نشرت صحيفة "ساوث تشاينا مورنينغ بوست" التي تصدر في هونغ كونغ مؤخرا مقالا للكاتب شاندران ناير، مؤسس معهد المستقبل العالمي، بعنون " الإعلام الغربي عليه أن يعيد التفكير في تغطيته المتحيزة حول الصين وقطر والحرب الأوكرانية العام الماضي ". ورأى شاندران بأن ثقة القراء غير الغربيين قد تراجعت في وسائل الإعلام الغربية، التي ظلت تهيمن على فضاء الرأي العام العالمي.
وأشار المقال إلى أن الكتّاب الغربيين باتوا يميلون بشكل متزايد إلى الدفاع عن المصالح الغربية، غير قادرين على تجاوز المواقف الأيديولوجية الراسخة وتعزيز الحوار البنّاء مع الجماهير غير الغربية. وفي أحسن الأحوال، فإن النهج الحالي لوسائل الإعلام الغربية يبدو جاهلا وسيئا للأعمال التجارية. وأما في أسوأ الحالات، فإن يثير الانقسام والخلاف والتوتر العالمي.
وطرح الكاتب ثلاثة أمثلة عن تحيّز التغطية الاعلامية الغربية. أولا، التهجّم المستمر على الصين، والذي عدّه الكاتب ظاهرة باتت متفشية في الولايات المتحدة وأوروبا. حيث لا يكاد يمرّ يوما واحدا على القرّاء، دون قراءة تقارير إخبارية تشيطن الصين. وفي الآونة الأخيرة، وجهت وسائل الإعلام الغربية أسهم النقد للحكومة الصينية، حول التخلي السريع عن سياسة صفر كوفيد. لكن قبل ذلك، دأبت نفس هذه الوسائل الإعلامية، على مهاجمة الصين بسبب نفس السياسة، والتي اعتبرتها "غير إنسانية". وأشادت بالمحتجين الصينيين لمقاومتهم الشجاعة. في المقابل، تخلق الآن رواية جديدة، مفادها أن الصين ليست مستعدة بعد للفتح.
ثانياً، التغطية الإعلامية الغربية حول كأس العالم في قطر، كانت عبارة عن خطاب استعماري مقنّع وحتى عنصري. حيث اعتقد العديد من الكتّاب في وسائل الإعلام الغربية أنهم يقفون على أسس أخلاقية عالية، مدينين معايير حقوق العمال في قطر وموقفها من قضايا الأقليات الجنسية، بل وصل الأمر إلى الدعوة لمقاطعة كأس العالم قبل المباراة الافتتاحية.
ولو كانت وسائل الإعلام الغربية قبل ذلك قد طالبت بهذه المعايير في المنافسات الرياضية التي تنظّم في الولايات المتحدة وأوروبا، ربما لكانت انتقاداتها لقطر أكثر إقناعا للجمهور العالمي. لكن لم يكن هكذا هو الحال على الإطلاق، وهو ما يدل على أن الانتقادات التي وجهت إلى قطر هي محض نفاق.
فالقارئ لوسائل الإعلام الغربية، لا يجد أي تقارير أو أخبار عن انتهاكات حقوق الإنسان في أوروبا وأمريكا. ولا يجد أي أثر عن علاقة الولايات المتحدة بالصراعات التي خطّطت لها وشاركت فيها بشكل مباشر، وتسببت في مئات الآلاف من القتلى.
أما ثالثا، فهو الغرور والتحيّز في تقارير الإعلام الغربي عن الحرب الأوكرانية. حيث لم يقتصر الأمر عن هستيريا النقد اللاذع لبوتين، بل ظلّت وسائل الإعلام الغربية تفتح عينا وتغمض عين حول الخلفيات المعقدة للحرب، بما في ذلك، سياسة التوسع شرقا التي يتبعها الناتو.
كما اتخذت وسائل الإعلام الغربية أيضًا نهجا صداميا ومتحيزًا حيال الأزمة الأوكرانية، لدرجة أنها تجاهلت عملية قصف خط أنابيب الغاز "نورد ستريم"، على الرغم من وجود شبهة عمل إرهابي من قبل دولة غربية كبرى، تتعلق بهذا التفجير.
تُظهر هذه الأمثلة الثلاثة بوضوح أن الإعلام الغربي يعمد إلى تجاهل المواقف النقدية للجمهور غير الغربي، ويستميت في التمسّك بسردية "الغرب هو الأفضل".
غير أنه، إذا استمر هذا السلوك المثير للانقسام، فلن يفقد الإعلام الغربي متابعيه في العالم غير الغربي وحسب، بل سيفقد ثقة قرّاءه في الداخل أيضا. حيث تقول تقارير بأن 34٪ من البريطانيين فقط، عبروا عن ثقتهم في الأخبار التي يقرؤونها، فيما أعرب 38٪ من الأمريكيين عن "ارتياب كامل" في أخبار وسائل الإعلام.