بعد حوالي ثلاثة أشهر من التعليق، استؤنفت المشاورات الاقتصادية والتجارية رفيعة المستوى بين الصين والولايات المتحدة في شانغهاي يوم 30 يوليو الجاري، وتعتبر هذه خطوة إيجابية اتخذها فريق الاستشارات الاقتصادية والتجارية بين البلدين لتنفيذ الإجماع الذي توصل إليه رئيسا البلدين في أوساكا. مع ذلك، وأثناء تناول المفاوضون من الجانبين عشاء عمل ليلة 30 يوليو بتوقيت بكين، أصدر البيت الأبيض أصواتا مزعجة ومشوّشة للضغط على الجانب الصيني.
لقد لوحظ أن الولايات المتحدة غالباً ما تصدر صوتًا مزعج وغير بناء عشية انعقاد المشاورات التجارية بين الجانبين، والتي يبدو أنها استراتيجية معتادة لواشنطن في التعامل مع بكين. لكن من الواضح أن هذا ليس أسلوبًا جيدًا، فقد أثبت الوضع في العام ونصف العام الماضي أن مثل هذه التكتيكات لم تنجح أبدًا.
وأن الاصوات الصادرة من البيت الأبيض مؤخرا باتت مألوفة للناس بالفعل، كما أن مثل هذه الخدع لم تعد تجدي ولا تلعب دورا فعاليا. على سبيل المثال، زعم البيت الابيض الاقتصاد الصيني الحالي بأنه "الأسوأ منذ 27 عامًا"، قائلا إن “التعريفات تسببت في خسارة 5 ملايين وظيفة للصين". وهل الصين بحاجة الى واشنطن حتى تخبرها عن وضع اقتصادها؟ الاقتصاد الصيني مستقر وقادر على التحمل، الذي يعطي الصين الثقة الكافية، وعدم تقديم تنازلات غير مبدئية.
كما أصدر البيت الأبيض شكوى يوم 30 يوليو، ذكر فيها إن بكين "لم تف بوعدها وبدأت الآن بشراء المنتجات الزراعية الأمريكية". في حين، ذكرت لجنة التنمية والإصلاح الصينية يوم 28 يوليو، إن شراء المنتجات الزراعية الأمريكية يتم على قدم وساق، وبدلاً من ذلك، يتعين على الصين تذكير الولايات المتحدة بالوفاء بالتزاماتها، بما في ذلك رفع حظر المبيعات على هواوي على الفور.
بالإضافة إلى ذلك، ادعى البيت الأبيض أن بكين تنتظر نتائج انتخابات الولايات المتحدة عام 2020، آملا أن يفوز جون بايدن المرشح من الحزب الديمقراطي حتى تواصل نهب الولايات المتحدة. وأن مثل هذه المزاعم الصادرة عن البيت الأبيض لا يمكن إلا ان نقول عنها تكهنات غير منظمة إلى حد ما. والسؤال هنا، كيف يمكن للانتخابات الامريكية أن تؤثر بدرجة كبيرة على الاتفاق الاقتصادي والتجاري بين الصين والولايات المتحدة؟ في الواقع، الصينيون يتحدثون إلى الولايات المتحدة وليس الى الحزب الجمهوري. وعليه، فإن الاستماع الى ما يصدره البيت الأبيض من أصوات يجعلنا نفهم بأن السياسة التجارية لا تمثل مصالح المجتمع الامريكي بأكمله.
لا يمكن للبيت الأبيض أن ينكر أن الولايات المتحدة وليس الصين التي يصعب التعامل معها في التجارة حول العالم. حيث أن الولايات المتحدة قد أطاحت بالعديد من الاتفاقيات والقواعد، وغاضبة تجاه الجميع، فكيف يمكن للبيت الأبيض أن يقول إن الصين دائمًا ما تعدل محتوى الاتفاقية لمصلحتها في اللحظة الأخيرة؟ يبدو أنه وصف لأمريكا نفسها.
لقد أدركت الصين والولايات المتحدة بشكل مشترك الحاجة الى استبدال الحروب التجارية باتفاق منذ أن استأنفا مشاوراتهما التجارية. ولماذا لم يتم التوصل الى اتفاق بعد الجولات العديدة من المحادثات؟ بعد تنقل الوفد الأمريكي الى شانغهاي في رحلة جابت نصف الكرة الأرضية للتفاوض مع الفريق الصيني، أعلن البيت الأبيض بقوة أن لديهم كل الأوراق، هل من معنى لذلك؟ هل يعتقدون حقًا أن بكين عند سماع ذلك لن تحافظ على الحد الأدنى في المشاورات؟
منذ العام الماضي، تعيش الصين والولايات المتحدة حالة من المحادثات والحرب على نحو متقطع، وإذا كانت بضع الكلمات التي تهديد بها الولايات المتحدة فعالة، فالأشياء أكثر بساطة بالنسبة لواشنطن. لكن، المشكلة أن الامر ليس كذلك.
يمكن أن نرى القلق المتزايد للبيت الأبيض بشأن توقيع الاتفاقية الاقتصادية والتجارية الصينية –الأمريكية من الحديث عن الامر بلا توقف. ونظرًا لأنهم يريدون التوصل إلى اتفاق، يتعين على الجانبين أن يكونوا صريحين وأن يبحثوا بجدية عن أكبر قاسم مشترك في نقط الخلاف الأشدّ. إن استخدام الضغط المفرط أكثر من اللازم، ستخفف قوته باستمرار. ويحتاج الجانبان إلى الاهتمام بالشواغل الرئيسية لبعضهما البعض، وأن الإخلاص والوفاء بالالتزامات هو المفتاح لكسر الجمود الذي يعتري المحادثات التجارية الصينية -الأمريكية.
تحتاج الولايات المتحدة إلى تغيير العادة السيئة المتمثلة في اصدار الأصوات المزعجة والمشوّشة على المحادثات التجارية الصينية ـ الأمريكية، لان مثل هذا الأسلوب سيقوض الثقة المتبادلة الهشة بين الصين والولايات المتحدة، وجعل الناس يشكون بأن الولايات المتحدة دائمًا في لعبة. كما تحتاج الولايات المتحدة إلى تأسيس صورتها الإيجابية الخاصة بالأمانة والمنطق، وقد يكون هذا الأمر أكثر فاعلية من الضغط الشديد بالنسبة للعديد من الأطراف المتفاوضة.