بكين 20 يناير 2016 / منذ فترة طويلة، تسكن بعض دول الشرق الأوسط الاضطرابات وعمليات إراقة الدماء-- حروب أهلية في سوريا واليمن ومكافحة لتنظيم الدولة (داعش) وهجرة كبيرة للاجئين.
وباتت دول الشرق الأوسط، التي تمر حاليا بمرحلة إصلاح وتغيير، في حاجة ماسة إلى استقرار سياسي مضمون ونمو اقتصادي ديناميكي.
ويرى الخبراء أن الصين، باعتبارها محركا رئيسيا للاقتصاد العالمي بفضل نموها النشط، يمكن أن تتقاسم بعض تجاربها التنموية الناجحة وتتيح فرصا حقيقية للتعاون المربح للجميع مع شركائها في الشرق الأوسط.
-- فرص تتيحها الصين
إن الإنجازات الصينية وثمار التعاون مع الشرق الأوسط يمكن أن يتيحا للسكان المحليين خيارا آخر يحمل فوائد ومستقبلا واعدا، هكذا ذكر ليو باو لاي الذي سبق أن عمل سفيرا للصين لدى الإمارات العربية المتحدة والأردن.
فلقد شهدت العقود الماضية نموا اقتصاديا نشطا للصين، ما لفت انتباه بلدان الشرق الأوسط وغالبيتها من الدول النامية التي تتقاسم مع بكين نفس المساعي والمهام الرامية إلى تحقيق التنمية.
ومن جانبه قال إيهاب الدسوقي رئيس قسم الاقتصاد بأكاديمية السادات المصرية إن الصين، بسياستها الاقتصادية المستقرة ونموها السريع، قدمت نموذجا ممتازا يمكن الاحتذاء به عبر استخدامها لما تذخر به من عدد هائل من السكان كقوة لتحقيق التنمية ولم تعتبره مصدر ضغط.
أما شيويه تشينغ قوه رئيس كلية اللغة العربية في جامعة الدراسات الأجنبية ببكين فقد اقترح ثلاثة أشياء يمكن أن تتعلمها دول الشرق الأوسط من الصين. أولا، استكشاف طريق تنموي يتلائم مع الوضع المحلي لكل دول على حده. ثانيا، تنضيد العلاقات بشكل ملائم مع اتخاذ الاستقرار والإصلاح والتنمية كخطوط عامة. ثالثا، تجاوز الخلافات من أجل صالح الدول وشعوبها.
وذكر شيويه أن "الشرق الأوسط في حاجة ماسة إلى تعاون في تشييد البني التحتية والقدرة الإنتاجية، وهما مجالان تقف الصين على استعداد لمد العون فيهما. ومن ناحية أخرى، يمكن أن يدفع ما تذخر به المنطقة من طاقة وسوق النمو الاقتصادي لبكين".
ومن ناحية أخرى، قال ليو إن السوق ورؤوس الأموال الضخمة، وآلية تدريب المواهب عالية المستوى، والنظم الناضجة لجذب الاستثمارات الأجنبية برهنت على أن الصين يمكن أن تفيد قطعا شركائها في التعاون.
وأضاف ليو أن "الإمكانات التي لا نهاية لها في قطاعات الصناعة والطاقة ومشروعات المقاولات والتكنولوجيا والسياحة تكشف أن الشرق الأوسط بحاجة ماسة إلى التعاون مع الصين".
واتفق معه في الرأى ياو كوانغ يي سفير الصين السابق لدى تركيا، مؤكدا أن الصين أقامت تعاونا في مجال القدرة الإنتاجية مع الدول الشرق أوسطية منذ سنوات، الأمر الذي أرسى أساسا صلبا للتنمية المستقبلية.
وقال إن "الصين والسودان أطلقتا مشروعات تعاون في التنقيب عن النفط في عام 1995، ما خلق أكثر من 80 ألف فرصة عمل للسكان المحليين".
وأشار إلى أن مشروعات التطوير النفطي بين الصين والسودان ضربت نموذجا جيدا للتعاون المخلص الذي يتسم بالمنفعة المتبادلة، الأمر الذي مهد الطريق للتعاون في القدرة الإنتاجية مع دول الشرق الأوسط الأخرى.
-- آفاق للتنمية المشتركة
تشمل أول جولة خارجية يقوم بها الرئيس الصيني شي جين بينغ في عام 2016 السعودية ومصر وإيران، ما يثبت مدى الأهمية الإستراتيجية التي توليها بكين للمنطقة.
وخلال جولة شي التي تعد الأولى لرئيس صيني منذ أكثر من خمس سنوات، ستصبح مبادرة "الحزام والطريق" التي اقترحتها الصين موضوع النقاش.
ويعد خالد عبد الخالق الخبير بمركز الإهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية في مصر من بين الكثيرين الذين يرون أن زيارة شي ستنتج بعض الاتفاقات التي تصب في إطار تنفيذ هذه الإستراتيجية التنموية.
ولدى إشارته إلى مبادرة "الحزام والطريق"، قال إنها لاقت ترحيبا كبيرا من دول الشرق الأوسط وإن السعودية ومصر أعربتا عن رغبتهما في إعادة هيكلة موانيهما وطرقهما من أجل الانضمام لهذا المشروع الضخم.
وعلاوة على ذلك، يمكن أن تحل هذه المبادرة المشكلة المزمنة المتمثلة في ارتفاع معدل البطالة من خلال إتاحة عدد هائل من فرص العمل بالمنطقة، ما يقيم قاعدة قوية للتعاون الصيني- العربي وهذا يمهد بدوره الطريق لتوطيد العلاقات والتعاون الثنائيين القويين بالفعل، على حد قوله عبد الخالق.
واتفق ياو مع فكرة أن جولة شي ستعطى دفعة أكبر لمبادرة "الحزام والطريق"، قائلا إن "تشييد البني التحتية، والتصنيع المتطور، والصناعات كثيفة العمالة، والقطاع المالي، تمثل أربعة أوجه رئيسية يمكن أن يحقق فيها الجانبان تعاونا مفتوحا وقائما على قدم المساواة".
وأضاف أن المشروعات الرئيسية تشمل السكك الحديدية فائقة السرعة، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، والأقمار الصناعية، والطاقة النووية، ومصادر الطاقة الجديدة، وصندوق طريق الحرير.
بيد أن الاضطرابات في المنطقة ازدادت تدهورا في العام الماضي لدرجة أن تأثيرها المباشر وغير المباشر امتد ليشمل عددا متزايدا من البلدان. وأعرب كثيرون عن تشككهم بشأن ما إذا كان بإمكان المنطقة توفير مناخ آمن للتعاون الثنائي.
وفي هذا السياق ودعا تشو وي ليه، الخبير في شؤون الشرق الأوسط بجامعة شانغهاي للدراسات الدولية، دعا المنطقة إلى الحد من المخاطر الأمنية والتوصل إلى تسوية سياسية طويلة الأمد من أجل انهاء الصراعات والحروب في أسرع وقت ممكن.
ويتفق اقتراحه مع وثيقة سياسة الصين تجاه الدول العربية التي صدرت قبيل جولة شي إلى الشرق الأوسط وتؤكد مجددا التزام بكين بتعزيز السلام والاستقرار في المنطقة وبالحل السياسي للقضايا الإقليمية الساخنة.