خرجت آلة الدرع "جينغهوا" صينية الصنع في 27 سبتمبر الماضي، من خط التجميع بإحدى المصانع الواقعة بمدينة تشانغشا بمقاطعة هونان. ويبلغ طول الآلة 150 مترًا، ووزنها الإجمالي 4300 طن، وبقطر حفر أقصى يبلغ 16.07 مترًا. حيث يمكنها حفر نفق بارتفاع حوالي 6 طوابق بناء في عملية واحدة. وبعد يوم واحد فقط، في 29 سبتمبر، خرجت آلة الدرع رقم" 1000" من خط التجميع في مدينة تشنغتشو بمقاطعة خهنان، والتي طورتها الشركة الصينية للسكك الحديدية. حيث أنتجت الشركة المذكورة 1000 مكنة من هذا النوع، خلال 12 عاما فقط. ويسمي البعض آلة الدرع "حاملة الطائرات الأرضية"، ويطلق عليها البعض اسم "ملك آلات البناء". يذكر أن آلة الدرع تعد واحدة من الاختراعات التقنية الصعبة، والتي طالما احتكرت بعض الدول المتقدمة صناعتها. وقد تمكنت الصين بعد جهود مستمرّة من اكتساب القدرات الذاتية الكاملة، لتصنيع هذه الآلة محلّيا.
خلال التسعينيات للقرن الماضي، كانت الصين تعتمد على الاستيراد بشكل كامل تقريبا للتزود بهذا النوع من الآلات المعقدة. حيث كانت تلبي أكثر من 90 % من حاجياتها من الشركات الألمانية واليابانية والأمريكية. ومن أجل بناء نفق تشينغ لينغ، على سكة حديد شيكانغ، أنفقت الصين 700 مليون يوان لاستيراد آلتين من ألمانيا. وبسبب احتكار التكنولوجيا، كان موقف المزودين من الشركات الصينية لا يقبل المساومة السعرية، خذ أو اترك! غير أن الشركات الصينية، لم تواجه غلاء أسعار الشراء فحسب، بل وكذلك التكاليف الباهظة لخدمات ما بعد البيع. حيث كان الخبراء الأجانب في ذلك الوقت، يطلبون من 600 إلى 800 يورو في الساعة لإصلاح الآلة. كما كانوا يضعون خطوط الانذار حولهم لمنع الصينيين من مشاهدة عملة الاصلاح.
وبالتزامن مع النمو السريع للاقتصاد الصيني، والتطور الكبير لمشاريع البنية التحتية، الأمر الذي أسهم في ازدياد الطلب على آلات الدرع؛ كانت عمليات التزويد بالمعدات الرئيسية مقيدة من قبل الشركات المنتجة، مما يؤدي في حالات كثيرة لتوقف المشاريع. وقد دفعت هذه "المعاناة " الصينيين إلى التصميم على صناعة هذه الآلة، مهما كلف الأمر.
وبفضل تحسن البحث العلمي في الصين، مع بداية القرن الجديد، تم إدراج تطوير ماكينات الدرع في المشروع الخاص "863"، إلى جانب ادراجه في قائمة 16 مشروع رئيسي للبحث العلمي. وبدعم من الصناديق الخاصة الوطنية وغيرها من أشكال الدعم، بدأت العديد من الشركات المحلية في تصميم وتصنيع آلات الدرع من مستوى التقنيات الأساسية إلى مستوى التطبيق العملي. وعملت معاهد البحوث الصينية والشركات ذات الصلة معًا لكسر هذا العظم الصلب.
وبعد كسر الاحتكار التكنولوجي، كانت الخطوة التالية هي كسر احتكار السوق. حيث طرحت الشركات الصينية المنتجة لآلة الدرع منتجاتها بسعر أقل بـ 40% من سعر السوق للآلات الأجنبية المنافسة. إلى جانب ذلك، طرحها لأول درع في شكل حدوة حصان في العالم، وأكبر درع مستطيل في العالم، وأول درع مغناطيسي دائم في العالم. وتعمل الشركات المصنعة الصينية بشكل مستمر وسريع على ترقية منتجاتها، وتمكنت من تحقيق عدة أرقام قياسية عالمية. وإضافة إلى أن آلات الدرع المنتجة محليًا تمثل 90٪ من حصة السوق المحلية، يتم تصديرها أيضًا إلى العديد من البلدان، حيث تحتل ثلثي السوق العالمية.
وقد مثلت آلة الدرع احدى المحاولات الصينية الناجحة في كسر احتكار التكنولوجيا، اعتمادا على المزايا الوطنية والجهود الدؤوبة التي يبذلها عدد هائل من الباحثين من أجل تحقيق الاختراقات التكنولوجية، وامتلاك الصين للتكنولوجيا الصناعية الملحة.