تقترب السنة الأولى من إدارة الرئيس الأمريكي بايدن من نهايتها، وقد شهدت الأشهر القليلة الأولى من إدارة بايدن قلب في صورة الولايات المتحدة، لكن التراجع الرهيب اللاحق للولايات المتحدة في أفغانستان كشف عن قدرات السيطرة العالمية لإدارة بايدن. وليست المشاكل في الاستراتيجية في أفغانستان والشرق الأوسط فحسب، وإنما تسبب تحالف "اوكوس" الثلاثي بين الولايات المتحدة واستراليا وبريطانيا للتعاون في منطقة المحيطين الهندي والهادي في حدوث خلاف بين الولايات المتحدة وأوروبا أيضاً. وفيما يتعلق بالعلاقات مع الصين وروسيا، فشلت إدارة بايدن أيضًا في تغيير الوضع، حيث لم يتم حل العديد من المشاكل الداخلية، وبعضها أسوأ. لماذا لا تمتلك أمريكا استراتيجية عالمية حقيقية؟
يعتقد تشن بينغ باحث أول في معهد الصين للأبحاث بجامعة فودان، أن الولايات المتحدة في الواقع ليست جيدة في الاستراتيجية العالمية، الشيء الوحيد الذي تؤمن به هو "توازن القوى". وإن أي اتفاق دبلوماسي يتم التوصل إليه مع الولايات المتحدة قد يكون غير موثوق به اليوم، حيث أن عدم التطور الاقتصادي المحلي والقدرات الدفاعية الوطنية، والعلوم والتكنولوجيا، قد يجعل من الصعب تبنى موقفًا متبادلًا في الدبلوماسية، وتقديم تنازلات وإظهار نقاط الضعف مقابل ما يمكن أن تفعله الولايات المتحدة، وهذا مستحيل.
لماذا الولايات المتحدة ليس لديها استراتيجية عالمية حقيقية؟
أولاً،الولايات المتحدة لديها هدف التوسع، لكنها لم تفكر أبدًا في الاستراتيجية، بسبب عدم مواجهتها لخصم حقيقي قبل نهوضها. ومن وجهة نظر جيوسياسية، تتمتع الولايات المتحدة بميزة فريدة للغاية، فمنذ تأسيسها، لم يكن هناك أبدًا خصم قوي حقًا لها. وهل كان ممكناً للولايات المتحدة أن تحافظ على هذا النهج لو كانت الدولة المجاورة في الشمال روسيا وليست كندا والمنافس في الجنوب الصين وليس المكسيك؟ ولم يكن لدى بريطانيا، المنافس السابق في التاريخ الأمريكي، القوة الكافية للتدخل في استقلال مستعمرات أمريكا الشمالية لأن طاقتها الرئيسية كانت محاصرة في الهيمنة الأوروبية في ذلك الوقت.
ومن حيث الاستراتيجية، فإن الولايات المتحدة أقل بكثير من "فرق تسد" البريطانية، ولا يمكن مقارنتها ببصيرة بطرس الأكبر في البحث عن منافذ البحر من الشرق والغرب، لأن الولايات المتحدة ليس لديها صعوبة في الوصول الى البحر، وليس هناك دافع للتفكير في هذه المسألة. كما ليس لدى الولايات المتحدة الحاجة الملحة للوقوع بين القوى العظمى مثل ألمانيا، حيث لديها المحيطان المجاوران لها يعزلان الخصم. لذلك، فإن ما تقدره الولايات المتحدة هو "القوة" فقط، إنها تلعب "توازن القوى"، وتلتزم ب"عدو العدو هو صديق".
عندما تتمتع الولايات المتحدة بقدرة قوية على السيطرة على الوضع، فلا يزال بإمكان واشنطن السيطرة على اللعبة. ولكن عندما تقلصت قدرتها على السيطرة تدريجيًا، تخلق "خصوم" جدد باستمرار. وإن العديد من "أعداء" الولايات المتحدة هم حلفاء ترعاهم الولايات المتحدة للتعامل مع خصم آخر. أولاً، تريد الدول المدعومة أن تكون مستقلة وغير راغبة في أن تسيطر عليها الولايات المتحدة بعد أن أصبحت أقوى، لذلك أصبح حلفاؤها "أعداء" جدد وأقوى للولايات المتحدة. ومثال عن ذلك الشرق الأوسط، فقد مر كل من العراق وإيران ومصر، بهذه التجربة. حيث أن تاريخ التفاعل بين الولايات المتحدة والدول الأخرى لم يكن أبدًا "سلامًا يستفيد منه كلاهما"، وأنها لعبة غير متكافئة تجبر الدول الأخرى على أن تكون تحت سيطرتها، وتحافظ الولايات المتحدة على نظام الهيمنة الخاص بها. كيف تحقق هذه السيطرة؟ بالإضافة إلى التدخل العسكري، فإن الطريقتين الأكثر استخدامًا في الولايات المتحدة هما الاقتصاد والتمويل.
ثانيًا، من السهل الوقوع في "المعارضة من أجل المعارضة"، فالنظام الأمريكي يقرر أنه من الصعب إطلاق استراتيجية طويلة المدى. وتعتبر الولايات المتحدة بلد رئاسي، لكن الحزب السياسي الذي ينتمي إليه الرئيس لا يتمتع بالضرورة بميزة الأغلبية التي يتمتع بها الكونغرس. علاوة على ذلك، لا يوجد في الولايات المتحدة الكثير من الأحزاب السياسية مثل الدول الأوروبية، وبصرف النظر عن الحزبين الجمهوري والديموقراطي، يصعب على الطرف الثالث الحصول على موطئ قدم. وغالبا ما تكون المنافسة بين الحزبين غير عقلانية ويعارضونها من أجل المعارضة. على سبيل المثال، اعترف الحزب الجمهوري ببناء البنية التحتية خلال إدارة ترامب، لكن المشرعين الديمقراطيين المعارضين يعارضونه. كما اقترح الحزب الديمقراطي بعد وصول بايدن إلى السلطة، الترويج لخطة البنية التحتية، ويعارضها الحزب الجمهوري. إن كل شيء يبدأ من مصلحة الحزب والغرض من الانتخابات.
ثالثا، عوامل متعددة جعلت الاستراتيجية الدبلوماسية الأمريكية مدمرة بشكل متزايد. في الماضي، كان الترشح للرئاسة أو البرلمان في الدول الغربية مثل الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، وما إلى ذلك، دون درجة عالية من التعليم، والبلاغة الجيدة، والسيرة الذاتية الممتازة، يجعل فرص الحصول على أصوات الناس العاديين ضئيلة للغاية. ومع ذلك، فإن انتخابات اليوم في الولايات المتحدة هي عكس ذلك تمامًا. حيث غالبًا ما تكون موضوعات الانتخابات المحلية في الولايات المتحدة غير قابلة للتفسير، وفي الغالب ينتخب أشخاص يجيدون الحديث. ولا يقارنون بعضهم البعض من حيث امتلاك البصيرة وإنجازات سياسية أكثر، وإنما تبادل فضائح بعضهم البعض. وهذا يجعل بعض الأشخاص القادرين حقًا وذوي البصيرة يترددون في الترشح، ولا تريد القفز إلى حوض الصبغة الكبير هذا.
بالإضافة إلى ذلك، يعامل المعلمون في المدارس العامة في الولايات المتحدة اليوم، الطلاب كعملاء، ويمكنهم مدح أداء الطلاب فقط، بغض النظر عن كونه جيدًا أو سيئًا، دون انتقاده. لذلك، فإن التعليم الأساسي في الولايات المتحدة آخذ الانحدار، ويعاني الكثير من الناس عند إقناع الطلاب بضعف البصيرة، والافتقار إلى المواهب الحقيقية. لهذا السبب، هناك المزيد من الأشخاص المعادين للعلم والمعادين للنخبة في قاع المجتمع الأمريكي. وفي ظل التأثير المشترك للنظام الانتخابي الديمقراطي على الطريقة الأمريكية، فإن هذا يعيق الدبلوماسية الأمريكية عن التركيز على المنظور طويل المدى واستخلاص الدروس من التاريخ. وحتى لو تمكن بعض الاقتصاديين والعلماء السياسيين والاستراتيجيين البارزين في الولايات المتحدة من دخول مجلس الوزراء، لكن معظم السياسيين الموجودين في السلطة مغرورون وعنيدون، مما يؤدي إلى مشكلة استراتيجية دبلوماسية أمريكية.