بكين 29 إبريل 2016 / إن بث الدفء في العلاقات الفاترة بين الصين واليابان يتطلب من طوكيو اتخاذ إجراءات ملموسة من بينها نبذ نزعتها إلى تحريف التاريخ ووضع حد لتدخلها في بحر الصين الجنوبي.
وينبغي على وزير الخارجية الياباني فوميو كيشيدا أن يأخذ ما سبق بعين الاعتبار وهو يستهل زيارته للصين اليوم (الجمعة). وسوف تشهد زيارته التي تستمر ثلاثة أيام، وهي الأولى من نوعها لوزير خارجية ياباني منذ أربع سنوات ونصف، ستشهد لقاء يوم السبت بين كيشيدا ونظيره الصيني وانغ يي.
وكان كيشيدا قد صرح يوم الاثنين بأنه يعتزم اغتنام هذه الزيارة لدفع العجلة من أجل بناء علاقات يابانية- صينية مناسبة "للعهد الجديد". وسيتطلب الأمر من الدبلوماسي الياباني لكى يحقق طموحاته النبيلة أن يركز رحلته على بناء الثقة.
بيد أن هذه المفاتحة الإيجابية من جانب طوكيو، وهي أمر ندر حدوثه في السنوات الأخيرة، تأتي في تناقض حاد مع سلسلة من التحركات الخاطئة بما فيها التدخل في نزاعات على أراضى تعد الصين طرفا فيها وتمييع الفظائع التي ارتكبتها في زمن الحرب، وجميعها يثير الشكوك إزاء مصداقية اليابان تجاه رأب الصدع في علاقاتها مع جارتها.
وفي اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع الذي عقد في مطلع الشهر الجاري في هيروشيما، اختطفت الدولة المضيفة أجندة الاجتماع لتركز على التوترات في بحر الصين الجنوبي رغم حقيقة أن لا أحد من أعضاء مجموعة السبع يعد طرفا معنيا بالقضايا المتعلقة بالأراضي. ولكن الأمر الأهم وهو أن ذلك ألقى مزيدا من الضوء على عزم اليابان استغلال حالة عدم الاستقرار في المنطقة.
إن أنشطة الصين في بحر الصين الجنوبي، بغض النظر عما تتعرض له من ضجيج يحمل نوايا سيئة، مبررة ومشروعة. وإن توجيه اتهامات لا أساس لها تهدف إلى خدمة مصالح ذاتية من قبل طرف غير معنى لن يجدى في شيء .
ومن ناحية أخرى، فإن التعاون المشترك مع الولايات المتحدة في تأجيج التوترات الإقليمية عن طريق الدخول معها في مناورات عسكرية ببحر الصين الجنوبي جعل مصداقية اليابان "كمساهم نشط في إحلال السلام" جوفاء.
والأمور لا تتجه سوى إلى الأسوأ. فتمرير اليابان لسلسلة من مشروعات القوانين الأمنية التي ستسمح لقوات الدفاع الذاتي اليابانية بالإنخراط في صراعات مسلحة خارج البلاد يأتي في تحد للقانون الأعلى الياباني أو المادة التاسعة من دستورها النابذ للحرب.
وما يزيد من التساؤلات المطروحة حول مصداقية اليابان إزاء بث الدفء في العلاقات الثنائية هو نزعتها الجامحة إلى تحريف التاريخ. فقبل أيام من طرح كيشيدا لما أسماه بـ"العهد الجديد"، قدم رئيس الوزراء اليابانى شينزو آبي قربانا لضريح ياسوكوني سيء السمعة والذي يعد رمزا للنزعة التوسعية العسكرية اليابانية في الماضي، ناهيك عن محاولاته المتواصلة لتبييض الفضائع التي ارتكبتها اليابان في زمن الحرب وتحديه للنظام العالمي فيما بعد الحرب منذ توليه منصبه في أواخر عام 2012.
ونظرا لهذه الأعمال المثيرة للقلق، فإن مسألة ما إذا كان وزير الخارجية الياباني يحمل معه قدرا كافيا من المصداقية خلال زيارته للصين مازالت محل ترقب. "فالعهد الجديد" ينبغي أن يقوم على إجراءات ملموسة وليس عبارات فارغة.
وعلى كيشيدا اغتنام هذه الفرصة لبذل جهود بناءة لدفع العلاقات بين أكبر اقتصادين في آسيا. وإن تحسين العلاقات بين بكين وطوكيو يصب في صالح الجانبين والصين ترحب دوما بأي إسهام إيجابي لتحقيق هذه الغاية.
وعن النظر إلى الاقتصاد الراكد وتوقعات النمو السلبي في اليابان، سنجد أن الفرصة لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع أكبر شريك تجاري لها ينبغي أن تكون ذات أهمية حيوية.
والكرة الآن في ملعب طوكيو. وحان الوقت لكي تسعى اليابان لاستعادة ثقة المجتمع الدولي، فإبداء مصداقية بالنظر بكل صراحة في ماضيها المخزى ووضع حد لتصريحاتها غير المسؤولية بشأن القضايا التي لا تعد طوكيو طرفا معنيا فيها قد تكون بداية طيبة.