ماي شين يوي: باحث بمعهد أبحاث التجارة الدولية والتعاون الإقتصادي التابع لوزارة التجارة الصينية
توشك جهود الرئيس الامريكي باراك أوباما المضنية التي بذلها من أجل توقيع إتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي (TPP) ، وإتفاقية الشراكة والإستثمار عبر المحيط الأطلسي (TTIP)على بلوغ مصير الفشل.
تواجه هاتان الإتفاقيتان هجمات ورفض واسع في حملة الإنتخابات الرئاسية الأمريكية الجارية، كما تواجه إتفاقية التجارة والإستثمار العابرة للمحيط الأطلسي معارضة كبيرة خارج أمريكا. ورغم الجهود التي يبذلها أوباما وأجهزة الإتحاد الأوروبي، غير أن الأمل في نجاح هذه الجهود يبقى ضئيلا.
التحذيرات التي يصدرها فشل محادثات TPP و TTIP؟
التحذير الأول دون شك هو: يجب التخلي عن الإيمان العجائزي بأمريكا وعدم الثقة بشكل أعمى مجددا في صانعي القرار الأمريكيين، وتراجع الإعتقاد في أن أمريكا بإمكانها فعل ماتريد في المجتمع الدولي. حيث في الوقت الذي تتعالى فيه الأصوات المعارضة في أوروبا لإتفاقية التجارة والإستثمار العابرة للأطلسي، أعلن رئيس الوزراء الكندي عن رغبة بلاده في الإنضمام إلى بنك الإستثمار الآسيوي خلال زيارته إلى الصين. وفي ظل معارضة أمريكا حلفائها الإنضمام إلى بنك الإستثمار، يعكس طلب كندا هذه الحليف الكبير للأمم المتحدة، تخلي مزيدا من الدول الغربية عن إيمانها المطلق بأمريكا.
كما يعكس فشل المفاوضات بشأن الإتفاقيتين المذكورتين أن "إتفاقية المعايير العالية للقرن الـ 21" التي تريد أمريكا دفعها، لا تعبر بشكل تام عن الحاجيات الموضوعية للتنمية الإقتصادية. وهذا يطرح التساؤل حول ما إذا كانت المعايير التي تطرحها أمريكا تلائم قواعد التنمية الإقتصادية أم لا؟ وهل تعبر عن فاعلية أعلى؟ وهل يخلفها أهداف أنانية؟
وعلى الفيتنام وغيرها من الدول أن تنتبه إلى أن إمضائها لإتفاقية الشراكة العابرة للمحيط الهادي مع أمريكا سيجعلها تقبل بشروط قد تزرع بذور فتيل يهدد الإستقرار السياسي في البلاد. ولا شك أن هذا الفتيل سينفجر عاجلا أم أجلا بعد بدء سريان الإتفاقية؛ كما من المتوقع أن يتسبب هذه الإتفاقية المعلقة على المدى الطويل في صراع سياسي داخل هذه الدول، وقد يتحول القادة الذي قبلوا الشروط السياسية لإتفاقية الشراكة العابرة للمحيط الهادي محل تسلط سهام النقد.
من جهة أخرى، يوجد إختلاف كبير بين أمريكا وأوروبا على مستوى إتفاقية التجارة الحرة، وهذا لايعكس المشاكل الكبيرة بين الأمريكيين والأوروبيين على مستوى الإجماع وقدرات التحرك فحسب، بل يعكس أيضا المشاكل التي تعانيها أمريكا في إستراتيجية التفاوض بشأن التجارة الخارجية. حيث جمدت مفاوضات جولة الدوحة، وأطلقت مبادرتيْ الشراكة عبر المحيط الهادي والشراكة عبر المحيط الأطلسي بغية التوصل إلى إتفاقيات إقليمية تخدم المصالح الأمريكية بشكل أفضل، وإستعمال ذلك كأوراق ضغط في المفاوضات متعددة الأطراف بمنظمة التجارة العالمية لإجبار مختلف الأطراف على قبول الإقتراحات الأمريكية. كانت هذه الطريقة ذات فاعلية في تسعينيات القرن الماضي، أما الآن فمع تغير بنية القوى الدولية، وضعف قدرات التحرك الأمريكية والأوروبية، فإن هذه الطريقة قد لاتنجح مثلما نجحت قبل أكثر من 20 عاما.
عدم إهتمام صناع القرار في أمريكا بهذه الجوانب يعود إلى الدوافع الشخصية في وضع السياسات الخارجية. ولتحقيق النتائج السياسية، فإن الساسة الأمريكيين الذين ينتمون في غالبيتهم إلى أوساط قانونية وهناك منهم من مارس مهنة المحامات، يرغبون في تحديد قواعد جديدة تخدم مصالحهم بشكل أفضل، بدلا من العمل داخل إطار النظام الموجود، ويضعون كلفة ونجاعة تنفيذ هذه القواعد الجديدة والإتفاقيات التجارية في موقع ثانوي.
على عكس رغبة أمريكا في إقصاء الصين من إتفاقية الشراكة العابرة للمحيط الهادي، تتعامل الصين بموقف منفتح تجاه هذه الإتفاقية، كما لاتستخدم الصين "إتفاقية الشراكة الإقتصادية الإقليمية الشاملة"(RCEP) كوسيلة مضادة لإتفاقية الشراكة العابرة للمحيط الهادي التي تتزعمها أمريكا. وتتمتع الصين بالإرادة والثقة اللازمتين في تحويل إتفاقية الشراكة الإقتصادية الإقليمية الشاملة إلى منصة إقليمية مستقرة للتجارة الحرة.