أعلن الرئيس الأمريكي ترامب في الشهر الماضي بأنه سيتوقف عن تمويل منظمة الصحة العالمية، والسبب المزعوم أن هذه المنظمة تنحاز إلى الصين وتخرب عملية مكافحة فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19). وقبل بضعة أسابيع، عمل على توجيه الإتهامات لهذه المنظمة باستمرار، محاولا تبرأة حكومته من الفشل في إدارة هذه الأزمة.
وبصفتها أحد أكبر مصادر التمويل بالنسبة لمنظمة الصحة العالمية، فإن قطع الإمدادات عنها سيوجه ضربة قوية لعملية مكافحة الوباء على المستوى العالمي. ويعتقد الكثير من الناس أن ما فعلته الولايات المتحدة خلال فترة تفشي الوباء يعتبر عملا سخيفا جدا. من الواضح أن الإدارة الأمريكية يائسة لتسترها على أخطائها الرئيسية خلال عملية مكافحة تفشي الفيروس.
منذ 30 يناير، أعلنت منظمة الصحة العالمية بأنها حالة طوارئ عالمية ويجب اتخاذ كل الإحتياطات والإجراءات اللازمة، وقد أعلنت رسميا بأن الوباء تحول إلى جائحة يوم 11 مارس.
في الواقع، لقد أشاد ترامب بالعمل الجيد لمنظمة الصحة العالمية. حيث أنه في 25 فبراير، غرد قائلا : "إن الولايات المتحدة تسيطر جيدا على فيروس كورونا الجديد وتحتفظ باتصالات وثيقة مع جميع الأطراف والدول ذات الصلة، ويعمل المركز الأمريكي لمكافحة الأمراض ومنظمة الصحة العالمية بكل بجد وبذكاء للغاية. حسب رأيي، بدأت سوق الأسهم في التحسن. "
لكن لماذا تغير فجأة موقف إدارة ترامب تجاه منظمة الصحة العالمية بشكل كبير؟
يرجع السبب إلى استفحال تفشي الوباء في الولايات المتحدة، وقد تعرضت إدارة ترامب لانتقادات شديدة لعدم استجابتها السريعة في مكافحة المرض. لذلك بدأت الإدارة الأمريكية في الخلط بين الخطأ والصواب في محاولة لتحميل الآخرين المسؤولية وإلقاء اللوم عليهم. في غضون ثلاثة أشهر فقط، تجاوز العدد التراكمي للحالات التي تم تشخيصها حديثا للعدوى جراء الفيروس مليون شخص، وتجاوز عدد الوفايات عدد الجنود الأمريكيين الذين قُتلوا في حرب فيتنام. لذلك فإن الحكومة الأمريكية تتعرض إلى ضغوط هائلة وعليها تزييف الحقائق وتحميل الدول الأخرى مسؤولية فشلها في إدارة أزمتها.
تعتبر منظمة الصحة العالمية وصية على الصحة العامة العالمية، ورؤيتها التي تعتمد عليها هي تزويد جميع الناس بأعلى المعايير الصحية الصحيحة. كما أنها تلعب دورا رائدا في المسائل الصحية الرئيسية وتضع آليات للتعاون وترصد الحالات الصحية وتقيّم الإتجاهات الصحية، كما أنها تلعب دورا هاما في الوقاية من تفشي الأمراض ومكافحتها، وأي إجراءات من شأنها تقويض دور هذه المنظمة ستجعل الوضع الحالي المرير أسوأ.
إن الوضع الحالي في الولايات المتحدة مقلق للغاية، لكن ما فعلته إدارة ترامب بالضبط هو الذي تسبب في كوابيس مزعجة وأدى إلى الكثير من الوفايات. في نهاية شهر مارس الماضي، نشرت صحيفة "غلوبل بوسطن" مقالا لاذعا عزت فيه أزمة تفشي الوباء في أمريكا إلى الفشل الكبير في القيادة، يظن أن الإستجابة المتأخرة لإدارة الرئيس ترامب جعلت الوضع الخطير أسوأ، مشيرا: "بعبارة أخرى، فإن أيدي الرئيس ملطخة بالدماء."
كل ما جاء ذكره في وسائل الإعلام الأجنبية المذكورة أعلاه لا تستسيغ الآذان سماعه، لكنها لامست جوهر المشكلة. ومع ذلك لا يمكن لأي تبييض أن يغطي الحقائق ولا يمكن اتهام منظمة الصحة العالمية بارتكاب جرائم بأي شكل من الأشكال: لقد تجاهلت الولايات المتحدة تحذيرات متعددة من وكالات الصحة والإستخبارات خلال الأشهر الماضية وقللت من خطر فيروس كورونا المستجد على أراضيها. في فبراير، أصر الرئيس ترامب علنا على أن عدد الإصابات سينخفض إلى ما يقرب من الصفر في غضون أيام قليلة وستختفي الأزمة بأعجوبة، ومع ذلك، لم تحدث المعجزة وارتفع عدد الإصابات بشكل حاد.
يريد الجميع رؤية تحس الوضع الوبائي في الولايات المتحدة. لكن مهاجمتها لمنظمة الصحة العالمية وإيقاف التمويل عنها هو مجرد لعبة منها للتستر على جوهر المشكلة وإخفائها للفشل الذريع في إدارة الأزمة.