دمشق 26 فبراير 2016 / مع دخول وقف العمليات القتالية منتصف ليل (الجمعة - السبت) حيز التنفيذ، والتزام بعض الاطراف المقاتلة بتطبيق وقف اطلاق النار في عدد من المحافظات السورية، استنادا للاتفاق الذي اعلنته الولايات المتحدة الامريكية وروسيا أخيرا واستثناء تنظيمي (جبهة النصرة) و (داعش) من الاتفاق، والذي سيشكل الخطوة الاولى باتجاه انهاء الصراع في سوريا ، ولكن في الوقت نفسه يتساءل محللون هل يمكن أن يستمر وقف اطلاق النار في سوريا، أم أنه سينهار ؟ .
وتباينت آراء المحللين السياسيين والخبراء في سوريا حول وقف العمليات القتالية في سوريا، بعد ساعات من بدء التنفيذ، وانقسمت الآراء بين من هو قائل بأنها سوف تستمر استنادا إلى ممارسة كل من الولايات المتحدة الامريكية وروسيا ضغوطا على الاطراف المتصارعة بغية استمرار نجاح اتفاق الهدنة، وبين من يرى صعوبة في تطبيق تنفيذ الهدنة بسبب تداخل سيطرة التنظيمات المسلحة في عدد من المناطق وخاصة في ريفي حلب وإدلب، وبين من يؤكد فشلها والعودة الى مربع العنف من جديد ، مؤكدين في الوقت ذاته أن نتائج انعكاسات وقف اطلاق النار او العمليات القتالية على الاراضي السورية لن تكون لحظيا ومباشرا ، او حاسما.
وقال المحلل السياسي الدكتور اسامة دنورة في تصريحات لوكالة أنباء (شينخوا) بدمشق اليوم (السبت) إن " هناك ظروفا متشابكة تحيط بالازمة السورية بدءا من تداخل المجموعات الإرهابية والمسلحة على الارض السورية، وايضا تداخل اللاعبين الاقليميين في الشأن السوري، مضيفا إن " وقف إطلاق النار في سوريا لن يكون معلما مفصليا في الازمة السورية، بل قد يكون فاتحة لمجموعة من التفاهمات اللاحقة من بينها استئناف مفاوضات جنيف 3 " .
وأشار المحلل السياسي دنورة إلى أن نتائج انعكاس وقف اطلاق النار في سوريا من الناحية السياسية " لن يكون لحظيا ومباشرا وحاسما، ولكنها هي خطوة بوصفها خارطة طريق لترجمة وتذليل العقبات التي تقف امام تطبيق القرار 2254 "، مبينا أن هدنة وقف اطلاق النار قد تفشل او قد تنجح أو قد يعاد بناؤها من جديد بشروط مختلفة.
وبين المحلل السياسي أنه من النقاط الاساسية لوقف العمليات القتالية هو فرز المجموعات الارهابية المسلحة وفق معيارين الاول المتعلق بالشرعية الدولية بدء من القرار 2170 وصولا إلى القرار 2254 الذي يتحدث عن المنظمات الارهابية الشريكة في الفكر او في الميدان لتنظيمي (جبهة النصرة) و (داعش)، مشيرا إلى أن هذا المعيار يبقى بمثابة معيار مرجعي يتم العودة اليه عندما تقتضي اليه الضرورة.
وتحدث المحلل السياسي دنورة عن المعيار الثاني الذي يحدد من هي المنظمات الشريكة في الايديولوجية والفكر لهذه التنظيمات الارهابية التي يمكن أن تحترم وقف اطلاق النار فإذا كان هناك قوى رفعت لواء الاعتدال ومارست اعمال تدميرية، ورفعت شعارات تكفيرية، فهذا يعني انها ستشمل بمنظور المجتمع الدولي للمنظمات الارهابية، وبالتالي عليها ان تظهر سلوكا مغايرا كي تنخرط في اتفاق الهدنة.
وأضاف دنورة إن " وقف العمليات القتالية إلى جانب بعده الانساني وجانب بعده السياسي هو ذو فائدة مهمة جدا في فرز المجموعات الارهابية المسلحة، وتحويل القرار 2254 من الغموض البناء الذي يتجنب فيه الخوض بتفاصيل تحديد المجموعات الارهابية المسلحة إلى احالة هذا الامر إلى ارض الواقع لكي تكون هذه المجموعات بحد ذاتها هي صاحبة القرار اما الانسجام مع معطيات المجتمع الدولي، او رفض هذه المعطيات والتحول إلى هدف مشروع لكل القوى المحاربة للارهاب ".
من جانبه، رأى الكاتب خليل هلمو وهو محلل سياسي سوري آخر، صعوبة في تطبيق تنفيذ وقف اطلاق النار نظرا لتدخل المناطق الخاضعة لسيطرة بعض الفصائل المسلحة الموالية لتنظيم (جبهة النصرة)، مؤكدا ان الاتفاق الامريكي الروسي لم يكن واضحا في تحديد خريطة المناطق التي سيتم فيها تطبيق وقف العمليات القتالية.
وقال هلمو في تصريحات لوكالة أنباء (شينخوا) بدمشق إنه " بالنسبة لوقف اطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ قبل ساعات، لو تم استثناء تنظيم (جبهة النصرة) من قبل الولايات المتحدة الامريكية وروسيا من استمرار القتال فيها لكان هناك خارطة واضحة للقتال في سوريا "، مشيرا إلى ان المناطق التي يسيطر عليها تنظيم (داعش) واضحة ولا يوجد عليها مشكلة ولا يوجد تداخل فيها سواء في محافظات الرقة (شمال البلاد)، وريف حلب الشمالي (عين العرب) والحسكة (شمال شرق) ودير الزور (شرق )".
وأضاف المحلل السياسي إن " الاشكالية تكمن في ضم تنظيم (جبهة النصرة) باعتبارها منظمة ارهابية "، مشيرا إلى أنه عندما يتم قصف اي فصيل يتبع (لجيش الفتح)، وهو تجمع يضم عدة فصائل من اهمها (جبهة النصرة)، فكيف سيتم التعرف فيما إذا كان هذا الفصيل مع النصرة أو ضدها، مؤكدا هذا التدخل يشكل صعوبة في تطبيق اتفاق وقف العمليات القتالية.
واشار إلى ان التداخل في المناطق سيشكل مصدرا لخروقات وقف اطلاق النار، سيما وان جبهة النصرة اعلنت عدم التزامها بوقف العمليات القتالية، مبينا أن الهدنة بريف حلب وادلب ممكن ان تنهار بشكل سريع بسبب التداخل في مناطق السيطرة.
من جانبه، قال محمود مرعي امين عام هيئة العمل الوطني الديمقراطي المعارضة في الداخل السوري في تصريحات مماثلة لـ (شينخوا) إن وقف اطلاق النار سوف يكون في خمس محافظات هي دمشق ودرعا وريف حماة وريف حمص واللاذقية اما ادلب وحلب ودير الزور والرقة اعتقد ان هذه المناطق لا تخضع لوقف اطلاق النار بسبب وجود تنظيمي (جبهة النصرة وداعش).
وأشار إلى أن الحكومة السورية اعلنت قبولها بوقف العمليات القتالية، وكذلك، المعارضة السورية المحسوبة على الرياض اعلنت التزامها المشروط، مبينا أن هناك فصائل حتى الان لم تعلن التزامها وقف اطلاق النار.
واضاف إن " روسيا وامريكا ملتزمتان بوقف اطلاق النار ، اما تركيا والسعودية فهما غير ملتزمتين بوقف اطلاق النار وايضا هناك فصائل متطرفة ارهابية لن تلتزم بوقف اطلاق النار " .
يشار إلى أن التوافق الواضح بين روسيا وأمريكا انعكس أيضا على الأطراف المتحاربة على أرض الواقع، كما تعهد كل منهم أن يكون حليفه على أرض ملتزمة بالهدنة.
وقال مسئولون امريكيون يوم الجمعة بعد الظهر، قبل ساعات من بدء وقف إطلاق النار، قال ما يقرب من 90 فصيلا مسلحا في سوريا سوف يلتزم بالهدنة.
أعلنت الحكومة السورية أيضا موافقتها على الخطة، محذرا من أنها تحتفظ بحق الرد على أي خرق للهدنة.
وقال المعارض السوري الذي سيشارك في اجتماعات جنيف 3 إن " وقف العمليات القتالية سوف يساعد في بدء الحوار السياسي، وسوف يساعد على انطلاق جنيف 3 سوف يساعد على تسويات مناطقية في بعض المناطق ".
واعتبر مرعي أن " الاتفاق الروسي الامريكي بوقف اطلاق النار بالنسبة لسوريا " هي مسألة مهمة جدا، وهي لم تحدث منذ عقود طويلة بين البلدين "، مؤكدا أن هذا الاتفاق "سيفتح آفاقا جديدة لاتفاقات قادمة بين روسيا والولايات المتحدة الامريكية " ، مبينا أن الادارة الامريكية حريصة على انجاح وقف اطلاق النار في سوريا من خلال ممارسة الضغط على المنظمات المجموعات الارهابية التي تقاتل في الداخل السوري.
وأضاف مرعي " ما من خيار الان امام هذه المجموعات الارهابية التي تقاتل على الارض السورية او حتى الدول الاقليمية الداعمة لهذه المجموعات الا ان تؤيد الحل السياسي عبر الحوار السوري السوري، وان تدعم هذا الخيار واما في حال لم يتم ذلك فيسكون الميدان هو الفصيل في مكافحة الارهاب وفي تطهير المناطق السورية من كافة المتمردين والمسلحين والارهابيين ".
وبدوره، قال علي حيدر وزير المصالحة الوطنية في سوريا ليل امس في تصريحات ملتفزة إن " الدولة السورية هي القادرة على الالتزام بتعهداتها وتنفيذها، تغمض عين باتجاه الموافقة وتفتح عين على أن لديها تجارب سابقة، ونحن نتكلم في مثل هذه الحالة عن نوايا وليس عن أفعال، ونحن كدولة سورية بالعامية "نذهب ورا الكذاب لباب الدار"، وإذا كان هناك صدق بالنوايا فالدولة السورية هي الأصدق.
وأقر مجلس الامن الدولي بالاجماع مشروع القرار الروسي الامريكي حول وقف الاعمال العدائية في سوريا، وستراقب الامم المتحدة وقف إطلاق النار من خلال مركز خاص.
ودعا المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا الاطراف السورية لتطبيق وقف إطلاق النار للانطلاق بالعملية السياسية، وقال " ما يزال الامل مستمرا في القرار الدولي رقم 2245 للوصول إلى حل سياسي".
وأعلنت الاطراف السورية عن استعدادها لوقف الاعمال العدائية، وإذا نجحت الهدنة فستكون الخطوة الأولى نحو حل سياسي للصراع الذي يبلغ من العمر خمس سنوات تقريبا في البلاد.
وأمل دي ميستورا في أن يكون وقف إطلاق النار ثابتا في سوريا، قائلا إن المباحثات السياسية بين الاطراف السورية ستستأنف في جنيف في السابع من مارس المقبل.
يشار إلى أنه قتل أكثر من 250 الف شخص في سوريا منذ مارس 2011، ووفقا للأرقام الصادرة عن الأمم المتحدة، وشرد ما لايقل عن 7.6 مليون شخص داخل وخارج سوريا، وهناك عشرات الالاف من المدنيين المحاصرين بحاجة إلى مواد اغاثية وطبية.