الدوحة 31 ديسمبر 2021 (شينخوا) شهد العام 2021 منعطفات مهمة ومتغيرات إيجابية في المجمل بالمنطقة الخليجية كان عنوانها الأبرز تراجع لغة الخلاف وإذكاء التوترات لحساب محاولات التقارب والتهدئة واستبدال التصادم والتصعيد بلغة الدبلوماسية والحوار ومد جسور الشراكة خليجيا وإقليميا.
مهد لهذا التحول أمور من بينها الآثار السلبية للأزمة الخليجية التي اندلعت العام 2017، وتداعيات جائحة فيروس كورنا الجديد (كوفيد-19)، والتحول الجيوبوليتيكي للإدارة الأمريكية الجديدة مع تراجع التزامها بالمنطقة وهواجس ما بعد انسحابها الفوضوي من أفغانستان ومساعيها مع القوى العالمية الكبرى لإحياء الاتفاق النووي الإيراني الذي تتوجس منه دول المنطقة.
كل هذا وغيره، استدعى من دول الخليج الاستدارة وإعادة التموضع وترتيب الأوراق والسير على نهج تكتيكي مختلف ليس فقط على صعيد العلاقات البينية، بل شمل أيضا العلاقات الإقليمية وبالأخص مع إيران وامتد أبعد من ذلك إلى إسرائيل.
--العلاقات الخليجية البينية: الرابح الأكبر ولكن...
بدأ المشهد الخليجي العام 2021 بقمة "العلا" والمصالحة في 5 يناير التي أنهت الأزمة بين قطر وكل من السعودية والإمارات والبحرين، ليدشن العام مرحلة جديدة للعلاقات شعارها توحيد الصف وتغليب المصالح على الخلاف لمواجهة التحديات، ثم انتهى بقمة "الرياض" في 14 ديسمبر بالتأكيد على المبادئ نفسها.
وما بين "العلا" و"الرياض" كان هناك زخم كبير لدفع مسيرة العمل الخليجي وإعادة الوئام خاصة بين أطراف الأزمة، بوتيرة أعلى بين السعودية وقطر وبخطى متأنية بين الأخيرة والإمارات ونسق أقل مع البحرين، أثمر عن عودة السفراء بين الرياض والدوحة، وزيارات على مستوى القادة وكبار المسؤولين بين دول الخليج وتعزيز للشراكات في مجالات شتى.
ويتفق نائب رئيس المركز العربي للدراسات الاستراتيجية الدكتور مختار غباشي، مع منظور أن العلاقات الخليجية هي الرابح الأكبر هذا العام، إذ يرى أن المصالحة دفعت هذه العلاقات قدما وأصبحت أكثر تماسكا، وأن اتفاق "العلا" وضع مبادئ حفظت وجود كل الأطراف في مجلس التعاون الخليجي بعد أن تسببت الأزمة بانقسام داخله وجعلت بعض دوله ترتبط بقوى إقليمية خارجية.
لكن هل يستمر هذا الزخم ويثمر عن تحقيق مزيد من التنسيق والتكامل والترابط الخليجي المنشود في جميع الميادين؟ يجيب غباشي بأن نتائج القمة الأخيرة لمجلس التعاون الخليجي تشير إلى أن دول المجلس في طريقها إلى لملمة جراح الأزمة، لكن مع ذلك لا نستطيع القول إن العلاقات بينها عادت إلى ما كان عليه بنسبة 100 بالمائة.
وأضاف أنه خلال القمة نفسها كانت هناك رمزية مهمة باستدعاء محاضر توصيات قمة العام 2015 التي تحدثت عن وحدة نقدية خليجية وقوة عسكرية مشتركة وتكامل اقتصادي والاتحاد الجمركي الكامل بين دول المجلس، ما يظهر أن هذه الدول تحاول معالجة فترة الجمود السابقة، وهي مسألة ليست سهلة فما زال هناك شكوك والأمر من وجهة نظر كثير من المراقبين سوف يأخذ بعض الوقت، لكن المواقف حاليا جيدة ومبشرة.
--العلاقات الخليجية الإيرانية: تهدئة وتقارب حذر
حركت المصالحة الخليجية المياه الراكدة بين دول المنطقة ولم يكن مسار العلاقات مع إيران بعيدا عن هذه الأجواء، فكان أبرز أحداث العام على هذا الصعيد جولات المحادثات السعودية الإيرانية التي بدأت منذ أبريل برعاية عراقية، وزيارة مستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد لإيران في 6 ديسمبر، في إطار مساعي تحسين العلاقات مع طهران.
ولأن دول الخليج ليست على مسافة واحدة من إيران، حيث تحافظ عمان والكويت وقطر على علاقات طبيعية معها، في حين أن لدى السعودية والبحرين والإمارات علاقات متوترة مع طهران، لذا استهدفت الجولة الخليجية لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قبيل القمة الخليجية الأخيرة، تنسيق المواقف في عدد من الملفات، وعلى رأسها الملف الإيراني.
كما كان لافتا إشارة البيان الختامي للقمة إلى تطلع دول الخليج إلى "أن يكون للإدارة الإيرانية الجديدة دور إيجابي في العمل على ما من شأنه تخفيف حدة التوتر وبناء الثقة بين مجلس التعاون وإيران"، وتأكيده على "ضرورة مشاركة دول المجلس في أي مفاوضات مع إيران" إقليميا ودوليا.
ويعتقد رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية الدكتور محمد محسن أبو النور أن السمة الأساسية للعلاقات الإيرانية الخليجية في الظرف الراهن هي التهدئة النابعة عن توتر، فبعد أن عانت لفترات طويلة منذ العام 2016، بدأت الأجواء الآن تشهد شكلا من الهدوء الحذر نوعا ما بين الجانبين لاعتبارات كثيرة أمنية واستراتيجية.
وأضاف أبو النور أن الكويت تسلمت زمام المبادرة لتقريب وجهات النظر مع إيران بعد خفوت الدور العماني إثر وفاة السلطان قابوس بن سعيد، ثم رأينا تهدئة إعلامية وانخراطا إماراتيا سعوديا في مباحثات جادة مع طهران بالتزامن مع انطلاق مفاوضات فيينا لإحياء الاتفاق النووي الموقع العام 2015.
وما تزال دول الخليج خارج أي مفاوضات بشأن هذا الاتفاق الذي ترى أنه لا يحميها بشكل كاف من تطوير إيران لقدراتها النووية والصاروخية ومن أنشطتها الإقليمية، ويؤكد أبو النور أن هذه المفاوضات سيكون لها أثر هائل على الأوضاع الأمنية في الخليج، لأن إيران إن خرجت من المفاوضات دون تعديل بنود الاتفاق فمعنى ذلك أنها ستمتلك السلاح النووي بشكل قانوني العام 2025.
وتوقع أن تشهد المنطقة مزيدا من الانفتاح الخليجي على إيران بل وتلبية بعض مطالب طهران نوعا ما في الفترة المقبلة إذا نجحت إيران في استخلاص مواقف استراتيجية من مفاوضات فيينا، ولذلك تنصب جهود الإدارة الأمريكية على تعديل بنود الاتفاق وإدراج الدور الإيراني الإقليمي في أي تسوية تلبية للرغبة الخليجية.
--العلاقات الخليجية الإسرائيلية: تطور لافت
انطلق قطار التطبيع الخليجي الإسرائيلي العام الماضي بقيادة إماراتية بحرينية ورعاية أمريكية، واستمر التطور اللافت في العلاقات العام الجاري عبر محطات أبرزها افتتاح أول سفارات بين تل أبيب وأبو ظبي والمنامة وتدشين رحلات مباشرة وتوقيع اتفاقيات في عدة مجالات والزيارات "التاريخية" لوزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد ورئيس الوزراء نفتالي بينيت للبحرين والإمارات على التوالي.
وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ومدير وحدة الدراسات الإسرائيلية بالمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط الدكتور طارق فهمي إن العلاقات الخليجية الإسرائيلية تشهد تطورا إيجابيا كبيرا حتى قبل إبرام الإمارات والبحرين لاتفاق "أبراهام"، وتطبيع البلدين يمهد بالتأكيد لتطبيع أوسع بين إسرائيل وباقي دول الخليج.
وأوضح فهمي أن هناك دولا مستهدفة للتطبيع على رأسها السعودية لما لها من ثقل إسلامي وسياسي كبير، وهناك قطر التي لها علاقات جيدة مع إسرائيل وإن بدون تمثيل دبلوماسي، وسلطنة عمان التي تربطها علاقات وطيدة بتل أبيب منذ زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، أما الكويت فما تزال تغرد خارج هذا السرب.
وهناك دوافع لهذه الديناميكيات الإقليمية المتغيرة، لعل من بينها فرضية أن العلاقة مع واشنطن تمر عبر إسرائيل، والتحوط من تراجع الالتزام الأمريكي بالخليج، والمخاوف الخليجية الإسرائيلية المشتركة بشأن إيران وأنشطتها النووية والتوسعية ورؤية إسرائيل كقوة إقليمية قادرة على مواجهة هذا الخطر.
وأكد فهمي أن هناك مصالح مشتركة تجمع إسرائيل ودول الخليج في مواجهة التهديدات الإيرانية، وأن العلاقات قائمة الآن على فكرة الشراكة وتبادل المصالح لاسيما وأن إسرائيل باتت عضوا في التحالف الدولي الذي يواجه التهديدات الإقليمية مثل إيران.
واتفق الدكتور أمير بوحبوط المحلل العسكري لموقع (والا) الاخباري الإسرائيلي مع أن العلاقات بين الجانبين تقوم على مصالح مشتركة، وقال إنه لاشك في أنه على خلفية اتفاقيات (أبراهام) نرى كيف تتكامل مصالح إسرائيل مع دول الخليج، وقبل كل شيء ولعل أحدها هو التهديد الإيراني، ولا تقتصر محاولات إيران على دفع المشروع النووي وجهودها الكبيرة في ذلك فحسب، بل إنها بالتأكيد محرك للتمويل المباشر ضد دول الخليج والمنطقة وتقويض الاستقرار، هذا جزء من استراتيجية إيران من خلال الحرس الثوري.
وأضاف فهمي "توجد عملية تطبيع كاملة وواضحة لها نتائج إيجابية وسيكون لها تأثير، والإمارات سيكون لها دور كبير في دفع الدول الأخرى لتحذو حذوها، لكن الحالة السعودية مختلفة شكلا ومضمونا لأن المملكة لديها اتصالاتها لكنها ما تزال رافضة لأي تعامل مع إسرائيل مالم تلتزم الأخيرة بمبادرة السلام العربية".
ورأى أنه بصرف النظر عن تباين المواقف الشعبية والسياسية، إلا أن هناك تيارا قويا داخل الدول العربية يؤيد التحركات الراهنة مع إسرائيل لمواجهة التمدد الإيراني وهناك استعدادات عالية وتنسيق بين أمريكا وإسرائيل في هذا الإطار مع قرب وصول إيران للعتبة النووية.
وخلص فهمي إلى أن مستقبل العلاقات الخليجية الإسرائيلية جيد، وهناك سيناريوهان حسب توقعه، الأول أن تدفع الإمارات والبحرين دولا أخرى للتطبيع في العام 2022 وهذا الأقرب، والثاني أن تتغير الأمور في حال حدثت مواجهة إسرائيلية إيرانية لأن ذلك سيكون له تأثيرات سلبية على الأمن الإقليمي وستتأثر العلاقات العربية الإسرائيلية في هذا السياق.
وإجمالا، فما بين عام مودع وآخر يقترب يسود الترقب لما يمكن أن تسفر عنه هذه الديناميكيات وتصل إليه مسارات العلاقات، وقدرة جميع الأطراف على طي صفحة الماضي ورسم ملامح التحالفات القادمة لإيجاد الصيغة الملائمة لمعادلة توازن القوى وتحقيق الاستقرار في المنطقة.