أعلن إيران يوم 19 يونيو الجاري فوز إبراهيم رئيسي بالانتخابات الرئاسية، منهياً حكم الحكومة المعتدلة التي استمرت ثماني سنوات. وفي إسرائيل، نجح "التحالف المناهض لنتنياهو" يوم 13 يونيو، في تشكيل حكومة وإنهاء حكومة إسرائيل اليمينية التي استمرت 12 عامًا. ومنذ بداية العام، قامت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بتعديل سياساتهما بهدوء، واتصلتا بإيران بشكل شبه علني، إلى جانب انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط للمرة الثانية هذا العام، وتظهر هذه المؤشرات المتناثرة على تأثر العوامل الإقليمية والدولية بشكل متبادل، وبدأت التغييرات التاريخية تختمر في الشرق الأوسط.
التغيرات الأربعة الاساسية
في السنوات الأخيرة، أظهرت العوامل الأربعة طويلة المدى التي انغمست في سياسات الشرق الأوسط، بما في ذلك الإسلاموية، والثروة النفطية، والتهديدات الإسرائيلية، والتدخل الأمريكي، تغييرات واضحة، وقد يخضع الوضع السياسي في الشرق الأوسط لتعديلات كبيرة.
تعتبر العلاقة العربية ـ الإسرائيلية التناقض الاساسي في الشرق الأوسط. وفي نهاية عام 2020، أبرمت الإمارات والبحرين والمغرب والسودان اتفاقيات تطبيع العلاقات مع إسرائيل على التوالي، ومن المحتمل أن تقيم المزيد من الدول العربية علاقات دبلوماسية مع إسرائيل في المستقبل. وستؤدي التغييرات في العلاقات العربية الإسرائيلية إلى إفساح المجال أمام إعادة تنظيم العلاقات الدولية في الشرق الأوسط.
الإسلام هو جين المجتمع العربي ولطالما أثر في البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية للشرق الأوسط. وقد كانت الفترة من 1970 إلى 2010 فترة تصاعد فيها الإسلام السياسي في الشرق الأوسط، ولكن بعد "الربيع العربي" لم يحقق أي من الأحزاب الإسلامية المعتدلة التأثير المتوقع على مستوى الحكم، مما أثر بشدة على ثقة الجمهور في الأحزاب الإسلامية. واستخدمت "الدولة الإسلامية" منهج الإرهاب باسم الإسلام، كما أساءت إلى سمعة الإسلام السياسي. وربما يكون تراجع الإسلاموية قد حرر الإصلاحات السياسية والاقتصادية للدول العربية من عبء تاريخي ثقيل.
لقد ارتبط مصير الشرق الأوسط ارتباطًا وثيقًا بالنفط في المائة عام الماضية. وتضاءلت الأهمية الاستراتيجية للنفط في السنوات الأخيرة، مع التقدم المستمر لثورة الطاقة الدولية. وتستمر حصة النفط في الاستهلاك العالمي للطاقة في الانخفاض، كما أن أهمية نفط الشرق الأوسط في سوق النفط العالمية أقل من ذي قبل. وازداد الضغط من أجل إصلاحات حقيقية وشاملة بشكل حاد بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط.
وكانت الولايات المتحدة أقوى قوة تدخل خارجي في الشرق الأوسط منذ الحرب العالمية الثانية، ودخلت فترة من الانكماش الاستراتيجي في المنطقة مع انسحاب قوتها من العراق في عام 2011، مما قد يقلب توازن القوى الإقليمي القديم، وغالبًا ما تكون استعادة التوازن مليئة بالمخاطر والاضطرابات.
يعتقد نيو شين تشون، مدير معهد الشرق الأوسط التابع لمعهد الصين للعلاقات الدولية الحديثة، أن التغييرات الأربعة الرئيسية تردد نفس الصدى، وقد يكون هذا حقبة من الفوضى الكبرى، أو حقبة من التغييرات الكبرى، أو كليهما معاً، ويعتبر هذا تحدي وفرصة في نفس الوقت. وإن التغيرات التاريخية الكبيرة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط ستحدد الى حد كبير مصير دول وشعوب المنطقة بعد تراجع نفوذ الولايات المتحدة وإسرائيل والدين والنفط.
المهام الثلاث الرئيسية
يعتقد نيو شين تشون أنه من الطبيعي أن تلعب الصين دورًا أكثر إيجابية في الشرق الأوسط مع زيادة نفوذها وتأثير الشرق الأوسط للأخير.
أولاً، مساعدة منطقة الشرق الأوسط في بناء آليته الأمنية الإقليمية
الشرق الأوسط هو المنطقة الوحيدة في العالم التي ليس لديها أي آلية أمنية إقليمية، ولطالما كانت الولايات المتحدة مركز آلية الأمن في المنطقة، كما يعتمد أمن دول هذه المنطقة الى حد كبير على علاقاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة. وقد زادت ضرورة وجدوى بناء آلية أمنية إقليمية مع استمرار تقدم الانكماش الاستراتيجي للولايات المتحدة. وإن تحسن العلاقات العربية الإسرائيلية، واستئناف الاتصالات بين السعودية والإمارات مع إيران، واستئناف المحادثات بشأن الاتفاق النووي الإيراني، كلها مؤشرات إيجابية. ومنذ نهاية عام 2019، اقترحت روسيا والصين والولايات المتحدة على التوالي بناء منصة حوار متعددة الأطراف في منطقة الخليج، مما يشير إلى أن إجماع المجتمع الدولي آخذ في الازدياد. وإن اتجاه تحقيق السلام في الشرق الأوسط يستحق السعي من أجله، على الرغم من أنه لم يكن أبدًا مهمة سهلة.
ثانياً، مساعدة الدول العربية في إصلاحاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة
بعد فشل “الربيع العربي"، وتراجع لـ "الإسلاموية"، لم تختفي الصعوبات التي تواجهها الدول العربية، ولا تزال البلدان بحاجة إلى مواصلة استكشاف مسارات التنمية التي تناسب ظروفها الوطنية. وفي السنوات الأربعين الماضية، اكتسبت الصين خبرة غنية في مجال الإصلاح والتنمية. وفي المستقبل، لا تحتاج الصين والدول العربية إلى مواصلة تعزيز التعاون الاقتصادي في المستقبل فحسب، بل يتعين عليها أيضًا التواصل مع بعضها البعض، والتعلم من خبرات كل منهما في الحوكمة والإدارة، ودعم كل منهما الآخر في مسارات الإصلاح والتنمية الخاصة بهما.
ثالثًا، معارضة الهيمنة بشكل مشترك وجعل منطقة الشرق الأوسط ملك شعوبها
لقد كان التدخل الأجنبي دائمًا أحد مصادر الاضطرابات والمعاناة الشرق الأوسط عبر التاريخ الطويل. واليوم، يؤكد فريدمان، كاتب العمود في صحيفة نيويورك تايمز، أن عصر القوى العظمى التي تحدد مصير الشرق الأوسط قد انتهى، بينما تستمر استراتيجية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط في الانكماش. ومع ذلك، لم يتبدد ضباب الهيمنة، ولا تزال الولايات المتحدة تشير بأصابع الاتهام إلى حالة حقوق الإنسان والنظام السياسي والهيكل الاقتصادي لدول الشرق الأوسط، وتصنف بشكل تعسفي الوكالات الحكومية لدول الشرق الأوسط على أنها "منظمات إرهابية". وإن معارضة هذه الممارسات لا تؤدي إلى السلام والاستقرار في الشرق الأوسط فحسب، ولكنها تتوافق مع المصالح السياسية الدولية للصين أيضًا.