بكين 24 أغسطس 2016/ يقوم نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن اليوم (الأربعاء) بزيارة لأنقرة بهدف ترميم العلاقات المتدهورة بين بلاده وتركيا في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في الشهر الماضي. غير أن ترميم الولايات المتحدة لعلاقاتها مع تركيا ليس بالأمر السهل، إذ يواجه بايدن ثلاث عقبات على الأقل في هذا الصدد بما فيها تسليم الداعية فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة، وتبديد الشكوك بشأن محاولة الانقلاب، وأخذ مصالح الجانب التركي في الاعتبار وغيرها . ولكن هذه العقبات الثلاث يصعب جميعا على واشنطن تجاوزها في الوقت الراهن.
-- تسليم غولن .. يتطلب وقتا
بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، اتهمت الحكومة التركية فتح الله غولن، رجل الدين الذي انتقل إلى الولايات المتحدة ليقيم في ولاية بنسلفانيا الأمريكية عام 1999 بالوقوف وراء محاولة الانقلاب، وقدمت طلب تسليم غولن إلى الجانب الأمريكي، وأرسلت وزير العدل التركي بكير بوزداغ إلى الولايات المتحدة ليتفاوض مع الجانب الأمريكي بشأن التسليم. وكشف مسؤول تركي لوسائل الإعلام الأجنبية أن تركيا أرسلت 85 طردا من الوثائق إلى الولايات المتحدة متعلقة بصلة غولن بالمحاولة الانقلابية الفاشلة.
غير أن الجانب الأمريكي رد على مطالب تسليم غولن ببطء. وقال المسؤولون الأمريكيون إن وزارة العدل الأمريكية مازالت تقوم بمراجعة الوثائق المقدمة، بالإضافة إلى أنه لا علاقة بين التهم القضائية التي رفعتها تركيا ضد غولن والانقلاب الفاشل.
ورأى المحللون الصينيون أن الخلافات التركية الأمريكية حول تسليم غولن يصعب ترميمها في الوقت الراهن، حيث تعتبر تركيا هذا الأمر قضية سياسية وتربطه بالعلاقات بين الدولتين. أما الولايات المتحدة،فلا ترغب في التعامل مع الأمر بصفته قضية سياسية بل باعتباره قضية قضائية، إذ أن اعترافها بالطابع السياسي للقضية يمثل إقرارا منها بأنها قبلت غولن ومنحته اللجوء إنطلاقا من دوافع سياسية.
وفي الحقيقة،تأمل الولايات المتحدة في إبقاء الأمر داخل الإطار القضائي. ولكن معروف عن سير الإجراءات القضائية الأمريكية بأنه معقد وبطئ، ومن ثم لا يتوقع المحللون الصينيون حل المشكلة في وقت قصير، بمعني أنه سيتطلب وقتا في ظل تمسك الولايات المتحدة بموقفها السالف ذكره وتصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في خطاب ألقاه مؤخرا ونشرته وكالة أنباء ((الأناضول)) بأن "الولايات المتحدة سوف ينبغي عليها الاختيار عاجلا أو آجلا...إما تركيا أو فيتو (الاسم الذي يطلق علي شبكة غولن)".
-- شكوك .. تخيم على محاولة الإنقلاب
وقد تكهنت وسائل الإعلام التركية بأن الولايات المتحدة لها دور في محاولة الانقلاب الفاشلة، ورأت أنها حتى ولو لم تقم بقيادتها، فهي على الأقل متورطة فيها، مستندة في ذلك إلى أن الولايات المتحدة لم تعبر عن دعمها للحكومة التركية فور وقوع محاولة الانقلاب، الأمر الذى زاد من شكوك الرأى العام التركي في وجود صلة للولايات المتحدة بما حدث. ورغم أن هذه الآراء لم تدعمها أدلة دامغة ورفضها المسؤولون الأمريكيون رفضا قاطعا،إلا أنها ألقت بظلالها على العلاقات بين أنقرة وواشنطن.
غير أن تبديد الشكوك التركية ليس بالأمر الهين. فأردوغان يعتبر شخصية غير مقبولة لدى الغرب حيث تنشر وسائل الإعلام الغربية دائما تقارير وتعليقات سلبية حوله، وتقول إنه "يدعى ظاهريا أنه ليبرالي، ولكنه داخليا متحفظ إسلامي"، بل وتعتبره "سلطان تركيا في العهد الجديد"، مشيرة إلى تطلعه إلى تعزيز سلطاته وإقامة "دكتاتورية".
وفي حديثه متلفز أذيع في الثاني من الشهر الجاري، اتهم أردوغان الغرب بدعم الإرهاب ومدبري محاولة الانقلاب في تركيا، قائلا إن "هؤلاء الذين كنا نظن أنهم أصدقاء يقفون إلى جانب مدبري الانقلاب والإرهابيين".
-- علاقات... تتباعد مع واشنطن وتتقارب مع الجوار
وفي ظل شن تنظيم الدولة(داعش) لهجمات إرهابية عديدة في تركيا مؤخرا أسفرت عن سقوط عدد كبير من القتلى والجرحي وقيام القوى الانفصالية في جنوب شرق تركيا في الوقت ذاته بتكثيف تحركاتها وشن هجمات متكررة على عناصر الجيش والشرطة والأبرياء، تواجه تركيا الإرهاب والانفصالية في آن واحد. وترتبط تلبية الولايات المتحدة لمطالب تركيا فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب والانفصالية ترتبط ارتباطا وثيقا بالاتجاه الذي ستمضى فيه العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة مستقبلا.
ويرى المراقبون أن هذين العنصرين السالف ذكرهما والمثيرين للمخاوف دفعا تركيا إلى تحسين علاقاتها مع روسيا وإيران وإسرائيل ومصر وغيرها من الدول، لافتين إلى أنه مع إعراب الحكومة التركية عن رغبتها في التعاون مع الدول الأخرى في ضرب (داعش) وحل الأزمة السورية، يبدو بديهيا أنها أدركت عدم استطاعتها القضاء على التهديد الذي يشكله الإرهاب إلا عبر التخفيف من حدة الاضطرابات والتوترات بالمنطقة في أسرع وقت ممكن، بالإضافة إلى إزالة التربة التى تنمو فيها وتترعرع الانفصالية الداخلية.
وتقول وسائل الإعلام الغربية أن تركيا قد تتجه بشكل من الأشكال إلى تكوين تحالف عسكري مع روسيا وإيران، ولا سيما وأن الدول الثلاث تربطها مصالح مشتركة في مكافحة الإرهاب وحماية وحدة الأراضى السورية وتحقيق السلام والاستقرار في سوريا على الأقل. ومن أجل تحسين علاقاتها مع روسيا وإيران، عدلت تركيا سياستها تجاه سوريا، ولم تعد تصر على موقفها السابق المتمثل في تنحى الرئيس السوري بشار الأسد في أسرع وقت ممكن، بل ووافقت على أن يكون له دور في عملية سياسية انتقالية في سوريا.
وبالنسبة للولايات المتحدة، فثمة حالة من فقدان الثقة في سياسات واشنطن تجاه الشرق الأوسط سائدة في تركيا وغيرها من دول المنطقة. فعندما انزلق العراق في اضطرابات بعد الحرب،اختارت الولايات المتحدة -التي بادرت بشن الحرب- المغادرة وتركته بلا أدنى قدر من المسؤولية. ومن أجل ضرب داعش، دعمت الولايات المتحدة الأكراد المسلحين داخل سوريا والعراق الذين يرتبطون ارتباطا وثيقا بالحركة الانفصالية في تركيا. ومن أجل اسقاط نظام الأسد، وقفت الولايات المتحدة مكتوف الأيدي أمام نمو القوى المتطرفة في سوريا بل وقامت بعرقلة تحرك روسيا نحو ضرب بعض المنظمات الإرهابية في سوريا.
ووسط كل هذه الظروف، يعد خيار تركيا المتمثل في التخلص من اعتمادها المفرط على الولايات المتحدة، وتحويل الدفة إلى التعاون مع بلدان أخرى، خيارا أفضل لحماية مصالحها الذاتية.