واشنطن 13 مارس 2016 / تشير " الجلستان" السنويتان المنعقدتان حاليا في الصين الى أن صانعي القرار سيبذلون جهودا أكبر هذا العام لتحقيق الاستقرار في النمو ودفع الإصلاحات في جانب العرض في ثاني أكبر اقتصاد في العالم، على ما يقول خبراء أمريكيون.
وحددت الصين هدف النمو لهذا العام في حدود ما بين 6.5 و7 بالمئة، بعد تحقيق نمو اقتصادي قدره 6.9 بالمئة في عام 2015، وفقا لتقرير عمل الحكومة الذي قدمه رئيس مجلس الدولة لي كه تشيانغ في جلستي المجلس الوطني لنواب الشعب الصيني والمجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني أو ما يعرف اختصارا بـ"االجلستين".
وقال لي إن هدف هذا العام يتماشى مع هدف الصين لاستكمال بناء مجتمع مزدهر نسبيا من جميع الجوانب, ويأخذ في الاعتبار الحاجة الى دفع الاصلاحات الهيكلية.
وتعد هذه المرة الأولي التي تعتمد فيها الصين في غضون عقدين نطاقا للنمو بدلا من تحديد رقم محدد.
وقال ديفيد دولار، الزميل البارز بمعهد بروكينغز والمسؤول السابق بالبنك الدولي ووزارة الخزانة الأمريكية، في مقابلة أجرتها معه وكالة ((شينخوا)) إن هذا القرار " كان خيار استراتيجيا. اعتقد أن الحكومة تريد توصيل إشارة مفادها أن النمو بدأ يستقر. إنهم يؤكدون أن النمو ربما يتباطئ قليلا لكنه مستقر جدا".
ورغم أن هذا النطاق هو أقل من العام الماضي المقدر بنحو 7 بالمئة، إلا إنه" لا يزال يرسل إشارة قوية للسوق مضمونها أن الحكومة مصممة على الحفاظ على زخم نمو يفوق الإمكانات"، وفقا لما ذكره معهد التمويل الدولي، الرابطة العالمية التي تمثل نحو 500 مؤسسة عالمية، يوم الخميس في تحليل بحثي.
وقال تميم بيومي، الزميل البارز في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، إن العالم يجب أن يتعود على أن الصين تتحرك باتجاه " معدل نمو أبطأ لكنه أكثر استقرارا"، إذ أن الدولة تتحول باتجاه "اقتصاد أكثر اعتمادا على الاستهلاك" من نمط النمو القديم الذي كان يركز بالأساس على الاستثمار في الصناعات التحويلية والصادرات.
ووفقا لتقرير عمل الحكومة، فإن السياسات النقدية والمالية من المتوقع أن تصبح أكثر ملائمة هذا العام لدعم النمو.
وتخطط الصين لرفع نسبة العجز إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى 3 بالمئة هذا العام من2.3 بالمئة في عام 2015ـ ورفع بمؤشر أم 2، هو مقياس واسع للمعروض النقدي يغطي النقد المتداول وجميع الودائع، إلى 13 بالمئة، أي بزيادة نقطة مئوية واحدة عن هدف العام الماضي.
وأشاد دولار بالحكومة الصينية لخفض الضرائب وزيادة الانفاق على الصحة والتعليم كما أُعلن في تقرير عمل الحكومة، معتقدا أن السياسة المالية فعالة جدا لتسريع النمو الاقتصادي المتباطئ.
وقال إن الصين" لديها الكثير من المجالات لزيادة الحوافز المالية" اذا احتاجت إلى ذلك، لما أن ديون الحكومة المركزية أقل نسبيا مقارنة مع الناتج المحلي الإجمالي .
وأوصى بن برنانكي، الرئيس السابق للاحتياط الفدرالي، الصين أيضا بالاعتماد أكثر على سياسة مالية لدعم النمو الاقتصادي أثناء انتقالها الصعب.
وقال برنانكي في تدوينة يوم الأربعاء " على النقيض من التيسير النقدي، الذي يعمل من خلال خفض أسعار الفائدة المحلية، يمكن للسياسة المالية أن تدعم الطلب الكلي والنمو على المدى القريب دون خلق حافز لرأس المال للتدفق إلى خارج البلاد"، مضيفا أن " نهجا ماليا محدد الهدف من شأن أن يخدم أهداف الإصلاح وإعادة التوازن للاقتصاد على المدى الطويل".
كما أكد تقرير عمل الحكومة مجددا أهمية الاصلاحات الهيكلية في جانب العرض، الفكرة التي اقترحها صانعو القرار في الصين في نوفمبر الماضي كأحدث علاج للعلل الاقتصادية الناجمة عن النمو السريع.
وقال معهد التمويل الدولي إن " الإصلاحات الهيكلية ستركز على معالجة مشكلات الطاقة المفرطة، وتحسين الانتاجية، وخفض الأعباء الضريبية من على كاهل الشركات وتسهيل الحصول على الائتمان ومعالجة الخلل في سوق العقارات وتعزيز الإشراف المالي".
وقال دولار إن الاصلاحات الهيكلية في جانب العرض ضرورية جدا إذا كانت الصين تريد مواصلة النمو على نحو جيد، مشيرا الى أنه معجب تحديدا باعلان دفع إصلاح الهوكو ( نظام التسجيل المنزلي) وفتح قطاع الخدمات في الصين بشكل أكبر أمام الاستثمار الأجنبي.
وأضاف أن " تقرير عمل الحكومة ليس به تفاصيل محددة، لذلك علينا أن نرى مدى شمولية هذه الخطط في عام 2016، لكنها تتحرك في اتجاه جيد جدا".
واوضح دولار أن الكلام عن التعامل مع " شركات الزومبي" في تقرير عمل لحكومة يشير الى أن الحكومة تريد تنفيذ إصلاحات الشركات المملوكة للدولة وخفض الانتاجية المفرطة بطريقة تدريجية وحذرة.
وقال شياو ياتشينغ، رئيس لجنة إدارة ومراقبة الأصول المملوكة للدولة، في مؤتمر صحفي يوم السبت، إن " حماية مصالح العاملين بالشركات المملوكة للدولة ستكون مهمة كبيرة في الخطوة التالية" في إصلاح الشركات المملوكة للدولة.
وأوضح شياو أن الإصلاح سيدفع قدما بالأساس من خلال عمليات الدمج والاستحواذ، بدلا من الإفلاس، مضيفا أن الصين لن تشهد تصاعدا أخر في تسريح العمال على نحو ما شاهدنا في إصلاح الشركات المملوكة للدولة في التسعينات.
ولما أن إعادة الهيكلة تتضمن بالأساس عمليات الدمج داخل قطاع الشركات المملوكة للدولة، قال معهد التمويل الدولي أنه لا يتوقع فشلا أو خسائر واسعة النطاق في الجولة الجديدة من إصلاح الشركات المملوكة للدولية يمكن أن تهدد التوظيف أو تخلق خطرا نظاميا في الصين.
وقال دولار أنه من مصلحة الصين أن تتخلص تدريجيا من الطاقة الفائضة حيث "سيفقد عدد غير قليل من العمال وظائفهم"، إلا أنه حذر من خطر في القطاع المالي إذا لم تتحرك الصين بسرعة كافية للقيام بذلك.
وأضاف أن " البنوك تملك الكثير من القروض التي أخذتها هذه الشركات الزومبي. عندما تغلق هذه الشركات، إنك تقوم بنوع ما من التطهير عندما تزيل القروض السيئة من الميزانيات العمومية للبنوك. وهناك حاجة حقا أن يتم القيام بذلك بسرعة كبيرة".
وفيما يتعلق بالاصلاحات المالية، قال معهد التمويل الدولي إن تقرير عمل الحكومة اعترف بفوائد الاصلاحات المالية على المدى الطويل، بيد أن " وتيرة التحرير المالي من المرجح أن تكون أكثر تدرجا مما كان متوقع في البداية".
وقال تشو شياو تشوان، محافظ بنك الشعب الصيني، البنك المركزي، يوم السبت، إن إصلاح نظام التنظيم المالي في الصين قيد الدراسة مشيرا الى أنه لا يوجد إجماع عالمي على هذا النظام.