القاهرة 16 سبتمبر 2018 / أثبتت القرارات الأخيرة والمتلاحقة لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي جاءت جميعها ضد الفلسطينيين وفي مصلحة الاسرائيليين، أن دور الوساطة الأمريكي كراع للسلام في الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، والذي استمر لسبعة عقود، قد انتهى.
وقررت الولايات المتحدة الأمريكية في نهاية أغسطس الماضي وقف تمويلها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، وبعدها ببضعة أيام أعلنت إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.
وقد اتخذت هذه القرارات بعد شهرين من انسحاب ادارة ترامب من مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة، وبعد أقل من عام من انسحابها من عضوية منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "يونسكو" بدعوى أن هذه المنظمات منحازة ضد حليفها الأول في الشرق الأوسط إسرائيل.
وبحسب بعض الخبراء فإن واشنطن لم تكن أبدا وسيطا نزيها في الصراع الأكبر بالشرق الأوسط، ولكنها فقط تدير الصراع بالطريقة التي تحقق المصالح الإسرائيلية.
أكذوبة عملية السلام
اندلع الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني الذي استمر لعقود بعد قيام اسرائيل باحتلال اراض فلسطينية وانشاء دولة إسرائيل بدعم غربي في العام 1948.
وتم تجميد المفاوضات بين الجانبين منذ العام 2014، نتيجة سياسة التوسع الاستيطاني الإسرائيلي والتي قوبلت برفض اقليمي ودولي.
ويرى الدكتور محمد جمعة الباحث بوحدة الدراسات العربية بمركز (الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية)، "أنها ليست عملية سلام في المقام الأول ولكنها مجرد ضغوط أمريكية، أو بالأحرى توظيف إسرائيلي لادارة ترامب لحسم الأمور العالقة بقضايا الحل النهائي لصالح إسرائيل".
وقال جمعة، لوكالة أنباء ((شينخوا))، إن "إسرائيل تسعى عن طريق ادارة ترامب للوصول إلى الترتيبات شبه النهائية لحسم الصراع لصالحها وليس لحله"، مضيفا إن إسرائيل ترغب من خلال الدعم المطلق للادارة الأمريكية أن تضع نهاية للقضايا العالقة مثل وضع القدس، واللاجئين، والتوسع الاستيطاني، وهوية الدولة، وغيرها.
وفي ديسمبر من العام الماضي، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض (فيتو) ضد مشروع قرار لمجلس الأمن يهدف لحماية وضع القدس ووقف قرار ترامب بالاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل، ونقل سفارة واشنطن من تل أبيب إلى المدينة المقدسة وسط رفض اقليمي ودولي.
ورغم ايقاف واشنطن لمشروع القرار، ونقل السفارة لاحقا، إلا أن مشروع القرار تم تأييده من قبل 14 عضوا بمجلس الأمن، وهو ما يشير إلى موقف واشنطن الانعزالي من هذا الصراع الاقليمي المزمن.
وتابع جمعة قائلا إنه "في هذه المرحلة لا توجد عملية سلام حقيقية للصراع، وليس هناك مفاوضات تلوح في الأفق بين الطرفين، وبالتالي فليس هناك مجال للحديث عن الدور الأمريكي"، مؤكدا أن "الولايات المتحدة ترى الصراع بعيون إسرائيلية".
مصطلح "صفقة القرن" ظهر أخيرا بزعم أنه يعبر عن رؤية ترامب لحل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي بتوطين الفلسطينيين خارج أراضيهم المحتلة، واسقاط حق العودة عن لاجئيهم، وهو ما يرفضه الفلسطينيون بشدة، بحسب تصريحاتهم الرسمية.
وأعرب الباحث بمركز (الأهرام) عن اعتقاده بأن الولايات المتحدة تعرف مسبقا أن الفلسطينيين لن يقبلوا مطلقا ما يسمى بصفقة القرن، ولذلك فإنها لن تعلن عن الصفقة بل سوف تعمل على التكريس لها على أرض الواقع.
إدارة الصراع وليس حله
وقال ترامب في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد مرور شهر من وصوله للبيت الأبيض في يناير 2017 "أرى حل دولتين أو حل دولة واحدة، وأحب الخيار الذي يحبه الطرفان"، ولكنه دائما يدعم الخيار الإسرائيلي.
ويعقد الفلسطينيون الآمال على حل الدولتين الذي تتبناه الأمم المتحدة في اقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وفقا لحدود العام 1967.
وبذلك فإن ترامب أوضح منذ البداية أن ادارته لن تضغط على اسرائيل من أجل حل الدولتين، ولكنها سوف تأخذ الصراع إلى اتجاه آخر يتفق مع المصالح الإسرائيلية.
وقال الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة "لقد حولت الولايات المتحدة ما يسمى بعملية السلام إلى مسألة إجرائية تقوم فيها بادارة الصراع وليس حله"، لافتا إلى أن واشنطن منحازة بالكامل لاسرائيل وتحاول استخدام ثقلها في ادارة الصراع بالطريقة التي تحقق المصالح الاسرائيلية.
وأضاف نافعة لوكالة أنباء (شينخوا) "والجديد في التناول الأمريكي للصراع هو فقط أن القناع قد سقط، وأن ترامب يتصرف دون الحاجة لتجميل الإجراءات الأمريكية التي تقضي على عملية السلام"، موضحا أن المقترحات الأمريكية والإسرائيلية لايمكن أن يوافق عليها اي فلسطيني.
ولفت إلى أن الخطوات التي قام بها ترامب في الأشهر القليلة الماضية بشأن الأزمة الإسرائيلية - الفلسطينية كانت سريعة ومتلاحقة مستخدما الحرب الدولية الجارية على الإرهاب وتفرق العالم العربي لتحقيق رؤية واشنطن للتسوية.
وأوضح نافعة أن "الحرب على الإرهاب لها وجه حقيقي ووجه زائف، فهناك ارهاب فعلا في المنطقة، ولكن الولايات المتحدة ليست لها مصالح حقيقية في محاربة الارهاب، لكنها توظفه لخدمة مشاريعها ومصالحها الاقليمية".
وأضاف "الانقسام داخل العالم العربي والصراعات المختلفة في بعض الدول العربية تمثل أحد أكبر نقاط الضعف الإقليمية التي مهدت الطريق لاجراءات ترامب ضد الفلسطينيين ولصالح الإسرائيليين في المنطقة".