بكين 4 أغسطس 2016 / يواجه العالم العديد من التحديات في الوقت الراهن، إذ قد يؤثر خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على التنمية الاقتصادية للتكتل، وقد تلجأ البنوك المركزية في بعض الدول إلى السياسة النقدية المتساهلة التي تنطوى على مخاطر كامنة، فضلا عن تفاقم أزمة اللاجئين في أوروبا وتصاعد تهديد الإرهاب في العالم. وجميعها يفرض ضغوطا على الاقتصاد العالمي ويشكل تهديدا لنمط الحوكمة العالمية التقليدية.
وفي ظل تزايد الأخطار السياسية والاقتصادية واشتداد الحمائية التجارية والتقلبات المالية، تلفت قمة مجموعة العشرين لعام 2016 التي ستعقد فى مدينة هانغتشو الصينية في أوائل سبتمبر، أنظار المجتمع الدولي حيث ستسهم في تكثف التوافقات السياسية والاقتصادية وتعزيز الثقة المتبادلة.
إن قمة مجموعة العشرين المقرر إقامتها في هانغتشو تحت عنوان "بناء اقتصاد عالمي ابتكاري ونشط ومترابط وشامل"، تعد أول قمة لمجموعة العشرين ستستضيفها أكبر دولة نامية في العالم، ومن المتوقع أن تتمحور حول مشكلات بارزة وتحديات جوهرية يواجهها الاقتصاد العالمي، كما ستناقش قوة دفع التنمية الاقتصادية وكذا اتجاه التعاون الاقتصادي على النطاق العالمي، الأمر الذي قد يضخ حيوية في التنمية الاقتصادية بشكل مستدام.
تشكل مجموعة العشرين، باعتبارها منصة هامة للتعاون في مجال الحوكمة العالمية، ثلثي عدد سكان العالم و60% من مساحة العالم و80% من حجم التجارة العالمية و85% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وتضم المجموعة دولا متقدمة ودولا نامية وأسواقا ناشئة وكذا اقتصادات هامة في مناطق مختلفة، وتتحمل مسؤولية بذل جهود لتقديم مزيد من المساهمات لتحقيق التنمية الاقتصادية العالمية بشكل قوي ومستدام ومتوازن.
جدير بالذكر أن قمة هانغتشو قد حققت بعض الإنجازات المسبقة. فقد أصدر اجتماع وزراء التجارة لمجموعة العشرين الذي اختتم في شانغهاي في الـ10 من يوليو الماضي، أصدر بيانا لوزراء التجارة يصادق على اتخاذ مزيد من الإجراءات لتحقيق الأهداف المشتركة المتمثلة في التنمية الاقتصادية والاستقرار والازدهار، ويعتبر هذا إنجازا رائعا قبيل قمة مجموعة العشرين.
وفي السنوات الأخيرة، صارت الصين تضطلع بدور قيادي في المجموعة ولم تعد مشاركا عاديا، وذلك بدءا من قمة مجموعة العشرين بواشنطن عام 2008 والتي أخذت فيها الصين بزمام المبادرة فيما يتعلق بإصدار إجراءات حفز مالي ساعدت في كبح انتشار الأزمة المالية، إلى قمة لندن عام 2009 والتي كانت فيها الصين من أوئل الدول التي تعهدت بدعم صندوق النقد الدولي في توسيع التمويل، وهو ما صب في صالح توطيد ثقة العالم في الاقتصاد.
كل ذلك يدل على مشاركة الصين في منصة الحوكمة العالمية تدريجيا باعتبارها ممثلا للدول النامية. وفي ظل التنمية الاقتصادية الصينية، ترتفع يوما بعد يوم مكانة الصين في مجموعة العشرين وحتى في العالم. والآن، تعمل الصين على حشد قوة الدول النامية في نظام الحوكمة العالمية وتمثل مصالح الدول النامية ومطالبها، كما تلعب دورا رابطا بين الدول النامية والمتقدمة، خاصة في مبادرة "الحزام والطريق" والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية ومنظمة مؤتمر التفاعل وإجراءات بناء الثقة في آسيا وغيرها من منظمات وآليات التعاون. وفي ظل تراجع فاعلية نظام الحوكمة العالمية القائم، ستساهم الأفكار الصينية والمفهوم الصيني والخطط الصينية في إكمال النظام العالمي، وفي تقديم المزيد من الإسهامات النظامية والتجريبية لمجموعة العشرين وغيرها من المنظمات الدولية.
ويعلق العالم آمالا عظيمة على الصين في استضافتها لقمة مجموعة العشرين. ويتوقع المجتمع الدولي أن تقدم الصين حكمتها ونصائحها لمجموعة العشرين في تعزيز التنمية المستدامة وتوسيع التجارة والاستثمارات ودفع الابتكار الاقتصادي وتعميق إصلاح نظام الحوكمة على نطاق العالم.
إن قمة مجموعة العشرين ليست مجرد منصة للتعاون الاقتصادي الدولي، وإنما أيضا فرصة لتحسين النظام الدولي. وإن مشكلات مثل التدهور المستمر للنمو الاقتصادي وتقلب الاقتصادات الناشئة واشتداد الحمائية التجارية تعكس تناقضات عميقة تتمثل في عدم توافق النظام الاقتصادي والسياسي القائم مع متطلبات التنمية في المجتمع الحالي. وإن استضافة الصين لقمة مجموعة العشرين ستدفع الحوار بين الدول النامية والمتقدمة، وتعزز تنسيق السياسات الاقتصادية بروح الشراكة، وتسهم في تخفيف الأخطار العالمية وتشكيل قوة محصلة، كما ستضخ القوة الصينية في نظام الحوكمة العالمية.