منذ هجوم مجلة "شارلي إيبدو" في بداية عام 2015، شهدت أوروبا خلال أقل من عامين ما يقرب من 10 هجمات إرهابية. وإنتقلت هذه الهجمات حتى إلى ألمانيا المعروفة بجودة الوضع الأمني، ماجعل أوروبا تواجه أزمة أمنية عامة.
وتعكس الأحداث الإرهابية التي شهدتها أوروبا خلال الفترة الأخيرة المخاطر الإرهابية المتزايدة التي باتت تواجهه الدول الأوروبية. "قامت مختلف الدول الأوروبية بربط الأحداث الإرهابية التي شهدتها أوروبا منذ هجوم باريس نهاية 2015، بالمنظمات المتطرفة خارج أوروبا، لكن الأحداث الأخيرة وخاصة الهجمات التي تعرضت لها ألمانيا، كانت على شكل هجمات الذئب المنفرد". يقول رئيس مركز الدراسات الأوروبية بالمعهد الصيني للدراسات الدولية، تسوي هونغ جيان في حوار مع صحيفة الشعب اليومية.
الإرهاب يكشف التناقضات العميقة
في الحقيقة لم تتوقف الدول الأوروبية عن مكافحة الإرهاب، فلماذا يتصاعد الإرهاب كلما أمعنت في مقاومته؟
تعد أزمة اللاجئين خلفية هامة للهجمات الإرهابية التي بدأت تشهدها أوروبا منذ 2015. وتعد أوروبا طرفا مسؤولا على أزمة اللاجئين الحالية التي تعد الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية، وهي الآن تحصد مازرعت، فقد إستقبلت ألمانيا لوحدها أكثر من 1 مليون لاجئ، وتواجه فرنسا أيضا تحديات كبيرة.
"دخول أعداد كبيرة من اللاجئين طرح مزيدا من التحديات على نظم الإدارة في مختلف الدول، أضف إلى ذلك إنسيابية حركة اللاجئين في أوروبا نتيجة لإنفتاح الحدود، لكن محدودية الإستعدادات الأمنية عززت فرص القوى الإرهابية في تنفيذ مخططاتها." تقول نائب رئيسة معهد العلاقات الدولية بجامعة الشعب، يان جين. وتجدر الإشارة إلى أن من قاموا بهذه الهجمات هم من اللاجئين أو المنحدرين من المهاجرين.
"هناك عاملان يدفعان المتطرفين إلى تنفيذ همجات "الذئب المنفرد": أولا، صعوبة الإندماج في المجتمع الأوروبي، ثانيا، أدى الظروف الإقتصادية السيئة التي تعيشها أوروبا إلى تدني مستوى معيشة هؤلاء المهاجرين." يقول تسوي هونغ، ويضيف، أن إجتماع هذين العاملين تزامن مع إنتشار الأفكار المتطرفة، وهو ماجذب بعض المهاجرين واللاجئين إلى التطرف.
كيف يمكن إدماج المهاجرين في المجتمع الأوروبي بشكل أفضل، ومعالجة قضايا اللاجئين بشكل جيد؟ هذا هو السؤال الذي لم تتوصل الدول الأوروبية لإجابة عليه إلى الآن. وبعد تفجيرات بروكسيل بداية العام الحالي، نقل موقع صحيفة "فورين بوليسي" الأمريكية قول مسؤول بلجيكي أن المشاكل التي تواجهها أوروبا في الوقت الحالي تتمثل أولا في في مقاومة الإرهاب وجمع المعلومات الإستخباراتية، ومن جهة ثانية تتمثل في الإندماج الإجتماعي والإقتصادي.
من جهة أخرى، تواجه أوروبا في الوقت الحالي أزمة الديون وأزمة اللاجئين وأزمة مقاومة الإرهاب وأزمة الديون الأوروبية، وفي ظل هذا الوضع بدأت نفوذ قوى اليمين المعادية للأجانب والهجرة تتصاعد شيئا فشيئا، وأصبحت قوة لايمكن تجاهلها في داخل المجتمع الأوروبي.
إستمرار خطر الهجمات الإرهابية
"من المتوقع أن تتواصل هجمات الذئب المنفرد خلال المرحلة القادمة"، يقول أستاذ السياسة والإدارة العامة بجامعة ووهان الصينية، تشو شياو مينغ، ويرى بأن أزمة اللاجئين في أوروبا قد تستمر لوقت طويل، وأن مختلف دول الإتحاد الاوروبي لا تزال في الحاجة إلى مزيد من التنسيق على مستوى سياسات مقاومة الإرهاب والأمن والموارد، كما من الصعب أن تتم معالجة الخلافات بين مختلف دول الإتحاد الأوروبي والحكومات على مستوى معالجة أزمة اللاجئين في المدى القصير، وهذا ما سيطيل المشاكل الأمنية التي تواجهها أوروبا.
في هذا السياق، حث الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند دول الإتحاد الأوروبي على زيادة ميزانية مقاومة الإرهاب، وسيلتقي في نهاية أغسطس القادم كل من المستشارة الألمانية ميركل ورئيس الوزراء الإيطالي وقادة أوربيين آخرين لمناقشة هذه القضية. كما ناشد وزير الخارجية الألماني السلطات الأمنية والإستخباراتية الأوروبية بتعزيز التعاون، والمساهمة في الجهود الدولية لضرب تنظيم داعش.
"بالمقارنة مع الهجمات الإرهابية المنظمة، تعد مكافحة هجمات" الذئب المنفرد" أكثر صعوبة، وهذا مايطرح مزيدا من التحديات على إستراتيجية مقاومة الإرهاب في الدول الأوروبية. " وترى، يان جين، أن هجمات الذئب المنفرد تجعل مختلف الدول الأوروبية في حاجة أكبر للتنسيق والتعاون على المستوى السياسي والأمني والدبلوماسي.
تحتاج الدول الأوروبية إلى إستراتيجية تجمع بين الوقاية من الإرهاب ومحاربة الإرهاب، في هذا السياق، أشار موقع "فورين بوليسي" إلى أن أزمة الإندماج الإجتماعي ستتعزز أكثر خلال المرحلة القادمة.
من جهة أخرى، تعد المشاكل الأمنية التي تواجه أوروبا على صلة بصعوبات التعافي الإقتصادي."وإذا لم يتم معالجة المشاكل الرئيسية في أوروبا، مثل مشكلة التعافي الإقتصادي، ومن ثم عدم توفير الضمانات الكافية للمهاجرين واللاجئين، فإن التهديدات الأمنية ستصبح وضعا دائما على المدى القريب في أوروبا." يقول تسو هونغ جيان.