لماذا الصين بحاجة الى استراتيجية " التوجه نحو الغرب"؟
يرى وانغ جي سي أن المنطقة الغربية للصين هي قلب قارة اوراسيا، ومهدا للحضارات البشرية وغنية بالموارد الطبيعية. ومع ذلك، لن تستطيع العديد من البلدان الحفاظ على الاستقرار والرخاء في السنوات القليلة المقبلة بسبب بعض الاسباب العميقة، حيث تشهد العديد من البلدان في المنطقة اضطرابات عرقية ودينية وطائفية وسياسية عابرة للحدود. مما يؤثر كثير على مستقبل العلاقات بين القوى الكبرى، ويؤثر سلبا على المصالح السياسية والاقتصادية في الصين. لذا، ينبغي على الصين أن لا تتجاهل الموضوع وان تطلق مبادرة جديدة في هذا العالم الواسع.
يعتبر حزام المنطقة الغربية نقطة التقاطع الإقليمي وفضاء للتنافس على المصالح الحيوية بين الاتحاد الأوروبي وروسيا والهند والولايات المتحدة واليابان والصين. وخلافا عن أوروبا الغربية ومناطق شرق آسيا الأخرى، لم يظهر أي تحالف عسكري في المنطقة الغربية تقوده امريكا، ولم يظهر حتى الآن اتجاه نحو ﺍﻟﺘﻜﺎﻣﻞ ﺍﻻاقتصادي ﺍﻹﻗﻠﻴﻤﻲ. كما لم يتم انشاء آليات للتنسيق وللتعاون مع الدول الكبرى المنافسة التي تسعى الى ايجاد نفوذ بالمعنى التقليدي.
ومع ذلك، يرى وانغ ،ان مشروع (طريق الحرير الجديد) الامريكي الذي طرحته وزيرة الخارجية الامريكية هلاري كلينتون عام 2011 يهدف اساسا الى البحث في كيفية الحفاظ على مصالحها الخاصة في افغانستان بعد انسحابها. وذلك بتحويل افغانستان الى مركز يربط بين آسيا الوسطى وجنوب آسيا، إنشاء شبكة من الطرق التجارية تمتد الى منطقة الشرق الاوسط. كما يتضمن المشروع تلبية تركمانستان احتياجات باكستان والهند المتزايد من الطاقة، ويوفر قدرا كبيرا من الدخل العابر لأفغانستان وباكستان. كما يمكن تصنيع قطن طاجيكستان وتحويله الى قماش في الهند، وتصدير أثاث وفواكه افغانستان الى استانا ومومباي ، وأبعد من ذلك أيضا.
تحاول روسيا المحافظة على موقعها التقليدي في آسيا الوسطى وبحر قزوين الفناء الخلفي لها، الذي اصبح الاتجاه الرئيسي لدبلوماسية الطاقة للاتحاد الأوروبي. وستشهد روسيا وأوروبا تعاونا نشطا في القضايا الامنية والسياسية الاقليمية على المدى الطويل، كما سيلعب حلف الناتو دورا عسكرا مهما عندما يلزم الأمر. ومن جهتها ، تعتبر الهند أن منطقة الشرق الاوسط واسيا الوسطى مصادر رئيسية بالنسبة لها في تعزيز وتنويع مصادر الطاقة، وهذا الأمر يستدعي بناء شبكة طرقات تحيط بالمناطق الغنية بالنفط والغاز. بالاضافة إلى المصالح الاقتصادية والمخاوف الامنية المتصاعدة في المنطقة الغربية أيضا، فإن استراتيجية "الاتجاه نحو الغرب" تعزز الانشطة السياسية والاقتصادية للصين، وتساهم في :ـ
أولا، تعزيز الثقة بين الصين وأمريكا وإقامة علاقات أكثر توازنا بين البلدين . ويربط معظم المختصين والمسؤولين في شؤون شرق آسيا ومجلس الامن القومي الامريكي ووزارة الخارجية الامريكية، ووزارة الدفاع ووكالات صنع القرار ذات الصلة العلاقات الصينية الامريكية بشرق آسيا. وحتى استراتيجية أوباما "التركيز الاستراتيجي شرقا " تركز على شرق آسيا أيضا. حيث حددت امريكا عن قصد أو غير قصد موقع الصين بين دول شرق اسيا، مما جعل الشعب الصيني يحد من هذه الاستراتيجية. و تظهر المنافسة المتزايدة بين البلدان في شرق آسيا نوعا من "نمط محصلته صفر". ومع ذلك، فإن استراتيجية " التوجه نحو الغرب" سوف تزيد من امكانية التعاون بين الصين وأمريكا في مجالات الاستثمار والطاقة ومكافحة الارهاب والحفاظ على الاستقرار الاقليمي والمناطق الأخرى، وخطر المواجهة العسكرية يكاد يكون معدوما. وتحرص امريكا على مساعدة الصين للحفاظ على الاستقرار في افغانستان وباكستان وغيرها من البلدان الاخرى.
ثانيا، فرصة جدية لتوسيع المصالح الاقتصادية الصينية في الدول الغربية والمشاركة في التنسيق المتعدد الاطراف لتحسين الوضع الدولي. وبالمقارنة مع شرق اسيا، فإن الصين ( باستثناء الهند) ليس لديها أي صراع أو مواجهة مع دول تلك المنطقة، وهذا من شأنه أن يقلل من المواجهات أو الصراعات، وأن يجعل التعاون السياسي والاقتصادي في وضع جيد نسبيا. وإن تشكيل بيئة أمنية مع البلدان المعنية لتطوير المنطقة، ووضع قواعد عادلة لللعبة، سيحقق للصين المصالح الطويلة الأجل، وسيحسن صورتها كدولة كبيرة مسؤولة. كما أن بمقدور الصيمن تعزيز وتوسيع مهام منظمة شانغهاي للتعاون مع الدول المعنية في المنطقة والتخطيط المشترك لبناء "طريق الحرير الجديد"، وتعزيز بناء آلية أمنية متعددة الأطراف لحل النزاعات الاقليمية.
"التوجه نحو الغرب" بحاجة الى تخطيط استراتيجي
استراتيجية "التوجه نحو الغرب" مثلما لها فرص يمكن اغتنامها لديها مخاطر ينبغي تجنبها أيضا. ويكمن الخطر الاول في الرياح التي تهب من الدول التي تشهد عدم الاستقرار السياسي والفقر النسبي والصراع الطائفي وتردي الأوضاع في المنطقة الغربية. و الخروج الصيني لا يمكن ان يكون مماثلا للخروج الدول الغربية ، حيث أن التزام الصين بعدم التدخل في شؤون الاخرين يدفعها إلى ابتكار وسائل جديدة لمعالجة الأزمات. الخطر الثاني، الصراع المستعصي في الشرق الاوسط بين ايران والسعودية وتركيا ومصر وإسرائيل وغيرها من القوى الاقليمية، و مشكلة الهند وباكستان في جنوب آسيا و العلاقات المعقدة بين دول المنطقة الغربية يتطلب ضرورة الحفاظ على التوازن الدقيق في موقف الدبلوماسية الصينية. الخطر الثالث، احتمال اثارة استراتيجية "الاتجاه نحو الغرب" شكوكا وممانعة من القوى العظمى الكبرى، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى تسييس القضايا الاقتصادية في محاولة لتجنب الازدحام والصراع على السلطة ومنع ظهور منافس حقيقي على الساحة. الخطر الرابع، التشكيك في هدف الصين من استراتيجة "التوجه نحو الغرب" واعتبارها وسيلة لنوع من "الاستعمار الجديد" أو"استغلال الموارد الطبيعية". ولذلك على الصين التركيز على الاستثمارات في البيئة المحلية وتحسين سبل العيش وتوفير فرص العمل.
من جانب آخر، تعتبر معرفة الصين بالمنطقة الغربية سطحي للغاية بالمقارنة مع فهمها لأمريكا أوروبا وشرق اسيا وروسيا وغيرها من البلدان الأخرى. حيث تعاني الصين من نقص الكوادر التي تجيد اللغة العربية والفارسية والتركية والكازاكية والهندية والاوردو والبنغالية وغيرها من اللغات. ما يجعلها بحاجة الى تنظيم المزيد من الندوات الرسمية وشبه الرسمية والثنائية والمتعددة الأطراف لتعزيز البحوث مع هذه الدول، ووضع خطة طويلة الأجل وتقديم الدعم المالي الكبير من أجل تدريب الكوادر ودمج القطاعات المحلية والخارجية والاقتصادية والثقافية والتعليم والموارد الاكاديمية وتعزيز استراتيجية " الاتجاه نحو الغرب".
ويشدد وانغ على ضرورة التفكير في اعادة توازن جيوستراتيجي جديد وشامل ومتوازن بين البر والبحر في ظل التغيرات السريعة التي تطرأ على الجغرافيا الاقتصادية واللوحات السياسية.
أنباء شينخواشبكة الصين إذاعة الصين الدوليةتلفزيون الصين المركزي وزارة الخارجية الصينيةمنتدى التعاون الصيني العربي
جميع حقوق النشر محفوظة
التلفون: 010-65363696 فاكس:010-65363688 البريد الالكتروني Arabic@people.cn