بكين 12 أبريل 2016 / أكد الرئيس الأمريكي باراك أوباما في مقابلة مع برنامج "فوكس نيوز صنداى" قبل يومين أن أسوأ خطأ ارتكبه خلال فترتي رئاسته للولايات المتحدة هو "عدم وضع خطة متابعة" للوضع في ليبيا بعد التدخل العسكري فيها عام 2011. ورغم اعترافه بأن ليبيا إنزلقت في "وضع متدهور" عقب إسقاط نظام معمر القذافي، إلا أنه أصر على "صحة" قرار التدخل العسكري في ليبيا.
وتعقيبا على تصريحات باراك أوباما حول هذا "الخطأ", ذكرت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية زها بتروفا على موقع (فيسبوك) للتواصل الاجتماعي أن "المشكلة الجوهرية لا تكمن في الافتقار إلى وضع خطة متابعة عقب التدخل العسكري"،حيث انتقدت وصف واشنطن بكل سهولة لهذا التدخل بأنه "مجرد خطأ" ونعت واشنطن أيضا بـ"العدو الحقيقي" لليبيا وبلدان أخرى تكابد العناء جراء ما لحق بها من أضرار وآلام نتيجة تحركات تدخلية كهذه.
علاوة على ذلك، وصف تعليق نشر على موقع ((ستالايت)) الإلكتروني الروسي اعتراف أوباما بالخطأ بأنه أشبه بـ"دموع التماسيح", قائلا "لقد غزت الولايات المتحدة بلدا غني بالثروات وانهمكت في سلب ما يذخر به من نفط وذهب وغيرها من الموارد الطبيعية، ثم خلقت فيه مرتعا للإرهابيين. وبعد ذلك أرسل (العم سام) أوباما ليعلن أنهم سيسعون لتصحيح هذا الخطأ".
وفي الواقع، يتضح من خلال سياق تصريحات أوباما و"النقد الذاتي الطفيف" الذي وجهه للتدخل العسكري الأمريكي المباشر وغير المباشر في ليبيا يتضح، وذلك عن غير قصد من أوباما، أن هناك مشكلة عميقة عالميا تمخضت عن عدم قيام الدول الغربية بتحديد الخطوات المقبلة بعدما صنعت "الثورات" والاضطرابات في دول العالم الثالث. وبمعنى آخر، لم تفعل الدول الغربية أي شيء يتعلق بإعادة البناء أو الإعمار بعد السحق والهدم والتحطيم الذي تعرضت له بعض البلدان التي عاشت هذه "الثورات".
وبالنسبة للدول التي خربتها الحروب أو اكتوت بنار الاشتباكات والاضطرابات, لا أحد يعرف في الواقع ما إذا كانت ستنعم بديمقراطية وازدهار حقيقيين أم ستهوى في واد من الاضطرابات العميقة حتى تسحقها مفرمة الحرب.
وتقف ليبيا الآن نموذجا حاضرا على ذلك خلال فترة "الربيع العربي", فلا توجد نقاط تماثل بينها وبين الحضارات الغربية حتى تقبل وتهضم "الصادرات الفكرية الديمقراطية" القادمة من الدول المتقدمة في ظل الخلفية القبلية المتأصلة في بنية المجتمع الليبي وضعف أسس التحديث في هذا المجتمع. لذا، فإن انتظار تحقيق الديمقراطية أو الحرية أو الازدهار عن طريق "ثورة" قامت في الأساس اعتمادا على النزعة التدخلية الغربية ليس سوى درب من الخيال.
أما بالنسبة للجانب الآخر وهو العدو, فقد رسمت واشنطن بغطرسة مخططا تحت اسم "مشروع الشرق الأوسط الكبير" عقب الحرب العراقية عام 2003، وبعدها أخذت تسقط تدريجيا في مستنقع العراق, ما جعل أمريكا وأوروبا تشعران بالكآبة في ظل هذا الوضع. وحتى عندما بدأت الحرب لإسقاط النظام في ليبيا, لم تتمكن فرنسا وبريطانيا سوى من إثبات قدرة أوروبا على التدخل أمام العالم, فهل فكرت باريس ولندن وغيرهما من الدول الغربية في عواقب وآثار هذه الحرب؟ وفي الكيفية التي يمكن أن تحقق بها ليبيا هدف الانتقال إلى مستقبل أفضل؟ وما السبل والموارد والقوة التي يمكن الاعتماد عليها لبلوغ ذلك الهدف؟ هذه كلها أسئلة لم تجد حتى الآن إجابات جادة من قبل أوروبا والولايات المتحدة.
وفي مواجهة الوضع الليبي، أخذت الأطراف تتراشق الانتقادات وتحمل بعضها البعض المسؤولية حيث قال أوباما في مقابلة أجرتها معه مجلة((ذي أتلانتيك)) الأمريكية الشهر الماضي, منتقدا فرنسا وبريطانيا, إن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون صرف تركيزه عن ليبيا بسبب إنشغاله بسلسلة من الأمور الأخرى عقب إسقاط نظام القذافي فيما لم يرغب الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي سوى في التفاخر بالمقاتلات التي يمتلكها وأرسلها لتنفيذ الضربات الجوية في ليبيا, وقوبل هذا التصريح بإستياء وغضب من جانب الحلفاء الأوروبيين.
ودفع ديفيد كاميرون إلى أن يكتب في مقالة نشرت في صحيفة ((الاندبندنت)) البريطانية ردا على النقد الذي وجهه له أوباما, كتب يقول "نحن جميعا نتحمل المسؤولية عن ذلك، وهذا أمر لا مفر منه", مضيفا أن "جميع القوى السياسية في ليبيا غير قادرة على الخروج برؤية مشتركة, ومن ثم فإن كل منا يجب أن يتحمل المسؤولية".
من جانبها، أكدت صحيفة ((ديلي ميرور)) الألمانية أمس الاثنين أن السبب الحاسم وراء التدخل العسكري في ليبيا هو الجانب الأمريكي, وإن هذا التدخل هو ما أدي الى انهيار النظام في هذا البلد. وحتى يومنا الحاضر، لا تزال ليبيا تعيش اضطرابات فيما تشهد منطقة غرب إفريقيا تصاعدا في نفوذ تنظيم الدولة (داعش).
ورأي مدير المركز الفرنسي للبحوث الاستخباراتية إريك دينيك أن الدول الغربية استغلت الأوضاع المتدهورة في دول الشرق الأوسط وما تعانيه فئات كبيرة من شعوبها منذ أمد من أحوال معيشية سيئة، لدفع تغيير الأنظمة الحاكمة لكي تخدم مصالحها الذاتية.
أما تيان ون لين الباحث في شؤون الشرق الأوسط بمعهد الصين للدراسات الدولية المعاصرة، فقال إن أوباما يسعى من وراء تصريحه هذا إلى التهرب من المسؤولية التي تحملها أمريكا على عاتقها ومن الإجابة عن سؤال حول "من يتحمل المسؤولية في المأساة الليبية".
وصرح بأن أوروبا تعانى ضررا أكبر وأشد نتج عن الحرب الليبية مقارنة بأمريكا، إذ أن ليبيا كانت مصدر الطاقة لأوروبا وليس لأمريكا، مضيفا إن القارة العجوز تواجه مشكلة اللاجئين والتهديدات الإرهابية المنبثقة عن ليبيا, وليس أمريكا التى يفصلها عن هذه التهديدات المحيط الأطلنطى ،حيث لم تدفع أمريكا ثمنا أمام الحرب الليبية فيما تتجرع بريطانيا وفرنسا مرارة التدخل.
وشدد على " أنه رغم ذلك، فإن أوروبا ليست ضحية للحرب, بل الشعب الليبي الذي يعيش كارثة حقيقية".
ويأتي موقف الصين مختلفا تماما مع التحركات الأمريكية والغربية في منطقة الشرق الأوسط، إذا تنتهج الصين سياسة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى وتحترم خيارات دول الشرق الأوسط لطرق التنمية التي تتفق مع ظروفها الخاصة، وتلتزم بحل القضايا الساخنة عبر الحوار والتفاوض. وبالإضافة إلى ذلك، تدعو الصين دوما إلى تعزيز التنمية الاقتصادية وتحسين المستويات المعيشية للشعوب فضلا عن تفعيل الحوار السياسي من أجل حل المشكلات الأمنية من جذورها.
ومن جانبه، ذكر المبعوث الخاص الصيني للشرق الأوسط قونغ شياو شنغ خلال زيارته للمنطقة في يناير الماضي أن ثمة آمال مشتركة لدى الصين ودول منطقة الشرق الأوسط في أن يعم السلام والاستقرار هذه الدول، مشيرا إلى أن مبادرة "الحزام والطريق" التي طرحها الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013 ستسهم في إعادة بناء الاقتصاد وتعزيز الاستقرار الاجتماعي وتحقيق النهضة في شتى المجالات بمنطقة الشرق الأوسط.
ومؤخرا، أعلن الرئيس شي جين بينغ، في خطاب ألقاه في مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة خلال زيارته لمصر في يناير الماضي، أعلن عن برامج قروض دعما للتنمية في الشرق الأوسط بما فيها قروض شاملة قيمتها 15مليار دولار وقروضا تجارية قيمتها 10 مليارات دولار وقروضا تفضيلية قيمتها 10 مليارات دولار، فضلا عن تمويل استثماري مشترك قيمته 20 مليار دولار. ورأي المحللون أن خطاب الرئيس شي قدم نهجا بديلا لحل المعضلات الإقليمية ورسم مسارا لدفع التنمية المستقبلية للتعاون بين الصين وبلدان المنطقة.
وفي هذا السياق، صرح سفير جامعة الدول العربية لدى الصين غانم الشبلي لوكالة أنباء ((شينخوا)) بأن الدول العربية وشعوبها تؤيد بثابت مبادرة "الحزام والطريق" التي طرحت ثمارا كبيرة في العامين الماضيين،لأنها تدفع تحقيق الكسب المشترك الثنائي بين الصين والعالم العربي.