بقلم/ د. فايزة سعيد كاب، خبيرة في الشؤون الصينية، مترجمة وكاتبة
حضرت مؤخرا حوارا غير رسمي لمناقشة استراتيجية”الحزام الاقتصادي لطريق الحرير” و”طريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين” (يشار إليهما فيما بعد بـ”الحزام والطريق” اختصارا) التي طرحها الرئيس الصيني شي جينبينغ خلال زيارته لآسيا الوسطى ودول جنوب شرقي آسيا في سبتمبر وأكتوبر 2013، والتي نالت اهتماما عاليا من المجتمع الدولي، وأثارت نقاشات وفتحت الأبواب للحوار بين الباحثين الصينين والأجانب حول اهمية استراتيجية " الحزام والطريق" وكيفية تطبيقها والاستفادة منها.
أشار احد الباحثين من جامعة بكين الى مقال اكاديمي "الاتجاه نحو الغرب".. الاستراتيجية الصينية لإعادة التوازن الجيوسياسي، للباحث وانغ جي سي أحد ألمع الأدمغة الاستراتيجية في الصين ورئيس مركز الدراسات الدولية والإستراتيجية في جامعة بكين نشر يوم 17 اكتوبر عام 2012 بصحيفة جلوبال تايمز الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الصيني، ما يعني أن فكرة "الاتجاه نحو الغرب" الشكل المبدئي لمبادرة "الحزام والطريق" التي طرحها شي جين بينغ.
في الواقع، لست أنا أول من اتخذ دراسة وانغ جي سي نقطة بداية لدراسة استراتيجية "الحزام والطريق"، فقد ذكر كيفن ليم - معهد واشنطن، في مقال تحليلي بعنوان "إيران بعينَي بكين"، أن الصين تسعى في الآونة الأخيرة، إلى التوجه نحو الغرب في إطار مشروع حزام طريق الحرير الاقتصادي الذي أطلقه الرئيس الصيني شي جين بينغ في سبتمبر 2013. مضيفا أن هدف الفكرة هو تجنب الآثار السلبية التي قد تترتب من استدارة الرئيس الامريكي باراك اوباما نحو الشرق.
ويرى وانغ جي سي في دراسته ان زيادة التوتر في العلاقات الصينية الامريكية في ظل محاولة واشنطن اعادة موازنة علاقاتها في اسيا لن تعود على الجانبين بأي فائدة ولن يكون فيها من رابح . كما يدعو وانغ إلى تعزيز وجود الصين، وتطوير مواردها، وتقوية جهودها الدبلوماسية، وتعميق تعاونها مع دول جنوب آسيا ووسطها ودول الشرق الأوسط. وانه وبالرغم من المخاطر في البحار شرقا، إلا أن المنطقة غربَ الصين لا تحمل مخاطر مماثلة. وأن الصين لا يزال لديها فرصا كثيرة لم تستغلها اقليميا. وإن سياسة “التوجه نحو الغرب” سيزيد من النفوذ الاستراتيجي لبكين بما سيتيح لها التصدي لواشنطن. وستسعى الاخيرة يائسة إلى طلب المساعدة الصينية فيما يتعلق بضمان استقرار أفغانستان وباكستان”.
التنمية الكبرى لغرب الصين بحاجة إلى استراتيجية داعمة جديدة
تتطلع الصين منذ عام 2000 الى تصحيح التوازن المختل بين نصفيها الغربي والشرقي. حيث يشكل غرب الصين 71% من جملة الأراضي، وبرغم ذلك يقطنه فقط 27% من جملة السكان ويساهم بنسبة 18.7% في الناتج المحلي الإجمالي، وفقا لأرقام عام 2010. كما ان المنطقة غنية بالموارد الطبيعية وذات موقع استراتيجي مهم يجعلها تمتلك فرصا كثيرة.
وفي هذا الصدد ، يرى وانغ جي سي أن المركز الاقتصادي والسياسي في الصين لا يتعدى المناطق الداخلية والحدود الاقليمية للأمة الصينية على مدى التاريخ. وانه حان الوقت لأن تنظر الصين في التخطيط للخروج نحو الغرب وأن لا يقتصر نظرها على الحدود الساحلية مع الشركاء والمنافسين التقليدين وإنما الاستفادة من موقعها في اسيا والمحيط الهادئ. وأشار وانغ الى أن طريق الحرير كان ممرا نشطا لتجارة الصين مع المنطقة الأوراسية، وجسرا مهما للاتصالات بين الشرق والغرب. ويعتقد وانغ أن اليابان والقوى الغربية استطاعت بنفوذها واقتصادها ان تخترق باب الصين الكبير عن طريق البحر، مما حول المناطق الساحلية الى مدن كبرى ومراكز للصناعات الحديثة. كما ان الصين ركزت في بداية الاصلاح والانفتاح على أربع قوى في تجارتها الخارجية (امريكا، اوروبا، اليابان، شرق اسيا)، ونشأت مناطق اقتصادية خاصة بجنوب شرقها وعززت سيطرتها الساحلية، في حين ان مستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة الغربية بقي متخلفا حتى العام 2000، ثم بدأت بعد ذلك تظهر نتائج تنفيذ خطة تنمية المنطقة الغربية الوسطى بشكل ملحوظ. وعليه، فإن الهدف الاساسي من استراتيجية وانغ نحو الغرب هو إحداث تنمية كبرى بغرب الصين، لكنه يرى ايضا أن تحقيق هذا الهدف بحاجة الى استراتيجية جديدة داعمة، والتي يرى أنها تكمن في تحسين الصين للتخطيط الجيوسياسي، والتعاون مع العديد من الدول لضمان قنوات الامداد الخارجي للموارد النفطية والغاز وغيرها من الموارد الاخرى. كما دعى وانغ الى التسريع في بناء "طريق الحرير الجديد" والذي اطلق عليه البعض بـ" الحزام والطريق."
ويمتد طريق الحرير الجديد من شرق الصين ويعبر وسط آسيا وأوربا ويصل غربا إلى الساحل الشرقي للمحيط الأطلسى ودول البحر الأبيض المتوسط. بالإضافة إلى ذلك، يرى وانغ انه ينبغي تدشين ممر كبير يربط غرب الصين بالمحيط الهندي في أقرب وقت ممكن.
ودعا وانغ الى توسيع التعاون الاقتصادي والتجاري وإنشاء صندوق للتنمية التعاونية مع دول غرب الصين (جنوب آسيا، وآسيا الوسطى والشرق الأوسط ودول بحر قزوين). وقد حقق التبادل التجاري بين الصين وجنوب وغرب اسيا عام 2001-2011 ارتفاع أكثر من 30 مرة ( اجمالي التجارة الخارجية الصيني في نفس الفترة سبعة اضعاف) ، مما يدل على أن توجه الاقتصاد الصيني غربا ضروري لما يمتلكه من إمكانات هائلة.
ويرى وانغ ان لـ " طريق الحرير الجديد" أهمية كبيرة للمحافظة على الاستقرار في منطقتي شينجيانغ والتبت وغيرهما من المناطق الاخرى التي تهددها الانفصالية العرقية الخارجية، التطرف الديني، الارهاب والقوى المعادية الاخرى، الجريمة المنظمة العابرة للحدود أو الجريمة المنظمة عبر الدول، والتي أصبحت مصدر قلق كبير للأمن القومي. واشار وانغ الى الصين بحاجة الى تنفيذ استراتيجية تجمع بين الظروف الداخلية والخارجية مطابقة للظروف الدينية والاجتماعية المحلية، بناء الأمن وطني. كما يعتقد وانغ أن تكثيف الموارد الدبلوماسية في الدول غرب الصين بات ضروري بالاضافة الى دراسة معمقة للأوضاع المحلية والوضع العرقي والديني، وتعزيز التبادلات الاجتماعية والثقافية ، الذي سوف يحول نمو الاقتصاد الصيني في المنطقة إلى قوة ناعمة.
أنباء شينخواشبكة الصين إذاعة الصين الدوليةتلفزيون الصين المركزي وزارة الخارجية الصينيةمنتدى التعاون الصيني العربي
جميع حقوق النشر محفوظة
التلفون: 010-65363696 فاكس:010-65363688 البريد الالكتروني Arabic@people.cn