دمشق 2 سبتمبر 2016 / الطفلة مرام ذات الثامنة أعوام قالت وبكل براءة وهي تلعب بالوحل امام شقتها في مركز إيواء الحرجلة بريف دمشق "انتقلت من أجواء القصف والدمار إلى مكان نظيف فيها أشياء جميلة "، مشيرة إلى أنها تنام بشكل جيد ولا تسمع أصوات القصف.
مرام التي خرجت مع عائلتها يوم 26 أغسطس الماضي بموجب اتفاق بين الجيش السوري ومقاتلي المعارضة المسلحة قالت لوكالة أنباء (شينخوا) اليوم (الجمعة) وهي تلعب مع أطفال جيرانها " هنا في هذا المكان يوجد اكلات طيبة كنا محرومون منها ونحن بداخل داريا ، وكنا في داريا محرومون من اللعب لان الطيران يحلق بكثافة فوق منازلنا ونجلس دائما في الاقبية لوقت طويل "، موضحة أنها تركت المدرسة بسبب أعمال العنف والقتال الدائرة في داريا منذ أكثر من ثلاث سنوات.
وأضافت مرام أنها سوف تتابع تعليمها في المدرسة، معربة عن امنيتها بأنها تصبح طبيبة في المستقبل كي تداوي أهلها الذين تعرضوا للإصابة أثناء حصارهم في داريا.
وبدوره، الطفل براء وعمره (6 سنوات) قتلت امه برصاص قناص أثناء وجودهم في داريا، ليعش بعدها مع خالته مها والتي هي شقيقة امه وزوجة ابيه بنفس الوقت، قال وهي يلعب بالوحل أيضا ، وفي عينيه حزن واضح " نحن هنا كثيرا مبسوطون، يوجد اكل وبسكويت بكل اشكاله "، مشيرا إلى أن داريا فيها قصف وحصار.
وأضاف براء الذي نشأ في ظل القصف والدمار " في داريا لم يكن مسموح لنا أن نلعب وان نرى الشمس، بينما هنا كل شيء متاح اللعب دون خوف ونحن نلعب تحت اشعة الشمس " .
أطفال على براءتهم كانوا يعبرون بطريقة عفوية ، عن مشاعرهم ومكنوناتهم ومعاناتهم التي مروا بها خلال سنوات حصارهم داخل داريا.
مها خالة الطفل مرام (29 عاما) قالت " الله يبعث لأطفالنا أيام جميلة .. وان يعوضهم عن أيام الحرمان التي مروا بها " ، مؤكدة أنها تعمل جاهدة على اسعاد اطفالها في الوقت الحالي " .
وروت مها بمرارة الأيام الصعبة التي عاشوها داخل مدينة داريا خلال أربع سنوات من رعب وخوف من الموت الذي كان يخيم فوق رؤوسهم، مؤكدة أن قرار الخروج من داريا كان مسألة حياة او موت.
ورغم خروجهم من داريا إلى مركز الايواء المؤقتة في الحجلة إلا أن حالة الخوف والقلق ما تزال ترافق العديد من العائلات التي خرجت، لا سيما التي خرجت وفيها شبان قرروا الذهاب إلى دلب، لمتابعة قتال الدولة السورية في اماكن اخرى.
وأضافت مها إن " زوجها الذي هو والد مرام قرر الذهاب إلى إدلب " ، مؤكدة أن هذا الامر يشكل لها حالة من الرعب الدائم من ان تتعامل الدولة السورية بشيء من الانتقام، وان تضيق الخناق عليها "، مؤكدة في الوقت ذاته ان المعاملة الحالية لا تنبئ بذلك.
وتابعت تقول "لقد عاشنا تحت الحصار وعانت كثيرا من سوء التغذية، ونقص الأدوية، كنا مجبرون على البقاء في منازلهم، خوفا من المعارك ".
وتنسيم الطفل البالغ من العمر ست سنوات أيضا كان يصنع حلوى من الوحل مع أطفال آخرين في المخيم، رغم صغر سنه إلا أنه أدرك معنى الحرب، كما انه ولد في بداية الصراع المستمر منذ خمس سنوات الماضية من عمر الازمة.
وقد بذلت الحكومة السورية جهودا كبيرة من أجل انجاز اتفاق داريا لإجلاء المسلحين وتسليم أسلحتهم بموجب العفو الذي أصدره الرئيس السوري بشار الأسد في أغسطس الماضي، الذي يعد لهم الحرية في مقابل التخلي عن السلاح.
وبدوره، قال محمد ديب قرواني رئيس مركز الايواء في الحرجلة إنه " تم انشاء هذا المركز بجهود الحكومة السورية وساهمت فيه بعض المنظمات الدولية ، وتم تأهيل المركز للمواطنين الذين هجروا قسرا من قراهم ".
وأضاف إنه تم استقبال خلال يومي 26 و27 من شهر أغسطس الماضي حوالي 495 شخصا وتم تقديم كل الخدمات المطلوبة ان كان مواد غذائية او طبية وحليب أطفال، مشيرا الى انه تم إخراج حوالي 35 اسرة أي 130 شخصا تقريبا، بناء على طلب منهم إلى أماكن مختلفة في سوريا.
يشار إلى أن مركز إيواء الحرجلة يحتوي 300 شقة سكنية تستوعب حوالي 4 الاف شخص، وهناك 300 شقة سكنية قيد الإنجاز سيتم وضعها بالخدمة في أقرب وقت ممكن.
وتوصل الجيش السوري والمعارضة المسلحة يوم 25 أغسطس الماضي إلى اتفاق في مدينة داريا لإخلائها من السلاح والمسلحين.
ويقضي الاتفاق بخروج 700 مسلح من داريا إلى مدينة إدلب شمال غرب سوريا بعد "تسليم أسلحتهم المتوسطة والثقيلة" إلى الجيش السوري، حسب مصادر رسمية.
كما ينص على خروج المدنيين إلى مراكز إقامة مؤقتة في عدة مناطق في دمشق وريفها.
ويبلغ عدد المدنيين الذين سيتم إخراجهم من داريا إلى مراكز الإقامة المؤقتة نحو "4000 مدني من الرجال والنساء والأطفال"، حسب الإعلام الرسمي ووسائل إعلام محلية.
وستجري عملية الإجلاء على دفعات خلال أربعة أيام.
وتمكن مقاتلو المعارضة المسلحة من السيطرة على مدينة داريا بريف دمشق الجنوب الغربي في عام 2012، ذات الموقع الاستراتيجي، بعد ان انسحب الجيش السوري منها، ولكنه فرض حصارا خانقا عليها، وكانت تدور معارك بين الجيش السوري ومقاتلي المعارضة المسلحة بشكل شبه يومي.
وفي الآونة الأخيرة، عادت داريا تحت الاضواء عندما بدأ الناس في دمشق يسمعون دوي الانفجارات، بعد ان تجدد ت الاشتباكات والقصف من قبل الجيش السوري.
ومدينة داريا، التي تقع في منطقة الغوطة الغربية لدمشق، على مقربة من قاعدة جوية عسكرية كبيرة من المزة، التي كانت تخضع بشكل متكرر لهجمات هجمات فاشلة من جانب مقاتلي المعارضة المسلحة بداريا.
يشار إلى أن داريا هي أكبر مدينة في الريف الغربي الغوطة، وثاني أهم معقل لمقاتلي المعارضة المسلحة بريف دمشق، بعد مدينة دوما بريف دمشق الشرقي.