بكين 16 ديسمبر 2020 (شينخوا) صار عام 2020 معروفا بكوفيد-19، وهي جائحة لا تحدث إلا مرة واحدة في قرن من الزمان وقد تسببت في قدر يتعذر فهمه من الخسائر البشرية.
وفي مواجهة أحد أخطر تحديات الصحة العامة في التاريخ الحديث، أدركت البلدان في جميع أنحاء العالم أنها تتشارك مستقبلا مشتركا ويجب أن تتكاتف في بناء مجتمع عالمي للصحة البشرية.
-- جائحة لم يُشهد لها مثيل منذ قرن
في 30 يناير أعلنت منظمة الصحة العالمية أن تفشي مرض فيروس كورونا الجديد يمثل حالة طوارئ صحية عامة تثير قلقا دوليا، وهو أعلى مستوى من الإنذار تصدره المنظمة. وفي الأسابيع الستة التالية، ارتفع عدد حالات الإصابة العالمية من أقل من 10 آلاف إلى 120 ألفا. وفي 11 مارس، وصف المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس تفشي المرض بأنه "جائحة".
إن كوفيد-19 ليس أول جائحة تواجهها البشرية. فقد قتل الطاعون الأسود من عام 1347 إلى عام 1351 ما يقرب من ثلث سكان أوروبا، فيما أصابت جائحة الإنفلونزا عام 1918 حوالي ثلث سكان الكوكب، ما أسفر عن مقتل الكثير من الناس بسرعة كبيرة لدرجة تكدس معها الجثث في المشارح المؤقتة.
ومع ذلك، لا يمكن لأحد أن يتخيل أن تؤدي جائحة في القرن الــ21 إلى خسائر فادحة في الأرواح البشرية.
ووفقا لبيانات منظمة الصحة العالمية، وصل مرض فيروس كورونا الجديد إلى جميع البلدان تقريبا، ما أدى إلى إصابة أكثر من 70 مليون شخص ووفاة 1.6 مليون.
مقارنة بالعديد من الجوائح السابقة، فإن صعوبة إيقاف كوفيد-19 ترجع جزئيا إلى الانتقال الخفي للعامل الممرض القاتل. ولا يزال الجانب العلمي وراء ما يجعل مرض فيروس كورونا الجديد مميتا وتصعب هزيمته غير مفهوم تماما. وتشكل كيفية تحقيق التوازن بين إنقاذ الأرواح وتطوير الاقتصاد تحديا آخر لواضعي السياسات في جميع أنحاء العالم.
ومن ناحية أخرى، فإن الساسة في بعض البلدان يجعلون التعاون العالمي، الذي يعد أمرا ضروريا لاحتواء الجائحة، أكثر صعوبة من خلال نشر معلومات مضللة حول كوفيد-19 وإلقاء اللوم على الآخرين بسبب سوء تعاملهم مع تفشي المرض.
-- ضوء في نهاية النفق
بالعودة إلى أوائل شهر مارس ، قال تيدروس إنه يعتقد أن مرض فيروس كورونا الجديد "سيكون أول جائحة في التاريخ يمكن السيطرة عليها". بعد تسعة أشهر، وعلى الرغم من اختلاف الجهود المبذولة للسيطرة على الجائحة في جميع أنحاء العالم، تظل كلمات رئيس منظمة الصحة العالمية ذات أهمية.
وذلك لأن البشرية، على عكس الماضي، تحركت بسرعة لفهم الجائحة والعامل الممرض، واتخذت تدابير وقائية للحد من انتشار الفيروس، وحققت تقدما سريعا في أبحاث الأدوية واللقاحات، خاصة في تطوير اللقاحات، وهو الأمر الذي قال تيدروس إنه، يعد بمثابة "ضوء في نهاية النفق".
فعلى عكس العقود السابقة، أدى التطور السريع لتحديد تسلسل الجينوم وغيره من التقنيات إلى تسريع عملية فك شفرة الجينوم الخاص بالفيروسات غير المعروفة.
فقد استغرق الأمر من الصين أسبوعا فقط لعزل سلالة فيروس كورونا الجديد التي تسببت في المرض بعد اكتشاف تفشي المرض، وثلاثة أيام فقط للانتهاء من التطوير الأول لمجموعة اختبار بعد فصل العامل الممرض.
وفي أقرب فرصة، تقاسمت الصين تسلسل الجينوم الكامل للفيروس مع العالم، ما وفر أساسا قويا لعلماء العالم لتطوير الأدوية واللقاحات وأساليب التشخيص.
وبالإضافة إلى ذلك، تبنت العديد من البلدان تدريجيا التدابير الصحيحة اللازمة للسيطرة على كوفيد-19، بما في ذلك ارتداء الكمامات، وتحقيق التباعد الاجتماعي، والكشف السريع للحالات، وإجراء عملية الاستقصاء وعزل الحالات، وتطبيق الإغلاق الجماعي عند الضرورة.
ومن ناحية أخرى، يتم إحراز تقدم بسرعة غير مسبوقة في تطوير الأدوية واللقاحات. فقد قامت منظمة الصحة العالمية على الفور بتعبئة الخبراء في جميع أنحاء العالم لوضع خارطة طريق بحثية عالمية منسقة وتحديد أولويات البحث. وحول خارطة الطريق، انتقل الباحثون إلى استخدام الأدوية الموجودة وتجربة أدوية جديدة، كما جذب الطب الصيني التقليدي الانتباه.
جدير بالذكر أن باحثين من الصين وأوروبا والولايات المتحدة وأجزاء أخرى من العالم طوروا لقاحات متعددة مرشحة.
وفي الآونة الأخيرة، وافقت الإمارات العربية المتحدة والبحرين على تسجيل لقاح كوفيد-19 الذي طورته المجموعة الوطنية الصينية للصناعات الدوائية، أو ((سينوفارم))، فيما منحت بريطانيا والولايات المتحدة ترخيص الاستخدام في حالات الطوارئ للقاح طورته شركتا ((فايزر)) و((بيونتيك)). وأصدرت دول مثل فرنسا ورومانيا والبرتغال والمكسيك إستراتيجيات تطعيم، كما أطلقت روسيا وبريطانيا والولايات المتحدة حملات تطعيم واسعة النطاق.
وقال ريتشارد هورتون، رئيس تحرير المجلة ((ذا لانسيت )) الطبية الرائدة، "لقد رأيت العديد من الجوائح، والعديد من حالات الطوارئ الإنسانية حول العالم. ولم أر أبدا مجتمع الأبحاث العالمي يستجيب بهذه السرعة".
-- دروس مستفادة من الجائحة
لقد عانت البشرية الكثير من الجوائح عبر التاريخ، وتعلمت الكثير خلال عملية مكافحتها. لفت الطاعون الأسود انتباه الناس إلى أهمية النظافة الحضرية. ودفع تفشي وباء الكوليرا في القرن الـ19 إلى وضع خطط جماعية لإعادة تطوير المناطق الحضرية. وعلمت إنفلونزا عام 1918 الناس أهمية التدخل في مجال الصحة العامة والوقاية من الأمراض.
إذن، ما الدروس، التي يمكننا استخلاصها من كوفيد-19؟
أولا، التضامن والتعاون هما أقوى سلاح لمكافحة الجائحة. والفيروسات لا تعرف الحدود والتفشي لا يعرف عرقا. وإنه فقط من خلال الوحدة يمكن للمجتمع الدولي أن ينتصر على كوفيد-19.
كما قال تيدروس في أغسطس "لن يكون أحد في أمان حتى يصبح الجميع في أمان". وطوال فترة الجائحة، قدمت العديد من البلدان الدعم لبعضها البعض بأشكال مختلفة بروح من التضامن لمكافحة الفيروس.
ثانيا، يجب على الدول الكبرى أن تلعب دورا نموذجيا وأن تظهر مسؤوليتها من خلال توفير المزيد من المنافع العامة العالمية.
منذ تفشي المرض، لم تبذل الصين جهودا هائلة لاحتواء انتشار الفيروس في الداخل فحسب، بل قدمت أيضا مساعدات إنسانية لأكثر من 150 دولة وتسع منظمات دولية، وأرسلت 36 فريقا طبيا إلى 34 دولة محتاجة لذلك.
ومن ناحية أخرى، أوضحت بكين مرارا أنه بمجرد تطوير لقاح كوفيد-19 واستخدامه في الصين، فإنه سيصبح منفعة عامة عالمية.
ثالثا، تلعب الثقة في العلم دورا حاسما في إنهاء الجائحة. فعلى مر التاريخ، كان الابتكار العلمي والتكنولوجي جزءا رئيسيا في انتصار الإنسان على الكوارث الطبيعية والأوبئة.
وفي مواجهة فيروس غير معروف، اتجهت الصين والعديد من البلدان الأخرى إلى العلماء للحصول على المعلومات والمشورة. ومع ذلك، اختارت بعض البلدان بدلا من ذلك السعي وراء الأولويات السياسية، وفوتت فرصة ترويض الجائحة.
رابعا، يجب أن يكون الحفاظ على الأرواح أولوية قصوى حال حدوث جائحة. فأحد الأسباب المهمة التي مكنت الصين من السيطرة على تفشي المرض بسرعة وفعالية هو التزامها بفلسفة وضع حياة الناس في مقدمة ومركز في مكافحة كوفيد-19.
نظرا لاختلاف الظروف الوطنية المختلفة، قد تستجيب البلدان بطرق مختلفة للفيروس القاتل، ولكن الحفاظ على حياة الناس وصحتهم يجب أن يكون دائما نقطة البداية لجميع البلدان في معركة الجائحة هذه.
إذا عملنا بشكل منفرد، سنخسر. وإذا عملنا معا، سنفوز. مرض كوفيد-19 لم ينته. ولن يكون الجائحة الأخيرة. ولكن ما دامت البلدان تضع حياة الناس أولا وتتكاتف، فإنها ستنتصر على فيروس كورونا الجديد والأزمات الصحية الأخرى القادمة.