تونس 22 نوفمبر 2018 / نفذ مئات الالاف من الموظفين الحكوميين في تونس اليوم (الخميس) إضرابا عاما عن العمل للمطالبة بزيادة رواتبهم لمواجهة الغلاء الفاحش في الأسعار، وسط تهديد بالتصعيد.
وشمل الإضراب كافة العاملين بالوزارات والإدارات المركزية والجهوية والمحلية والمؤسسات الخاضعة لأحكام القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية، حسب المدير العام المكلف بالإصلاحات الكبرى بالوظيفة العمومية برئاسة الحكومة سفيان عبد الجواد.
وقال عبدالجواد إن عدد هؤلاء الموظفين يبلغ 690.091 ألفا.
وشل الإضراب، الذي يأتي في سياق سياسي يتسم بتزايد التوتر بين الحكومة الحالية برئاسة يوسف الشاهد، وغالبية الأحزاب السياسية، كافة مؤسسات الدولة في مختلف أنحاء البلاد.
وبالتوازي، توافد منذ الصباح الباكر الالاف من أفراد الوظيفة العمومية إلى ضاحية باردو بغرب العاصمة تونس للتجمع أمام مقر البرلمان التونسي لإيصال أصواتهم إلى نواب الشعب.
وشارك في التجمع أكثر من 10 آلاف شخص.
ورفع هؤلاء شعارات مناهضة للحكومة، منها "يا حكومة عار عار، الأسعار شعلت نار نار"، و"لا للتفريط في مكاسب أعوان الوظيفة العمومية".
ولوح نور الدين الطبوبي، الأمين العام للإتحاد العام التونسي للشغل، أكبر مُنظمة نقابية في تونس، في كلمة ألقاها أمام التجمع الاحتجاجي، بتنفيذ إضراب عام يشمل كافة قطاع الإنتاج للرد على تملص الحكومة من التزاماتها وعدم إقرارها زيادات في رواتب أفراد الوظيفة العمومية.
وقال الطبوبي في كلمته إن الإتحاد العام التونسي للشغل "مُصمم على الاستمرار في النضال من أجل الدفاع عن القدرة الشرائية للمواطن، وعن كرامة وسيادة البلاد".
وتابع "سنُصعد من نضالنا، ولن نستسلم".
وأضاف أن الهيئة الإدارية الوطنية للاتحاد العام التونسي للشغل "ستتخذ بعد غد السبت قرارات نضالية تصعيدية"، وذلك في سياق المعركة الراهنة التي وصفها بأنها "معركة كرامة".
وانتقد الحكومة الحالية برئاسة يوسف الشاهد، متهما إياها بـ"تهافت أعضائها على تقديم الولاء لأسيادهم خارج أرض الوطن"، على حد تعبيره.
وقال الطبوبي في هذا السياق "عار عليكم أن تحكموا تونس من وراء البحار… وعار عليكم أن يُستباح الوطن بهذا الشكل عبر السفراء الذين يرتعون في البلاد، تونس لها شعب وسيادة"، مضيفا "هناك إرادة شعبية بزخم كبير، سنُعدل البوصلة في الاتجاه الصحيح".
ويتهم الإتحاد العام التونسي للشغل الحكومة الحالية بأنها أصبحت تخضع لإملاءات صندوق النقد الدولي، فيما يتعلق بسياستها الإجتماعية، حيث سبق له أن أرجع فشل مفاوضات أجراها معها بخصوص زيادة رواتب أفراد الوظيفة العمومية إلى رفض الحكومة الإستجابة لمطالبه حتى لا تُغضب صندوق النقد الدولي.
وكان الإتحاد العام التونسي للشغل قد دعا إلى هذا الإضراب بعد فشل مفاوضات مع الحكومة الحالية لإقرار زيادة في الرواتب.
وإعتبر في بيان رسمي أن الإضراب "يأتي بعد استنفاد كل فرص الحوار على ندرتها، رغم الاتفاقات السابقة مع الحكومة في أكثر من مناسبة".
واتهم الحكومة بـ"التملص من التزاماتها، خضوعا لإملاءات صندوق النقد الدولي، وتنفيذا لخياراتها الليبرالية المعادية لكل نفس اجتماعي ونقابي".
وعشية هذا الإضراب، ترأس رئيس الحكومة يوسف الشاهد، اجتماعا لمجلس الوزراء ليلة الأربعاء-الخميس، تم خلاله التأكيد على احترام الحق في الإضراب والتظاهر السلمي وفق ما نص عليه الدستور والقانون، وعلى ضرورة حماية القدرة الشرائية للمواطن.
وأعلنت رئاسة الحكومة أنه تم خلال هذا الاجتماع "النظر في ملفات التحكم في الأسعار ومقاومة التهريب والتجارة الموازية، حيث تم إقرار العديد من الإجراءات للتحكم في الأسعار وتعزيز آليات مقاومة التهريب".
في المقابل، أكدت غالبية الأحزاب السياسية تأييدها لهذا الإضراب العام في قطاع الوظيفة العمومية.
وأعربت حركة النهضة عن "تقديرها للعمل النقابي ولدور الاتحاد العام التونسي للشغل في إنجاح الانتقال الديمقراطي ولدوره الريادي في الدفاع عن منظوريه وعن العدالة الاجتماعية بما يجعله شريكا أساسيا في تحقيق الانتقال الاقتصادي والاجتماعي المأمول".
ودعت في بيان الحكومة ومختلف الأطراف الاجتماعية إلى استئناف ومواصلة الحوار والتفاوض "لضمان أفضل السبل للنهوض بالأوضاع الاجتماعية لمختلف القطاعات باعتبارها مسؤولية مشتركة ومطمحا لجميع الأطراف".
من جهتها، طالبت الهيئة السياسية لحركة نداء تونس في بيان الحكومة "بعدم إغلاق باب التفاوض وإعادة فتح قنوات الحوار مع الاتحاد العام التونسي للشغل للتوصل إلى حلول تراعي التوازنات المالية العامة للدولة وتضمن للأُجراء والموظفين القدرة على مواجهة التدهور الحاد للقدرة الشرائية والتضخم وغلاء المعيشة".
ودعت الحركة إلى "صياغة خارطة طريق جديدة للخروج من الأزمة الحالية الخانقة".
أما الجبهة الشعبية، الإئتلاف الحزبي اليساري، فقد أكدت في بيان "مساندتها لإضراب أفراد قطاع الوظيفة العمومية من أجل تحسين مقدرتهم الشرائية وظروف عيشهم".
واعتبرت أن هذا الإضراب "يأتي ردا على رفض حكومة يوسف الشاهد الاستجابة لمطالب الأجراء ولحماية السيادة الوطنية والاقتصاد الوطني من التدمير الممنهج الذي يتعرض له".
واتخذت السلطات التونسية إجراءات أمنية مُشددة شملت حظر التجول على العربات في مُحيط البرلمان، وإقامة الحواجز لمنع "المُندسين" من الانضمام إلى المُحتجين، تحسبا لأي انزلاق نحو العنف والفوضى.
وقررت وزارتا التربية والتعليم العالي والبحث العلمي، تعطيل الدروس في كافة المدارس الإبتدائية والإعدادية والمعاهد والثانوية والجامعات.
وقال الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية سفيان الزعق، اليوم إنه تم اتخاذ الاحتياطات الأمنية اللازمة لتأمين تجمع النقابيين وأفراد قطاع الوظيفة العمومية أمام البرلمان "من الاعتداءات المُحتملة وكل محاولات الاندساس والحيلولة دون تحول التجمع الاحتجاجي من الطابع السلمي إلى عمليات شغب وسرقة ونهب".