بكين 26 يونيو 2016 / أنجز العالم الصيني الأستاذ الدكتور وانغ يويونغ من جامعة شانغهاي للدراسات الدولية ترجمة كتاب شيون تسي (313م قبل الميلاد-238م قبل الميلاد) من اللغة الصيينية القديمة الى اللغة العربية، والذي كان فيلسوفاً عظيماً ومشهوراً في عصر الممالك المتحاربة، وذلك ضمن إطار جهود هادفة الى تعزيز التبادل الحضاري والثقافي بين الصين والعالم العربي.
"السماء لا تلغي شتاءَها بسبب حَنَقِ الإنسان على القرس، والأرضُ لا تلغي سعتَها بسبب كُره الإنسان للبُعد، وصاحبُ الفضيلة لا يلغي حراكَه بسبب الوسوسة والثرثرة من صاحب الرذيلة. فالسماءُ لها قواعدُ خالدة والأرضُ لها سننٌ دائمة، وصاحبُ الفضيلة له مبادئُ ثابتة؛ وصاحبُ الفضيلة موجَّه بمبادئه الثابتة، وصاحبُ الرذيلة معدَّد بمنافعه التافهة"، كان ذلك مقتطفات من الفصل السابع عشر حول الطبيعة لكتاب شيون تسي الذي ترجمه وانغ إلى اللغة العربية.
وقال وانغ ان من المعروف أن المؤلفات الكلاسيكية الصينية زاخرة كالبحار الواسعة، وباهرة كاللآلئ اللامعة، وقد ضربت جذورَها في أعماق التاريخ، ولم تجد محفوظاتُها مثيلاً في أنحاء العالم، وهي شواهدُ حية للحضارة الصينية، وجيناتٌ ثقافية للأمة الصينية.
بيد أن ترجمتها العربية لم تجن حتى الآن إلا ثماراً معدودةً، لا تتجاوز عشرين كتاباً، منها ((كتاب الحوار))، وكتاب ((منشيوس))، وكتاب ((تشوانغ تسي))، وكتاب ((لاو تسي))، و((فن الحرب لسون تسي))، و((كتاب التحولات))، وكتاب ((الأغاني))، و((قصائد تشو))، و((قصة الحب في المقصورة الغربية))، و((أبيات ثلاثية المقاطع))، و((السلوك الصحيح للنش))، و((أبطال على شاطئ البحيرة))، و((رحلة إلى الغرب))، و((حلم القصور الحمراء))، و((مختارات من حكايات لياوتشاي العجيبة))؛ وبعضها تم بأيدي المترجمين الصينيين فقط، وبعضها الآخر بأيدي المترجمين العرب فقط.
وجاء في ((وثيقة سياسة الصين تجاه الدول العربية)) الصادرة مطلع العام الجاري وجوبُ تشجيع مؤسسات الإعلام والنشر لدى الجانبين على إجراء التواصل والتعاون، والعمل على تنفيذ "مذكرة التفاهم حول الترجمة والنشر للكتب الصينية والعربية والأعمال الأدبية"، وتشجيع ودعم مشاركة مؤسسات النشر لدى الجانبين في معارض الكتب الدولية المقامة في الجانب الآخر.
وشددت الوثيقة أيضاً على ضرورة تكثيف التواصل بين الخبراء والباحثين من الجانبين والعمل على بحث إقامة آلية طويلة الأمد للتواصل بين المراكز الفكرية الصينية والعربية.
وفيما يتعلق بضرورة تعزيز الترجمة العربية للمؤلفات الكلاسيكية الصينية، قال البروفيسور وانغ إن الهدف من ذلك يتمثل بإثراء العالم العربي بما تتفرد به الثقافة الصينية من القيم الفكرية والروحية، وزيادة تعريفه بما تميزت به الصين القديمة من التجارب والخبرات في الحكم والإدارة، وبناء ما هو جديد من المفاهيم والمقولات والتعابير لتنشيط التبادل والتواصل وتعميق التعارف والتفاهم بين الصين والعالم العربي؛ إلى جانب تحسين صورة الصين في عيون العرب، وتعزيز القوة الناعمة للثقافة الصينية في العالم العربي.
وبالحديث عن الصعوبات التي تواجه الترجمة العربية للمؤلفات الكلاسيكية الصينية، قال وانغ إنها تتمثل في ثلاث نواح؛ فالناحية الأولى: تعتبر الترجمة للمؤلفات الكلاسيكية الصينية ترجمةً ثقافيةً إلى حد كبير، وهي تشتمل على الترجمة داخل اللغة الواحدة والترجمة من لغة إلى أخرى، وذلك لأن المؤلفات الكلاسيكية الصينية كانت مكتوبة باللغة الصينية القديمة، فترجمتها للعربية تحتاج إلى نقلها بدايةً من اللغة الصينية القديمة إلى اللغة الصينية الحديثة قبل نقلها من اللغة الصينية الحديثة إلى اللغة العربية الحديثة، الأمر الذي قد يؤدي إلى إفقادها بعضاً مما كانت تتفرد به من الدلالات والأوزان والإيقاعات والأساليب.
أما الناحية الثانية فقال عنها وانغ إن المؤلفات الكلاسيكية الصينية تتفرد بكثير من الخصائص الصينية ذات الإيحاءات الثقافية والتاريخية والاجتماعية، التي قد تضيع بسبب الفجوة الكبيرة بين الثقافة الصينية والثقافة العربية، فأصبحت كيفية تزويد المترجم بحلول عملية تسهم بنجاح في الحفاظ على هذه الإيحاءات وتحقيق توافقها الكامل مع الثقافة العربية، معضلة صعبةً تواجه المترجمين من الطرفين الصيني والعربي.
والناحية الثالثة: تتضمن المؤلفات الكلاسيكية الصينية كماً كبيراً من الأفكار والتأملات للشعب الصيني القديم في الإنسان والطبيعة، ولذلك فإن كيفية التفسير لما يكمن فيها من الأبعاد الثقافية بطريقة صحيحة وبصورة جديدة في عصرنا اليوم، تحتاج إلى أسس قوية يتمتع بها المترجمون في الثقافة واللغة والفلسفة من لغة المصدر ولغة الهدف.
وفيما يخص مسألة تحديد المؤلفات الكلاسيكية الصينية التي لا بد من ترجمتها إلى اللغة العربية، رأى وانغ أنه عندما نختار المؤلفات الكلاسيكية الصينية لترجمتها إلى اللغة العربية، لا بد أن نهتم بأمرين: أحدهما هو أن اختيار المؤلفات الكلاسيكية الصينية لا يمكن أن يكون منحصراً فيما يتعلق بالثقافة الكنفوشيوسية، ومهملاً لما يتعلق بالثقافة التاوية والثقافة البوذية، اللتين تشكّلان هما والثقافة الكنفوشيوسية نواة رئيسية للثقافة الصينية التقليدية، بالإضافة إلى ما لا يستغنى عنه من الأفكار الفلسفية في عصر ما قبل أسرة تشين وفي أسرة هان وأسرة تانغ وأسرة مينغ وأسرة تشينغ.
وأضاف البروفيسور أن الآخر هو أن اختيار المؤلفات الكلاسيكية الصينية لا يمكن أن يكون منحصراً في المؤلفات التي خلقتها قوميةُ هان، ومهملاً لما خلقته الأقلياتُ الصينيةُ مثل قومية التبت وقومية منغوليا وقومية مان وقومية هوي.
وخلال حديثه عمن يقوم بالترجمة العربية للمؤلفات الكلاسيكية الصينية، قال وانغ إن هذه المسألة ما زال فيها نظر حتى الآن، وظهر لها مذهبان متناقضان، يظن أحدهما أن الترجمة العربية للمؤلفات الكلاسيكية الصينية لا بد أن يقوم بها الصينيون المتخصصون في اللغة العربية، إذ إن لديهم دراسات عميقة في المؤلفات الكلاسيكية الصينية وشروط كثيرة في تحقيقها ومراجعتها وتدقيقها وتنقيحها؛ ويظن المذهب الآخرأنها لا بد أن تتم بأيدي العرب المتخصصين في اللغة الصينية، إذ إنهم يتفوقون في قدرة التعبير العربي إلى حد كبير على الصينيين المتخصصين في اللغة العربية.
وللإجابة على هذه المسائل، شدد وانغ على أربعة مبادئ اعتمد عليها في الترجمة العربية للمؤلفات الكلاسيكية الصينية. فالمبدأ الأول هو أن الترجمة العربية للمؤلفات الكلاسيكية الصينية لا بد أن ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالإستراتيجية الثقافية الصينية، إذ إنها تلعب دوراً أكثر وأكبر في توجيه الثقافة الصينية إلى العالم العربي، والاستفادة من النتاج الممتاز للثقافات العربية، وتستطيع أن تجسد بصورة فعّالة ما تتفرد به الصين من الخصائص والتقاليد الثقافية، وتقدِّم الصينَ للعالم العربي وتعرِّف العالم العربي بالصين بصورة أفضل.
والمبدأ الثاني هو أن الترجمة العربية للمؤلفات الكلاسيكية الصينية، لا بد أن تتم بالتعاون الوثيق بين المترجمين الصينيين والعرب، وهذا التعاون يتمثل في ترجمتها بأيدي المترجمين الصينيين أولاً وتلميعها بأيدي الخبراء العرب ثانياً، وذلك لأن التعبير عن معاني المؤلفات الكلاسيكية الصينية باللغة العربية الأصيلة، وبالطريقة التي يستطيع أن يفهمها العربُ، هو سر النجاح الذي تقدر به الثقافةُ الصينيةُ على التأثير في العالم العربي، ويقدر به العرب على الاستفادة منها استفادة حقيقية.
والمبدأ الثالث هو أن الترجمة العربية للمؤلفات الكلاسيكية الصينية، لا بد أن يتم اعتمادها على اللغة الصينية القديمة بشكل رئيسي، وعلى اللغة الصينية الحديثة بشكل ثانوي، رامياً إلى نقل ما تتصف به من الخصائص الأسلوبية وهي الإيجاز في التعابير اللفظية والتناغم في الإيقاعات الموسيقية.
والمبدأ الرابع هو أن الترجمة العربية للمؤلفات الكلاسيكية الصينية، لا بد أن يتم ربطها الوثيق بتربية الأكفياء، من أجل خلق جيل جديد من الأكفياء في اللغة العربية، الذين يتناسبون مع متطلبات الإستراتيجية الوطنية، وذلك لأن ندرة المترجمين الصينيين أصبح أكبر عقبةٍ تعرقل الارتقاءَ بمستوى الصين في الترجمة، ويقيد توجيه الثقافة الصينية إلى العالم.
وانغ يو يونغ (فيصل) أستاذ اللغة العربية وآدابها في جامعة شانغهاي للدراسات الدولية، حاصل على شهادة الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها عام2002م، وله عدة مؤلفات علمية منها علم الأسلوب اللغوي العربي (عام2000م)، ودراسات في المجتمع المصري وثقافته (عام 2002م)، ودراسات في التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين والعرب في العصر الحديث (عام 2004م)، وقراءة في أمهات الكتب العربية (عام 2006م)، وتاريخ النقد الأدبي القديم عند العرب (عام 2014م)، كما له عدة كتب مترجمة منها الوطنية في العالم بلا هوية - تحديات العولمة (عام 2001م)، ومختارات من الأعمال النثرية لمي زيادة (عام 2002م)، والصين بعيون مصرية (عام 2006م)، وتجارب الصين من التطرف إلى الاعتدال (عام 2011م)، وإضاءات على السياسة الصينية الخارجية (عام 2011م)، وشيون تسي (عام 2016).