تكريت, العراق 7 أكتوبر 2014 /لم تكن الكثير من المناطق والقرى العراقية معروفة أو تحظى بشهرة بسبب عدم وجود شواخص حضارية أو أثارية فيها أو لأنها لا ترتبط بشيء معين يثير الانتباه ويجلب الشهرة.
وبلدة العلم الواقعة في الشمال الشرقي من تكريت (170 كم) شمال بغداد لم تكن تحظى بشهرة كبيرة قبل العاشر من يونيو الماضي وسيطرة تنظيم ما يسمى الدولة الإسلامية المعروفة إعلاميا باسم (داعش) على بعض المناطق في العراق ومنها مدينة تكريت مركز محافظة صلاح الدين التي تتبع إليها بلدة العلم إداريا ولا تبعد عنها سوى 15 كم إلى الشمال الشرقي.
ولكن البلدة أصبحت أبرز أحد المناطق التي قاومت تنظيم "داعش" وصمدت بوجهه أسبوعين كاملين في الوقت الذي لم تصمد فيه ست فرق عسكرية مجهزة بكامل التجهيزات والمعدات الثقيلة في محافظة نينوى سوى بضع ساعات.
وبهذا الخصوص, قال خالد مناف أحد وجهاء بلدة العلم لوكالة أنباء ((شينخوا)) "قاتلنا التنظيم لمدة أسبوعين وحاصرونا حصارا مطبقا وسقطت على منطقتنا مئات قذائف المدفعية من خلف نهر دجلة من الجهة الغربية للمدينة".
وفرض الحصار المطبق من قبل "داعش" على بلدة العلم, أنماطا حياتية جديدة لم تألفها البلدة من قبل واتخذت الحياة البسيطة والعودة إلى القديم شعارا لها في الصمود بوجه "داعش" فألغيت معظم وسائل الحياة المعاصرة من كهرباء والطبخ على الغاز وعاد المواطنون إلى وسائل الإضاءة والطبخ والخبز التي اعتادوا عليها قبل دخولها إلى القرية في سبعينات القرن الماضي.
وبعد دخول عناصر تنظيم "داعش" إلى المنطقة نتيجة مفاوضات معهم على أن يدخلوا البلدة دون قتال وفي المقابل عدم المساس بالأهالي وعدم إهانتهم أو التأثير على مصادر رزقهم, تحولت البلدة فجأة إلى مركز آمن ومزدهر اقتصاديا وشهدت نزوحا كثيفا للأهالي من مركز المحافظة باتجاه البلدة فتضاعف سكانها خمسة أضعاف حتى وصل إلى ربع مليون نسمة وذلك حسب إحصاءات بعض منظمات المجتمع المدني وممثلية الأمم المتحدة في صلاح الدين التي أكدت أن عدد العوائل التي نزحت إلى المنطقة يصل إلى 20 ألف عائلة.
وكان من نتائج الاستقرار النسبي حصول ازدهار اقتصادي في البلدة بسبب انتقال مختلف الأعمال التجارية من مركز المحافظة إليها, فتحولت إلى واحدة من أهم المراكز التجارية في محافظة صلاح الدين وأصبحت العلم المركز الوحيد للتسوق والعلاج في مدن محافظة صلاح الدين التي يسيطر عليها تنظيم "داعش" وحتى بعض مدن محافظة كركوك المجاورة لها.
وبالرغم من الهدوء النسبي الذي تتمتع بت المنطقة إلا أن الملاحظ هو غياب الود بين أبناء بلدة العلم ومسلحي داعش وسيطرة نظرات الريبة والشك على العلاقة المتشنجة بين الطرفين.
وعن هذه العلاقة أضاف خالد "أننا لا نحبهم وهم يعرفون ذلك ونتمنى أن يرحلوا الآن قبل الغد, فمنهجنا الديني والأخلاقي والسياسي لا يلتقي معهم أبدا, فنحن سلفيون دعويون لا نؤمن بالقتل, بل بالحوار والسلوك الإنساني الحسن واحترام الأخر".
وعن وجهة نظر المسلحين قال عنصر ملثم من داعش في حديث مع صاحب صيدلية قرب مستشفى العلم الأهلي "نعلم أنهم (أبناء العلم) يكرهوننا لأنهم جزء أساسي من حكومة المحافظة التي تتبع (الحكومة الصفوية) في بغداد ومنهم مئات الشرطة والموظفين كما أنهم لا يقرون مبدأ الجهاد الذي نؤمن به نحن, ونعمل على أساسه لنشر الدولة الإسلامية".
وأضاف المسلح في حديثة لصاحب الصيدلية "لكن للأمانة نقول أنهم أناس طيبون وكرماء ومتكافلون اجتماعيا ووفروا ملاذا آمنا لعشرات الآلاف من أبناء المحافظة".
لم يعد أي منزل مهجور في البلدة حتى حقول الدواجن وحظائر الأبقار أصبحت مأوى للنازحين من غير القادرين على التوجه إلى شمال العراق كونهم من ذوي الدخل المحدود.
وبحلول الليل تكون الحياة قد تغيرت كليا وانتقلت من صيغتها الشمولية إلى صيغتها المناطقية وأصبحت كل مجموعة من الشباب تلتقي في أحد المنازل كي تكمل السهرة مع بعضهم بعيدا عن وسائل التواصل الحديثة التي غابت إما بفعل إغلاق الدولة لتلك المواقع أو بسبب انقطاع الكهرباء وشح المنتجات النفطية التي أصبحت بعيدة المنال عنهم .
وقال الشاب خلف محمد "إن سيطرة داعش أعادت الألفة والانسجام والحكايات الشعبية القديمة والعادات الأصيلة لأبناء المنطقة حينما يتجمعون للسهرة في أحد البيوت لإحياء طقوس غابت بسبب سيطرة أجواء وسائل التواصل الحديثة على المجالس في كل مكان".
يذكر أن مقاتلي "داعش" فرضوا أنماطا جديدة على المواطنين تمثلت بمنع بعض العادات والتقاليد التي كان يمارسها أبناء المنطقة وحظروها بالكامل ووعدوا بالقصاص ممن يرتكبها, منها التدخين.
وبهذا الخصوص قال عمر التكريتي "كنا نبيع السجائر على الرصيف في بلدة العلم ومنذ أن نزحنا إلى هذه المنطقة منذ ثلاثة أشهر وكان الأمر طبيعيا, وكان مسلحو "داعش" يشترون السجائر منا ولكن, فوجئت بتطويق المكان من قبل عدد من السيارات التي تحمل بعض مقاتلي داعش فصادروا السجائر التي تحمل ماركات فاخرة فيما دمروا أنواع السجائر الأخرى أو ألقوها في المشروع المائي الذي يغذي المنطقة وقالوا يحظر من الآن بيع المنكر في هذه المنطقة".
وأشار التكريتي إلى أن تجارة بيع السجائر تحولت إلى تجارة سرية ما أدى إلى ارتفاع أسعار السجائر في المنطقة نتيجة منع بيعها من قبل تنظيم "داعش".
وبحسب ضابط أمن سابق يدعى (أبو سعد) من عناصر أمن نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين فأن عناصر تنظيم "داعش" يحرصون على استتباب الأمن في بلدة العلم لأنها أصبحت مركزهم الخلفي في مختلف القضايا اللوجستية التي يحتاجونها كالطعام والعلاج وأوقات الراحة وأحيانا مراكز اعتقال للمعارضين لهم.
أنباء شينخواشبكة الصين إذاعة الصين الدوليةتلفزيون الصين المركزي وزارة الخارجية الصينيةمنتدى التعاون الصيني العربي
جميع حقوق النشر محفوظة
التلفون: 010-65363696 فاكس:010-65363688 البريد الالكتروني Arabic@people.cn