بكين 13 ديسمبر 2018 / باتت الصين شريكا صادقا للدول العربية في مجال التعاون الفضائي على المدى الطويل، حيث أحرز الجانبان إنجازات أولية في مجالات تطوير وتصنيع وإطلاق الأقمار الصناعية، ومشاركة البيانات وتطبيقاتها، فضلا عن التبادل الفني وتدريب المختصين في علوم وتكنولوجيا الأقمار الصناعية.
وأعلنت الصين مؤخرا نجاحها في إطلاق قمرين صناعيين للمملكة العربية السعودية على متن الصاروخ الحامل "لونغ مارش-2 دي" من مركز جيوتشيوان لإطلاق الأقمار الصناعية في شمال غربي البلاد، حيث من المتوقع أن يلعبا دوراً هاماً في التصوير الأرضي بعد إطلاقهما.
ويشكل إطلاق القمرين الصناعيين ثمرة من ثمار التعاون الفضائي بين الصين والدول العربية على خلفية حلمهما باستكشاف واستخدام الفضاء، وسياساتهما الداعمة للتطور المشترك في مجال الطيران والملاحة الفضائية.
وكان الرئيس الصيني شي جين بينغ قد دعا خلال حفل افتتاح الدورة السادسة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي في عام 2014 إلى الارتقاء بمستوى التعاون العملي الصيني العربي في 3 مجالات ذات تكنولوجيا متقدمة كنقاط اختراق تشمل الطاقة النووية والفضاء والأقمار الاصطناعية والطاقات الجديدة.
كما جدد الجانب الصيني اهتمامه أثناء الدورة الثامنة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي هذا العام بإقامة قناة مشتركة لممر معلومات الحزام والطريق وتطوير التعاون في مجال الفضاء وتشجيع بناء نظام "بيدو" الصيني للملاحة وتكنولوجيا الاستشعار عن بعد للأرصاد الجوية عبر الأقمار الصناعية لخدمة البلدان العربية.
ومن جانبه، أعرب محمد بن عمر، الأمين العام للمنظمة العربية لتكنولوجيات الاتصال والمعلومات، عن رغبة الدول العربية في التعاون مع الصين في مجال الفضاء، لا سيما نظام "بيدو" للملاحة، مضيفا أنه سيساعد على خدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول العربية وتحسين مستويات معيشة شعوبها.
وفي ظل هذا الدعم الذي تقدمه السياسات، أصبح التعاون العلمي والتكنولوجي، وبخصوص التعاون الفضائي، نقطة ساخنة ضمن إطار التعاون الشامل بين الصين والدول العربية خلال السنوات الأخيرة، فيما تم تشكيل مجموعة من طرق التعاون تدريجيا.
على سبيل المثال، نجحت الصين في إطلاق قمر "كومسات-1"، وهو أول قمر صناعي جزائري للاتصالات في ديسمبر 2017، ما سجل علامة هامة على طريق الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين والجزائر وأوجد سابقة في التعاون بمجال الفضاء بين الصين والدول العربية، حتى أن علماء وخبراء معنيين بالعالم وصفوا هذا الأمر بـ"طريق الحرير الفضائي".
ودُشن أول مركز "بيدو" لنظام الملاحة الصيني لتحديد المواقع الجغرافية عبر الأقمار الصناعية بالخارج في تونس مطلع العام الجاري، الذي يُدار بشكل مشترك من قبل المكتب الصيني لإدارة الملاحة عبر الأقمار الصناعية والمنظمة العربية لتكنولوجيات الاتصال والمعلومات، ما يدل على امتداد التعاون الصيني التونسي إلى مجال الفضاء.
وفي الوقت نفسه، صدر "إعلان الدورة الأولى من منتدى التعاون العربي الصيني لـ بيدو" بشانغهاي في مايو 2017، فيما اتفق الجانبان على تعزيز التعاون في دفع المشاريع الكبرى والبحوث في تطبيق الملاحة بالأقمار الصناعية في مجالات المواصلات الذكية ومساحة الأراضي الوطنية والزراعة الدقيقة والأمن العام، وذلك على أساس تعاون الجانبين القائم وأولويات متطلبات الجانب العربي.
ومن المقرر أن تجري الدورة الثانية من منتدى التعاون العربي الصيني لـ"بيدو" في تونس في النصف الأول من عام 2019، ما سيسهم في دفع نشر نظام بيدو في الدول العربية، علاوة على التنمية الاقتصادية والاجتماعية المحلية.
وبالإضافة إلى ذلك، فتحت الصين البنية التحتية الفضائية التي تم بناؤها على مدار عدة سنوات للدول العربية وشاركت البيانات وتطبيقات الأقمار الصناعية معها.
وأوضح أحد مسؤولي مصلحة االصين للطيران والملاحة الفضائية أن الصين تعمل حاليا على تعزيز بناء مشروع ممر معلومات الحزام والطريق الفضائية، بهدف توفير دعم معلوماتي يشمل تخطيط استخدام الأراضي وحماية البيئة والتنبؤ بالكوارث، فضلا عن دفع السياحة وغيرها من الصناعات لدول على طول الحزام والطريق، بما فيها الدول العربية، وذلك عن طريق دمج مزاياها في مجالات مثل الاتصال والملاحة والاستشعار عن بعد.
وقدم نظام "بيدو" الصيني خدمات في مجالات عديدة لـ30 دولة على طول الحزام والطريق، من بينها السعودية، ومن المخطط أن يتحقق ارتباط أكثر من 30 قمرا صناعيا، لتغطية أنحاء العالم بحلول عام 2020، وفقا لتقرير رسمي صيني بهذا الشأن.
كما تخطط مصلحة الصين للطيران والملاحة الفضائية ومصلحة الصين للأرصاد الجوية لدفع تعديل مدار القمر الصناعي للأرصاد الجوية من طراز "فونغ يون-2" من أجل توفير المزيد من خدمات بيانات الأرصاد الجوية لدول تقع في غرب آسيا وشمال إفريقيا.
ولا يقتصر التعاون الفضائي بين الصين والدول العربية على إطلاق الأقمار الصناعية والتشارك المعلوماتي، بل يمتد إلى التبادل الفني وتعليم وتدريب الأكفاء المتخصصين في علوم وتكنولوجيا الأقمار الصناعية، كما قال المثل الصيني القديم: "تعليم الناس الصيد خير من إعطائهم السمكة".
فمثلا، تم تأسيس المركز الصيني العربي لنقل التكنولوجيا في منطقة نينغشيا ذاتية الحكم لقومية هوي بشمال غربي الصين عام 2015 بغرض إنشاء منصة خدمة معلوماتية شاملة لنقل التكنولوجيا عبر الحدود وتأهيل عدد كبير من الاختصاصيين في الادارة والتقنية، فضلا عن بناء مختبرات ومراكز بحوث مشتركة.
وقبل إطلاق القمر الصناعي الجزائري في عام 2017، قامت الصين بتدريب ما يزيد عن 300 تقني جزائري في دورات مكثفة امتدت بين يناير 2015 إلى يوليو 2016، ما وفر للجانب الجزائري إمكانية التحكم في القمر الصناعي وتطوير طرق استغلاله.
ووقعت الصين ومصر اتفاقية لتنفيذ مشروع مركز تجميع واختبار الأقمار الصناعية في مصر عام 2016، فيما يتوقع أن يتم إنشاء هذا المركز في عام 2019.
يذكر أن الصين تلعب دورا هاما أيضا خلال تنفيذ المشروع في تدريب أكفاء مصريين بعلوم وتكنولوجيا الفضاء، إلى جانب تحسين قدراتها في ذلك المجال من الأساس، ما يضع أساسا متينا لمصر من حيث إدارة المركز وتنمية الصناعة الفضائية على المدى الطويل مستقبليا.
وبينما تتعلم الصين والدول العربية من بعضهما البعض في مجال الفضاء، ينعكس الأمر على زيادة تعزيز المنفعة المتبادلة والكسب المشترك للجانبين والعالم أجمع، كما يمكن لتعاونهما تحقيق المزيد من التقدم في الطيران والملاحة الفضائية والصناعات المتعلقة على نحو عالمي.