بكين أول يوليو 2016 / أدى الرئيس الفلبيني الجديد رودريغو دوتيرتي اليمين الدستورية أمس (الخميس) وبهذا انتهت رسميا فترة قيادة بينينو أكينو لهذا البلد والتي دامت ست سنوات. ورغم أن اقتصاد الفلبين حافظ على وتيرة نمو معقولة تصل إلى 6 % سنويا خلال الأعوام الستة الماضية، إلا أن شجرة هذا النمو لم تطرح ثمارا حقيقية يمكن أن تسهم في تحسين الأحوال المعيشية للفلبينيين. كما لم تشهد الفلبين تقدما براغماتيا في ملفات واقعية حاسمة بالنسبة للمجتمع مثل مكافحة المخدرات والفساد، وهو ما دفع إلى تصاعد الجدل حول أداء إدارة الرئيس السابق أكينو.
وعند مقارنتها بالسياسة الداخلية، نجد أن السياسة الخارجية لإدارة أكينو، وهي سياسة ألحقت ضررا بالغا بالعلاقات الصينية- الفلبينية ووضعت الفلبين على شفا مواجهة مع الصين، جاءت مخيبة للآمال على نحو أكبر.
ومن الواضح أن السياسة الخارجية لأكينو مالت إلى جانب الولايات المتحدة تماما، ومعها استعاد الجيش الأمريكي عدة قواعد عسكرية في الفلبين حتى تقف واشنطن مقابل ذلك من خلف الستار وراء قضية تحكيم رفعتها مانيلا من طرف واحد ضد الصين بشأن نزاع بحر الصين الجنوبي. وأفضت كل من هذه التطورات السياسية والعسكرية والدبلوماسية إلى تغير ملامح الوضع في المنطقة التي أخذت تعيش في ظل هذا التغير توترا لم تشهده من قبل.
وبدأ يعى الفلبينيون أن بلادهم لم تستفد من المواجهة مع الصين، إذ تبين لهم عند استعراض النزاع حول جزيرة هوانغيان أن الفلبين لم تجن شيئا، بل وأخفقت في إحداث توازن بين إقامة علاقات ودية مع كل من الصين والولايات المتحدة مع خسارتها للصداقة مع الصين وتكبلها بقيود الولايات المتحدة. وفي حقيقة الأمر، يتطلع معظم أبناء الشعب الفلبيني إلى استقرار العلاقات الصينية- الفلبينية ولا ينصب اهتمامهم على نزاع بحر الصين الجنوبي، وإنما على تنمية اقتصاد بلادهم وتحسين أحوالهم المعيشية وتوطيد استقرار وأمن المجتمع.
وبالنسبة للرئيس الجديد، فقد تعمد على ما يبدو إيصال رسالة ما عندما كشف عن سؤال طرحه خلال حوار دار بينه وبين السفير الأمريكي لدى الفلبين وقال فيه: هل ستقف الولايات المتحدة مع الفلبين حال اندلاع نزاع عسكري بين الأخيرة والصين؟ وجاءت إجابة السفير بأنه فقط في حال تعرض الفلبين لهجوم، ستساعدها الولايات المتحدة في الدفاع عن نفسها، لتعني بذلك هذه الرسالة أنه لا يمكن الاعتماد على أي دعم من الولايات المتحدة إلا في حالة وقوع نزاع عسكري، فيما تكمن الحقيقة في أن احتمالية شن الصين لهجوم على الفلبين غير واردة في المستقبل المنظور.
ويمثل دوتيرتي نقطة الرجوع بالنسبة للعلاقات الصينية - الفلبينية نظرا لكون أكينو هو من اختطف العلاقات الثنائية إلى أسوأ وضع، وهو وضع أشبه بتحرك "بندول الساعة" إلى نهاية عظمى تمثل الحد الأقصى لتفاقم العلاقات الثنائية. وانطلاقا من هذه الخلفية، فإن أي رئيس جديد يأتي خلفا لأكينو يمكنه أن يعيد "بندول العلاقات" إلى نقطة التوازن ولكن يظل السؤال: ما المدى الذي يمكن أن يصل إليه؟
وقبل ترك أكينو لمنصبه، أدرك الرأي العام بالفلبين أن سياسته تجاه الصين بحاجة إلى تعديل، وهو ما يبرهن على فشل سياسته الخارجية. وبالنظر في التاريخ ومجريات أحداثه، نجد أن وضع بحر الصين الجنوبي لابد أن يتجه إلى السلام والاستقرار، وستصبح معه استفزازات أكينو أشبه بموجة صغيرة تتلاشى في نهر التاريخ الذي سيثبت أن أكينو هو من صنع مشكلة في هذا العصر عندما أدرج بيده قضية بحر الصين الجنوبي على جدول المنافسة الدولية بين الدول الكبرى، الأمر الذي أوجد مساحة لدخول مساعى الهيمنة لدى القوى الخارجية إلى المنطقة.
وفي الواقع، لن تنتهى أضرار التحكيم في نزاع بحر الصين الجنوبي بنهاية قيادة أكينو وسيظل تأثيرها مخيما على الإقليم مع استمرار تمركز الجيش الأمريكي في المنطقة، وهو ما سيجعل موقف دوتيرتي مقيدا تجاه بحر الصين الجنوبي.
وحتما، لن تكون التغيرات المحتمل أن تطرأ على العلاقات الصينية - الفلبينية إثر انتقال السلطة سيئة. غير أنه في هذا التوقيت الحساس الذي يزداد فيه التحكيم في نزاع بحر الصين الجنوبي تعقيدا وتستعد فيه القوى الخارجية للتدفق على المنطقة، يصعب خلق حالة كبيرة من التفاؤل إزاء تعامل الجانبين مع بعضهما البعض.
ولكن،لا يزال أمام دوتيرتي إمكانية الاضطلاع بدور إيجابي لكسر الجمود الحالي في العلاقات الصينية- الفلبينية ولاسيما وأنه قدم خلال الانتخابات صورة عن نفسه تنم عن روح المبادرة والإقدام. أما مدى قدرته على إبعاد العلاقات عن المسار الخطير الذي تمضى فيه فترجع إلى مدى ارتباط مصالحه بمصالح المنطقة بأسرها.