطيب لها أن يكون لأي طرف اليد العليا في هذه الساحة. وبطبيعة الحال، سيؤدي ذلك إلى حدوث مأزق، لكنها ترمى من وراء حدوث هذا المأزق إلى أن يصبح للهدنة معنى ومغزى.
وفي هذا السياق أعرب باو تشنغ تشانغ الباحث بجامعة شانغهاي للدراسات الدولية عن رأيه، قائلا إن قصف التحالف هذا لم يكن الهدف من ورائه تقويض تقدم الجيش السوري في ساحة المعركة فحسب، وإنما أيضا توجيه رسالة تقضي بأن الولايات المتحدة لا تنوي إجراء تعاون جوهري مع روسيا.
ــ مستقبل اتفاقات وقف إطلاق النار: استمرار أم انهيار؟
وكان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قد توصل مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في العاشر من سبتمبر الجاري وبعد مفاوضات ماراثونية إلى سلسلة من اتفاقات وقف إطلاق النار التي تعد بمثابة أول اتفاقية سلام موقعة بين واشنطن وموسكو بشأن القضية السورية، كما تعتبر آخر فرصة لتسوية الحرب الداخلية السورية سلميا.
ولكن الوضع في سوريا لم يهدأ تماما، حيث اتهمت روسيا الولايات المتحدة بحض المعارضة لنحو 199 مرة على انتهاك الاتفاقات، فيما اتهمت الولايات المتحدة الحكومة السورية بعرقلة إيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين.
وفي هذا السياق، أشار الباحث باو تشنغ تشانغ إلى أن حادث القصف الخاطئ يجعل أي اتفاق لوقف إطلاق النار أكثر هشاشة، وقد يصل الحد إلى أن يدفع أي هدنة إلى حافة الانهيار.
بيد أن الأستاذ تشو وي ليه أعرب عن تفاؤله، قائلا إنه مع أن واشنطن وموسكو تراشقتا الاتهامات، لكن لدي كل منهما نية تطبيق الهدنة في سوريا، مضيفا أن هذا الحدث سيدفع الدولتين إلى تعزيز التعاون الاستخباراتي، "ربما يصعب عليهما تنفيذ عمليات عسكرية مشتركة مستقبلا، ولكن تواصلهما مؤكد في مجال تبادل المعلومات الاستخباراتية حول ساحة المعركة في سوريا".
ومن المتوقع أن يسيطر الوضع في سوريا على نقاشات اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة التي بدأت الاثنين،فيما من المقرر أن تجتمع الولايات المتحدة وروسيا وأطراف اخرى معنية بعملية السلام في سوريا ستجتمع اليوم (الثلاثاء) في نيويورك لتقييم وضع الاتفاق الذي تم التوصل اليه بين الولايات المتحدة وروسيا قبل نحو أسبوع .
ومع تصريح جون كيري يوم الاثنين بأنه لا يزال هناك وقت لإنقاذ الهدنة في سوريا وذلك ردا على إعلان الجيش السوري انتهاء سريان الهدنة المعمول بها في البلاد، أعرب وو بينغ بينغ عن اعتقاده بأنه حتى لو انتهت هذه الهدنة حقا، فمن المرجح جدا التوصل إلى اتفاقات بديلة لوقف إطلاق النار في ضوء وجود توافق بين الولايات المتحدة وروسيا وعدم رغبتهما في رؤية مواجهة ضخمة في سوريا.