بكين 9 إبريل 2020 (شينخوا) في القرن الـ21 المتسم بمستوى عال من العولمة، يتوقف الانتصار على جائحة فيروس كورونا الجديد على تضامن الشعوب في أنحاء العالم وثقة الناس في القدرة على تطوير التكنولوجيا الحديثة بحكمة الإنسان وبما يخدم البشرية.
فمنذ الـ11 من مارس عندما أعلنت منظمة الصحة العالمية أنه يمكن تصنيف تفشي فيروس كورونا الجديد بأنه "جائحة" وذلك مع انتشار الفيروس بشكل متزايد في جميع أنحاء العالم، سارع علماء ومهندسون في مجال التكنولوجيا المتقدمة، فضلا عن أطباء وخبراء في مجال الصحة، إلى تسريع استخدام الأجهزة الحديثة في مكافحة الفيروس وتسهيل الحياة اليومية للجماهير.
وفي هذا السياق، قال المدير العام للمنظمة تيدروس أدهانوم غيبريسوس "ستكون هناك تحديات في المستقبل ونريد من الجميع القيام بدوره". كما اتفق الجميع على أن أفضل سبيل للتعامل مع هذا الوقت الصعب يكمن في التزام الهدوء والمضي قدما في دفع تطبيق التكنولوجيا الحديثة مع تعزيز تضامن كبار العلماء الدوليين ونبذ التمييز والشكوك والاتهامات المتبادلة بين مختلف الجنسيات.
--"شارلوك هولمز" في التفتيش
خلال مؤتمر صحفي لمنظمة الصحة العالمية عقد الشهر الماضي، صرح بروس أيلوارد، الذي ترأس البعثة المشتركة بين الصين ومنظمة الصحة العالمية بشأن كوفيد-19 وزار مركز الصين للأمراض في ووهان، بأن ما قامت به الصين من "استجابة هائلة عبر الاستعانة بالتكنولوجيا"، بما يتضمنه ذلك من بيانات كبيرة وذكاء اصطناعي وكذا اتصالات ودفع عبر الإنترنت، يلعب بكل محتواه دورا حاسما.
فقد حققت شركات صينية متخصصة في التكنولوجيا اختراقات في تصنيع تجهيزات متقدمة، بدءا من روبوتات التطهير والتفتيش وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي وصفها الناس بـ"شارلوك هولمز"، ومرورا بالجيل الخامس من تكنولوجيا الاتصالات الذي يمكّن الأطباء من تشخيص حالة المرضى عن بعد عبر نظارة الواقع الافتراضي، ووصولا إلى "اقتصاد المنزل" الذي يتطور بسرعة في ظل الأوضاع الجديدة.
ومن أجل تجنب تفشي الفيروس، بذل الباحثون المتخصصون في كشف طريقة انتقال الفيروس قصارى جهدهم للاستفسار بالتفصيل عن مسار مريض خلال الأيام الـ14 التي سبقت اليوم الذي تأكدت فيه إصابته بالفيروس، لإسداء النصح لمن تعاملوا معه أو ركبوا معه نفس الحافلة أو المترو وغيرها من وسائل النقل العام، بضرورة البقاء في الحجر الصحي لمدة لا تقل عن 14 يوما للتأكد من سلامتهم.
وبفضل تكنولوجيا البيانات الكبيرة، نجح الباحثون في مدينة تشونغتشينغ بغرب الصين، في الكشف عن أن مريضا أصيب بالفيروس في حافلة ركبها قبل 3 أيام مع مريض آخر. وجاءت النتيجة التي توصل إليها الباحثون من خلال مراجعتهم لسجلات الحافلات ورسوم بطاقات الأجرة الخاصة بها، لتحديد مكان الشخصين بدقة وتتبع مسار العدوى.
وفي الواقع، أفادت قناة الأعمال الإخبارية التليفزيونية الأمريكية بأنه في دول أخرى مثل كوريا الجنوبية وأسبانيا تُستخدم أيضا الروبوتات في المستشفيات. كما أشار المنتدى الاقتصادي العالمي في تقرير نشر على موقعه إلى أن الدول الآسيوية تشجع على ابتكار تقنيات الذكاء الاصطناعي في خضم مكافحة الفيروس، بخلاف استخدام الروبوتات والطائرات بدون طيار في الخطوط الأمامية، وأيضا استخدام تقنية البيانات الضخمة بطريقة "أكثر واقعية".
-- "جون واطسون" في خدمة المستشفيات
وبالإضافة إلى "شارلوك هولمز"، كانت التقنيات الأكثر جذبا للانتباه هي روبوتات التطهير والتفتيش التي اُستخدمت بشكل متزايد في الخطوط الأمامية خلال معركة الصين ضد تفشي فيروس كورونا الجديد وذلك للحد من مخاطر العدوى العابرة وتحسين الكفاءة. كما إنه بدعم من منصة الذكاء الاصطناعي، يمكن لبعض الروبوتات القيام عن بعد بتقديم الأدوية والطعام وحتى سبل الترفيه للمرضى وأيضا مراقبة علاماتهم الحيوية، لدرجة أن بعض المستخدمين وصفوها بأنها مساعد المفتش "هولمز"، دكتور جون هـ. واطسون.
ومنذ بداية فبراير، بدأ فعليا تشغيل أكثر من 30 من روبوتات التطهير التي صممتها وأنتجتها مؤسسة في شانغهاي، وذلك في المستشفيات الرئيسية بمدينة ووهان، مركز تفشي فيروس كورونا الجديد، لاحتواء انتشار الفيروس. وخلال نفس الشهر، بدأت آلاف الروبوتات مهامها في المستشفيات بجميع أنحاء الصين، ما ساعد بشكل كبير على مكافحة هذا المرض.
ومن جانبه، ذكر بان جينغ الرئيس التنفيذي لشركة ((شانغهاي تميروب)) المصنعة لروبوت التطهير، أن الروبوت الأبيض مزود بوحدة "على رأسه" لرش بيروكسيد الهيدروجين و٩ مصابيح أشعة فوق بنفسجية "في بطنه"، ويمكنه إجراء أشكال متعددة من التطهير في بيئات يتواجد فيها الإنسان والآلة معا. ويستطيع الروبوت، من خلال الاستعانة بتكنولوجيا الملاحة، تجنب أي عقبات في طريقه بشكل تلقائي.
-- الجيل الخامس وأنماط الحياة والعمل
وفي ظل تكنولوجيا الجيل الخامس، يمكن للروبوتات مساعدة الطاقم الطبي على القيام بمهام تشمل الاستشارات والتطهير والتنظيف وإيصال الأدوية. وقد شاركت كل من شركة صناعة الأجهزة الآلية ((كلودميندز)) وفرع شركة ((تشاينا موبايل)) بشانغهاي في تطوير الروبوتات التي تعمل بتكنولوجيا الجيل الخامس وتبرعتا بدفعة أولى منها لإحدى مستشفيات شانغهاي في الشهر الماضي.
كما اُستخدمت في الصين أجهزة لقياس الحرارة من الجيل الخامس للكشف عن أي إصابة محتملة بالحمى، فيما شُوهدت أساور ذكية تعمل بالتزامن مع منصة الذكاء الاصطناعي في أيدي مرضى وعاملين طبيين لمراقبة العلامات الحيوية.
وفي هذا الإطار، ذكرت شركة صينية متخصصة في تصنيع الروبوتات، كانت قد زودت مستشفى ميداني ذكي صيني بأجهزتها، أن "الأطباء وجدوا أن أجهزة الروبوت والأجهزة الذكية مفيدة في مراقبة العلامات الحيوية للمريض عن بعد دون إجراء أي اتصال مباشر، وذلك بفضل الجيل الخامس من الاتصالات".
واستنادا إلى تقنية الجيل الخامس، فإن نوعا من النظم المغناطيسية للأبواب الذكية، تم تطبيقه في مقاطعتي جيانغسو وقوانغدونغ ، قادر على مراقبة حالة أبواب الأسرة التي تحتاج إلى وضعها في الحجر الصحي وتقديم تقرير فوري بذلك إلى العاملين في مجال الخدمة المجتمعية.
كما أجرت العديد من المستشفيات عمليات تشخيص عن بعد وتقاسمت في الوقت المناسب سبل العلاج السريري ونتائج الكشف عن الأحماض النووية لعدد كبير من المرضى مع مؤسسات طبية أخرى من خلال شبكة الجيل الخامس.
وفي أواخر مارس، أصدرت وزارة الصين للصناعة وتكنولوجيا المعلومات تقريرا للتعجيل بتطوير تقنيات الجيل الخامس في مجموعة واسعة من المجالات، مثل تسهيل بناء شبكة الجيل الخامس، وإثراء سيناريوهات تطبيق تكنولوجيا الجيل الخامس، والاستثمار بكثافة في البحث والتطوير لتقنية الجيل الخامس وتعزيز سلامة شبكة الجيل الخامس، وقد رسم ذلك ملامح أنماط الحياة والعمل المستقبلية في الصين وحتى العالم.
وفي الوقت نفسه، أعربت شركات الاتصالات الصينية الكبرى "تشاينا موبايل" و"تشاينا تيليكوم" و"تشاينا يونيكوم" عن عزمها التكاتف معا وتسريع بناء البنية التحتية لشبكة الجيل الخامس.
وعلى نحو مغاير للمخاوف التي تساور البعض بأن زمن العولمة قد انتهى بسبب هذا الفيروس والإجراءات الوقائية المتخذة من قبل الكثير من الدول لمنع انتشاره، فإنه مع سرعة تعمق الترابط والاتصال والتواصل وتقدم التكنولوجيا الحديثة، وبالتعاون المشترك بين دول العالم سيتحقق انتصار البشرية على هذه الجائحة.