بكين 26 ابريل 2019 /قال هشام أبو بكر متولي، باحث اقتصادي أول بوزارة الصناعة والتجارة المصرية، إن مبادرة "الحزام والطريق" القائمة على التعددية والعدالة مع الالتزام بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، تتماشى مع أجندة افريقيا 2063، وجلبت فوائد كبيرة لدفع النمو الافريقي في شتى المجالات.
وأضاف متولي في مقابلة مع وكالة أنباء "شينخوا"، أن المبادرة تستهدف المساهمة في دعم إنشاء الموانىء والطرق والمطارات وباقي المنشآت والخدمات اللازمة لتسهيل حركة التجارة نحو أي مكان في العالم، بغض النظر عن كون الدولة المشاركة في المبادرة صغيرة أو كبيرة، فقيرة أو غنية. ولهذا؛ فإن المبادرة تُلبي مطلب دول كثيرة عانت من التهميش خلال عقود طويلة سابقة دون أن تستطيع اللحاق بركب النهضة الصناعية السابقة، أو المساهمة في حركة التجارة العالمية.
وأكد متولي على استفادة القارة الأفريقية من مبادرة "الحزام والطريق" في عدة نواحٍ، ولا سيما في مجال البنية التحتية التي لطالما كبحت من سرعة النمو الافريقي، حيث تعد الصين أكبر مستثمر في البنية التحتية في القارة السمراء التي تحتاج ما بين 120 مليار و140 مليار دولار أمريكي سنويا في هذا المجال.
ونوّه متولي بأهمية الإنجازات التي حققتها الصين بالفعل من خلال إنشاء العديد من خطوط السكك الحديدية في افريقيا. فعلى سبيل المثال؛ قامت بتمويل وبناء خط سكة حديد مومباسا - نيروبي الذي يربط بين ميناء مومباسا والعاصمة الكينية نيروبي.
واستطرد قائلا إن من المعروف أن العديد من الدول الافريقية لطالما عانت من عدم وجود موانئ خاصة بها، ما انعكس سلباً عليها وأسهم برفع تكلفة وصول البضائع إليها بشكل كبير. إلا أن إنشاء خطوط القطارات أتاح إمكانية الوصول للموانىء القريبة من هذه الدول ونقل البضائع من الموانئ إليها، ما خفض بالتالي الوقت المستهلك وقلل من تكلفة النقل بصورة كبيرة، الأمر الذي سينعكس إيجابياً وبشكل جيد مستقبلاً على حركة التجارة والنمو.
وأشار الباحث المصري إلى مشاركة الصين الفعّالة في إنشاء وتجديد العديد من الموانئ الافريقية بما في ذلك ميناء مومباسا، والتي تدعم التجارة المحلية والتجارة بين البلدان الافريقية والعالم، حيث أن العديد من الدول تلك كانت تعاني من قلة الموانىء أو عدم تطورها بشكل مناسب، ما أعاق إمكانية وصول البضائع بسهولة، ورفع تكلفة الشحن من خلالها، ولذلك؛ كان لابد من الاتجاه إلى إنشاء العديد من الموانىء الجديدة لخدمة الزيادة المتوقعة في حجم التجارة في دول القارة الافريقية.
واستعرض متولي أيضاً المساهمات الأخرى التي قدّمتها الصين للقارة السمراء من خلال مشاركتها في العديد من المشاريع الأخرى في مجالات الإنترنت والاتصالات. فعلى سبيل المثال؛ قامت الصين بتمويل وبناء شبكة أساسية للإرسال تعمل بتكنولوجيا الألياف البصرية في تنزانيا، تغطي المقاطعات والمدن الرئيسية في البلاد، وتربطها بست دول مجاورة.
وقال متولي لشينخوا: لقد عززت مبادرة "الحزام والطريق" من زخم الاستثمار في افريقيا من خلال مشاركة العديد من المؤسسات المالية الصينية والعالمية في دعم المبادرة، مثل البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وصندوق طريق الحرير، وبنك التنمية الجديد لدول "بريكس"، والمصرف الزراعي الصيني وغيره من المصارف الصينية.
ولفت متولي إلى دور المؤسسات المالية المذكورة في توفير تمويلات ضخمة لمشروعات معنية توزعت على عدد كبير من دول القارة الافريقية، وتتنوع بين مجالات الطاقة الكهربائية وخطوط نقل الغاز والنفط والسدود وغيرها.
وقال إن الصين بادرت استنادا إلى الدعم المالي المعزز لافريقيا إلى تدشين عدد من المناطق الصناعية في البلدان الافريقية لنقل خبرتها الواسعة وتعزيز التنمية الصناعية المحلية. وقد أثمرت هذه المناطق الصناعية وحققت نجاحات كبيرة في جذب الاستثمارات لهذه الدول.
وفي هذا الصدد، أشار متولي الى نجاح منطقة السويس للتعاون الاقتصادي والتجاري في مصر بجذب العديد من الشركات في المرحلة الأولى منها، ما شجّع مصر على البدء في المرحلة الثانية، حيث نجحت شركة "تيدا" الصينية في جذب العديد من الاستثمارات لها أيضا. ولم يقتصر الأمر على ذلك فقط، إذ شجعت الاستثمارات الصينية في منطقة السويس الدول الأخرى على الاستثمار فيها.
ومن ناحية أخرى، تناول متولي جهود العديد من الدول الافريقية لإجراء إصلاحات قوية للقوانين الخاصة بالاستثمار، وتحسين مناخ الأعمال لتوفير بيئة مناسبة لجذب الاستثمارات.
وفيما أشار تقرير البنك الدولي عام 2018 عن افريقيا جنوب الصحراء، إلى أن المنطقة شهدت أكبر عدد من الإصلاحات للعام الثاني على التوالي. قال متولي إن البلدان المذكورة أقرت 83 نظاما جديدا للأعمال التجارية في العام 2017 ، ما يدل على عزمها الحقيقي على الإصلاح وتوفير بيئة ملائمة لاجتذاب الاستثمارات.
ولفت متولي إلى جهود الدول الافريقية واهتمامها بتحسين البنية التحتية وتوفير الطاقة اللازمة للمصانع، إلا أنها لا تزال بحاجة إلى المزيد من التطوير والاصلاحات لبعض النُظم مثل منظومة التعليم والصحة وغيرها من الأنظمة اللازمة لتوفير البيئة اللازمة للاستقرار الاقتصادي، ودعم النمو بمعدلات كبيرة في مجالات الصناعة والزراعة.
وفي مجال التجارة؛ أصبحت الصين أكبر شريك تجاري لأفريقيا منذ 2009، فيما أشارت الإحصاءات الرسمية الواردة من مصلحة الجمارك الصينية العامة في العام 2018 ، إلى أن إجمالي حجم واردات وصادرات الصين مع افريقيا قد سجل 204.19 مليار دولار أمريكي. وهذا يمثل زيادة بنسبة 19.7 في المائة على أساس سنوي، متجاوزا معدل النمو الإجمالي للتجارة الخارجية الصينية في الفترة نفسها بـ 7.1 نقطة مئوية. وخلال الفترة الزمنية نفسها ، بلغت صادرات الصين إلى افريقيا 104.91 مليار دولار أمريكي ، بنسبة زيادة 10.8 % ، وبلغت واردات الصين من افريقيا 99.28 مليار دولار أمريكي ، بنسبة زيادة 30.8%، بفائض تجاري بلغ 5.63 مليار دولار أمريكي، بانخفاض 70% على أساس سنوي.
ويتوقع الباحث أن يرتفع التحسن المستمر في التجارة بين الصين والدول الافريقية هذا العام بعد المعرض الصيني الدولي الأول للواردات الذي أقيم في شانغهاي في نوفمبر الماضي والذي شهد إقبالا افريقيا وعالميا تمخض عن عقد صفقات ضخمة لاستيراد البضائع الافريقية خلال هذا المعرض.
وأكد متولي أن العلاقات الصينية الافريقية تشهد بلا ريب أزهى عصورها، وخصوصا مع انطلاق مبادرة "الحزام والطريق" التي حفزت الدول الافريقية على الالتحام مع الصين بشكل أعمق لتحقيق الهدف المنشود المتمثل في التنمية للجميع والرفاهية للجميع والمستقبل المشترك.
ويرى الباحث متولي، أن مبادرة "الحزام والطريق" لا تزال في بداية عهدها، وأن الصين لا زالت تملك الكثير لمشاركته مع القارة الافريقية. ومن المتوقع أن تشهد السنوات القادمة قفزات جديدة غير مسبوقة في التعاون بين الصين والدول الافريقية، ولا سيما في مجالات التصنيع والتكنولوجيا وتحسين الخدمات، حيث تزخر الصين بالكثير من الشركات الراغبة في الاستثمار في افريقيا، التي تنتظر توفير البنية التحتية والمناخ المناسب للاستثمار، قبل أن تنطلق لتؤسس استثماراتها في القارة السمراء، وهو ما يتماشى مع التوقعات الدولية بأن تحقق افريقيا قفزات كبيرة في معدلات نموها.